مقدمة

يُعدُّ فن العمارة من أهم مظاهر الحضارة؛ لما يعكسه من آمال الشعوب وأمانيها، وقدراتها العلمية وذوقها، وقد مثَّلت هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة نقطة البداية في تاريخ العمارة الإسلاميَّة؛ إذ كان لممارسته مهامَّ القيادة في دولة المدينة أثرٌ في التركيب الداخلي لعمران المدينة، ومنذ ذلك التاريخ بدأ يتبلور فقه البنيان في الحضارة الإسلاميَّة؛ لذا كان الغرض من هذه الدراسة تسليط الضوء على أثر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم في فنون العمارة بكل أشكالها والذي يعد من أبرز مقومات النهضة والمدنية؛ فقد فهم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم نماذج العمارة في الحضارات السابقة ثم طوَّروها بما يتناسب مع عقيدتهم ودينهم، فأبدَعوا بعد ذلك نموذجًا إسلاميًّا خاصًّا بهم. ومن أبرز النماذج التي تتحدث عنها هذه الدراسة: بناء المسجد النبوي ومراحل تطويره في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء الراشدين، وبناء المساكن التي تتسم بالبساطة، وهي حجرات أمهات المؤمنين وكذلك بيوت الصّحابة، وفق شروط انعكست كثيرًا على عمارة المنازل عبر العصور الإسلامية، وبناء السّوق الذي حدّد النّبي الكريم موضعه لعلمه أنَّ الاستقرار لا يقوم إلَّا به، وإنشاء دور الضيافةالتي خُصِّصت لاستقبال الوفود، وأخيرًا تحصين المدينة المنورة.

مشكلة الدراسة:   

يظن أعداء الإسلام أنّ المسلمين بعيدين عن عوامل التقدم والحضارة والمدنيَّة وأنّ الحضارات الغربية سبقت المسلمين في الجانب المعماري، فجاءت هذه الدِّراسة لتبيّن بالأدلة والبراهين مدى اهتمام النّبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام وأثرهم في فنِّ العمارة الإسلامية وفق البيئة التي كانوا يعيشون فيها، ووفق المعدات التي كانت متوفرة آنذاك.

أهمية الدراسة:

تكمن أهمية هذه الدِّراسة في بيان وإبراز جوانب الجمال في العمارة الإسلامية منذ نشأتها في عصر النُّبوة، وتسليط الضَّوء على أهم المشاريع المعمارية التي قام بها النَّبي صلى الله عليه وسلم، مع بيان المواد المستخدمة، وكيفية استغلال الطبيعة والبيئة التي كانت متوفرة في ذلك الوقت، مع استخلاص أهم النَّتائج من كل بناء معماري، أو مشروع قام به النَّبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم.

منهجية الدراسة:

استدعت طبيعة هذه الدراسة استخدام المنهج الاستقرائي في جمع النصوص والنَّماذج الدالة على فنِّ العمارة الإسلامي في عهد النُّبوة وما بعده، وكذلك المنهج التحليلي وذلك بتحليل تلك النصوص والنماذج وبيان تطبيقاتها على العصور اللاحقة، والمنهج الوصفي الذي استخدمته في وصف البنيان والعمارة والمواد المستخدمة مع وصف الأماكن وطريقة البناء.

.1 فنّ العمارة في بناء المسجد النبوي.

.1.1 التَّطور المعماري في بناء المسجد النبوي في عهد النبوة.

برز فنُّ العمارة الإسلامية بالدَّرجة الأولى في بناء المساجد، حيث تحقق فيها التنوع والانسجام، وتميزت العمارة في بناء المساجد بطابعها الخاص وأشكالها المتميزة التي اختص بها المسلمون، ومن أبرز معالم العمارة الإسلامية ما كان في بناء المسجد النبوي الذي حرص على بنائه صلى الله عليه وسلم بعد هجرته إلى المدينة المنورة مباشرة، بعد أن كان المسلمون يصلون حيث أدركتهم الصلاة، وفي مرابض الغنم، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: “كَانَ يُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الغَنَمِ قَبْلَ أَنْ يُبْنَى المَسْجِدُ”.[1]

لذا كان من الضروري إيجاد مكان مناسب لبناء المسجد النبوي عليه، فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في المكان الذي بركت ناقته فيه مكانًا مناسبًا لإقامة المسجد، ففي حديث أنس رضي الله عنه: “فَأَرْسَلَ إِلَى مَلَأِ بَنِي النَّجَّارِ فَجَاءُوا، فَقَالَ: “لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المَدِينَةَ أَمَرَ بِبِنَاءِ المَسْجِدِ، وَقَالَ: يَا بَنِي النَّجَّارِ ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ هَذَا قَالُوا: لاَ وَاللَّهِ لاَ نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلَّا إِلَى اللَّهِ”.[2]

ومن خلال استقراء مراحل بناء المسجد النبوي يمكن القول بأنه تم بناؤه في حياته صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات على النحو الآتي:

المرحلة الأولى:

أسَّس النبي صلى الله عليه وسلم المسجد في ربيع الأول من العام الأول من هجرته صلى الله عليه وسلم، وكان طوله سبعين ذراعًا، وعرضه ستين ذراعًا، أي ما يقارب 35 متراً طولاً، و30 عرضًا، وجعل ارتفاع الجدران فوق سطح الأرض خمسة أذرع، وجعل أساسه من الحجارة، والدار من اللَّبِن وهو الطُّوب الذي لم يحرق بالنّار، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبني معهم اللَّبِن والحجارة.[3] وصلى المسلمون فيه أيامًا بهذا الشكل، وكان سقف المسجد من جريد النخل، وسواريه من جذوع النخل كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما: “أن مَسجِدَ النبيِّ  صلى الله عليه وسلم  كانت سَوَاريهِ على عَهدِ رسولِ الله  صلى الله عليه وسلم  مِن جُذوعِ النخلِ، أعلاهُ مُظَلَّلٌ بجَريدِ النَّخلِ”.[4]

وجعل قبلته إلى بيت المقدس، ثم جعل له ثلاثة أبواب: بابًا في مؤخره، وبابًا يقال له باب الرحمة، وهو الباب الذي يدعى باب عاتكة، والباب الثالث الذي يدخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الباب الذي يلي آل عثمان.[5] ، ولم يجعل له بابًا في الجدار الشمالي، لأن اتجاه القبلة إليه، حتى لا يكون الدخول منه قاطعاً للصفوف أثناء الصلاة.

وكان الرسول الكريم يشرف على العمل ويشارك به، فيحمل الحجارة واللبن ويوكل كل عمل إلى من يتقنه. فعَنْ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: “جِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ يَبْنُونَ الْمَسْجِدَ، قَالَ: فَكَأَنَّهُ لَمْ يُعْجِبْهُ عَمَلُهُمْ، قَالَ: فَأَخَذْتُ الْمِسْحَاةَ[6]، فَخَلَطْتُ بِهَا الطِّينَ، فَكَأَنَّهُ أَعْجَبَهُ أَخْذِي الْمِسْحَاة وَعَمَلِي، فَقَالَ: دَعُوا الْحَنَفِيَّ وَالطِّينَ، فَإِنَّهُ أَضْبَطُكُمْ لِلطِّينِ”.[7]

وذكر ابن الأثير (ت606ه) عن رجل جاءه كان يحسن عَجْن الطين، وكان من حَضْرموت، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: “‌رَحِمَ ‌الله ‌امرءاً ‌أحسَنَ ‌صَنْعَتَهُ، وقال له: الزَمْ أنتَ هذا الشغلَ فإني أراكَ تُحْسِنُهُ”.[8]

ولم يكن للمسجد في وقتها سقف كما قال ابن سعد: “فقيل له: ألا تسقفه؟ فقال: عريش كعريش موسى خشيبات وثمام، الشأن أعجل من ذلك”[9].

وبنى بيوتًا إلى جنبه باللبن وسقفها بجذوع النخل والجريد، فلما فرغ من البناء بنى بعائشة في البيت الذي بابه شارع إلى المسجد، وجعل سودة بنت زمعة في البيت الآخر الذي يليه إلى الباب الذي يلي آل عثمان.[10]

صورة تقريبية تبين بناء المسجد النبوي عندما كانت القبلة تجاه المسجد الأقصى

المرحلة الثانية:

بعد سبعة عشر شهرًا من الهجرة نزلت الآيات الكريمة بتحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة. قال تعالى: “قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ”. (البقرة: 144) لذا كان لابد من تطوير وتعديل يتوافق مع القبلة الجديدة، فسُقِّف جزء من القسم الخلفي من البناء على امتداد الجدار الجنوبي الذي أصبح جدار القبلة، وكان بناء السقف من الجريد وليس عليه طين كثير ويخر الماء منه عند نزول المطر ، بدليل ما رواه أبو سلمة رضي الله عنه قال: سَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ فَقَالَ: جَاءَتْ سَحَابَةٌ، فَمَطَرَتْ حَتَّى سَالَ السَّقْفُ، وَكَانَ مِنْ ‌جَرِيدِ ‌النَّخْلِ، فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْجُدُ فِي الْمَاءِ وَالطِّينِ، حَتَّى رأيت أثر الطين في جبهته”.[11]

وسدَّ الباب الذي كان في الجدار الجنوبي، وفتح مقابله باب في الجدار الشمالي، جدار القبلة السابقة، وبقي البابان الآخران دون تغيير.

وكان أهل الصُّفة يقطنون الجانب الأيمن من المصلى قبل تحويل القبلة إلى المسجد الحرام، فلما تحوَّلت تحوَّلوا آخر المسجد في مكان مسقوف كما ذكر ذلك ابن حجر رحمه الله بقوله: “الصّفة مكان في مؤخر المسجد النبوي مظلل أُعدَّ لنزول الغرباء فيه ممن لا مأوى له ولا أهل وكانوا يكثرون فيه ويقلون بحسب من يتزوج منهم أو يموت أو يسافر”.[12] وتحولت أيضًا حجرتا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مستوى مقدمة المسجد من الجانب الشرقي، بعد أن كانتا في مؤخرته.

وتمّ فرش أرض المسجد بالحصى بعد أن وجد الصحابة رضوان الله عليهم مشقة في السجود على أرض المسجد المبتلة بنزول المطر، فعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: “مُطِرنا ذاتَ ليلةِ فأصبَحَتِ الأرضُ مُبتَلَّةَ، فجعلَ الرجلُ يَأتي بالحَصى في ثَوبِه فيَبسُطُه تحتَه، فلمَّا قضى النبيُّ صلى الله عليه وسلم الصلاةَ قال: ما أحسَنَ هذا”.[13]

وكان الأذان يرفع قبل بناء المسجد النبوي فوق بناء عال للنوار أم زيد بن ثابت رضي الله عنه، ثم بعد بناء المسجد أصبح بلال الحبشي يؤذن على شيء مرتفع فوق ظهر المسجد، فقد روى ابن سعد عن النوار أمّ زيد بن ثابت تقول: ‌”كان ‌بيتي ‌أطول ‌بيت ‌حول ‌المسجد فكان بلال يؤذّن فوقه من أوّل ما أذّن إلى أن بَنَى رسول الله مسجده، فكان يؤذّن بعدُ على ظهر المسجد وقد رُفع له شيء فوق ظهره”.[14]

ولم يصنع للمسجد منبرًا في بداية الأمر، فقد كان صلى الله عليه وسلم يخطب واقفا مستندًا إلى جذع نخل، ثم صنع له منبرًا بعد ذلك، فعن الطفيل بن أُبي عن أبيه قال:” كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي إِلَى جِذْعٍ إِذْ كَانَ الْمَسْجِدُ عَرِيشًا، وَكَانَ يَخْطُبُ النَّاسَ إِلَى جَانِبِ ذَلِكَ الْجِذْعِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَلْ لَكَ أَنْ أَجْعَلَ لَكَ مِنْبَرًا تَقُومُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، حَتَّى يَرَى النَّاسُ خُطْبَتَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ فَصَنَعَ لَهُ ثَلَاثَ دَرَجَاتٍ هِيَ الَّتِي عَلَى الْمِنْبَرِ”.[15]

وباختصار كانت عمارة المسجد في هذه المرحلة تتلخص في سور منخفض، وسقف من جريد النخل، وأرض مفروشة بالحصى، ومنبر بسيط مرتفع ثلاث درجات، وفي آخر المسجد مكان لأهل الصفة من المهاجرين الفقراء الذين لا مأوى لهم.

المرحلة الثالثة:

بعد ازدياد أعداد المسلمين ووصول أعداد أخرى من المهاجرين أصبح المسجد النبوي ضيقًا على المصلين، وكان بجانب المسجد أرض فارغة حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على شرائها وجعل مثوبته الجنة فانبرى لها عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه فاشتراها بعشرين ألف، فعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: “أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ، أَتَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنِ ابْتَاعَ مِرْبَدَ بَنِي فُلانٍ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ فَابْتَعْتُهُ لَهُ بِعِشْرِينَ- أَوْ قَالَ: بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ- أَلْفًا. فَقَالَ: ‌اجْعَلْهُ ‌فِي ‌مَسْجِدِنَا ‌وَأَجْرُهُ ‌لَكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ “.[16]

ثم بدت رغبة الأنصار بالتوسعة وبتزيين المسجد النبوي وقد جمعوا مالًا وأتوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن عُبَادَةَ بن الصامت رضي الله عنه قال: “إنَّ الْأَنْصَارَ جَمَعُوا مَالًا فَأَتَوْا بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ ‌ابْنِ ‌لَنَا ‌هَذَا ‌الْمَسْجِدَ ‌وَزَيِّنْهُ إِلَى مَتَى نُصَلِّي تَحْتَ هَذَا الْجَرِيدِ؟ فَقَالَ: مَا بِي رَغْبَةٌ عَنْ أَخِي مُوسَى عَرِيشٌ كَعَرِيشِ مُوسَى“.[17]

وبدأت عملية التوسعة في العام السابع للهجرة بدليل أن أبا هريرة رضي الله عنه أول ما دخل المدينة رأى النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه يعملون في التوسعة وبدأ بمشاركتهم وكان دخول أبي هريرة رضي الله عنه للمدينة السنة السابعة للهجرة.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه: “أَنَّهُمْ كَانُوا يَحْمِلُونَ اللَّبِنَ إِلَى بِنَاءِ الْمَسْجِدِ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُمْ، قَالَ: فَاسْتَقْبَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَارِضٌ لَبِنَةً عَلَى بَطْنِهِ، فَظَنَنْتُ أَنَّهَا قَدْ شُقَّتْ عَلَيْهِ، قُلْتُ: نَاوِلْنِيهَا يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: خُذْ غَيْرَهَا يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، فَإِنَّهُ لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الْآخِرَةِ”.[18]

قال السبكي: ” كان في البناء الثاني لأن أبا هريرة لم يحضر البناء الأول لأن قدومه كان عام خيبر”

وهذه التوسعة لم تكن لتختلف في أدواتها وموادها عن التي قبلها فالأساس من الحجارة، والجدران من اللبن، والأعمدة من جذوع النخل، مع اختلاف عن السابق في الطول والعرض بعد أن تمت إضافة الأرض التي اشتراها عثمان رضي الله عنه، وامتد السقف ليغطي نصف المساحة. ففي رواية أبي سعيد الخدري قوله: “وَكَانَ نِصْفُ الْمَسْجِدِ عَرِيشًا مِنْ جَرِيدٍ”[19].

هذه الصورة المعمارية للمسجد النبوي والتي نقلتها كتب السيرة والسنة النبوية والتي كانت في عهد النبوة على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم، والتي كانت تتسم بالبساطة حسب الإمكانيات الموجودة والأدوات المتوفرة، ثم بعد وفاته صلى الله عليه وسلم تمت التوسعة والتطوير المعماري على عهد الصحابة والتابعين مع التفنن في العمارة والزخرفة والمتانة إلى عصرنا الحاضر.

صورة تقريبية تبين توسعة المسجد النبوي بعد تحويل القبلة للكعبة

وصورة المسجد النبوي التي نقلتها كتب السنة والسيرة فيها دروس معمارية عديدة من أبرزها:

اختيار الموقع الجغرافي المناسب للبناء، مع ضرورة التَّملك التّام للأرض التي سيُبنى عليها بشرائها من صاحبها من غير إجبار أو إكراه، ثم تحضير الموقع بتنظيفه وتمهيده، ثم تجهيز مواد البناء اللازمة واستغلال المواد المتوفرة في البيئة المحيطة، وتشجيع الأيدي العاملة وتحفيزهم واستغلال خبراتهم فيما يتقنوه من أعمال.

.2.1 التَّطور المعماري في بناء المسجد النَّبوي في عهد الخلفاء الراشدين

بقي المسجد النبوي على حاله طيلة الفترة التي تولّى فيها أبو بكر الصديق رضي الله عنه الخلافة لانشغاله بحروب الردة ومانعي الزكاة، وتجهيز الجيش الذي أعده الرسول صلى الله عليه وسلم بقيادة أسامة بن زيد وبعثه إلى أرض الروم، كل هذا مع قصر مدة خلافة الصديق مما حال دون القيام بتوسعة المسجد النبوي الشريف أو القيام بأي عمل معماري فيه، غير أنه جدد الأعمدة النخلية التي نخرت فقط.

ثمّ لما تولّى الفاروق عمر بن الخطّاب رضيَ الله عنه الخلافة سنة 17ه، قام بتوسعة المسجد بعد ازدياد عدد المسلمين وظهور بعض التصدعات في جدران المسجد، والعمل على جعل بنائه ذا متانة أكبر، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: إنّ النّاس كثروا في عهد عمر، فقال له قائل: يا أمير المؤمنين لو وسّعت في المسجد، فقال عمر: لولا أنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنّي أريد أن ‌أزيد ‌في ‌قبلة ‌مسجدنا، ‌ما ‌زدتُّ ‌فيه” [20].

 فوضع اللّبِن والجريد فوق ما كان رسول الله قد وضعه، وجعل أعمدته من الخشب.

فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: “إنَّ الْمَسْجِدَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَبْنِيًّا بِاللَّبِنِ، وَسَقْفُهُ الْجَرِيدُ، وَعُمُدُهُ خَشَبُ النَّخْلِ، فَلَمْ يَزِدْ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ شَيْئًا، وَزَادَ فِيهِ عُمَرُ، وَبَنَاهُ عَلَى بُنْيَانِهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِاللَّبِنِ وَالْجَرِيدِ، وَأَعَادَ عُمُدَهُ خَشَبًا”.[21]

وكان رضيَ الله عنه قد حريصًا على عدم وضع أيّ زخارف أو زينة؛ لأن ذلك يشغل الناس عن صلاتهم، فقد روى البخاري معلَّقًا عن عمر بن الخطّاب رضي الله عنه فقال: “أَكنَّ النَّاسَ منَ المطرِ، وإيَّاكَ أن تحمِّرَ أو تصفِّرَ فتُفتنَ النَّاسَ”.[22]

وقد بدأ عمر رضي الله عنه بشراء البيوت حول المسجد لتوسعته، إلا حجرات أمهات المؤمنين، وبيت كان للعباس بن عبد المطلب في جهة القبلة من المسجد، فَتَبَرُّع العباس به.[23]

بدأ عمر رضي الله عنه بتوسعته وجعل طول المسجد أربعين ومائة ذراع، وعرضه عشرين ومائة، وبدل أساطينه بأخر من جذوع النخل كما كانت على عهده عليه الصلاة والسلام، وسقفه بجريد وجعل سترة المسجد فوقه ذراعين أو ثلاثة، وبنى أساسه بالحجارة إلى أن بلغ قامة، وجعل له ستة أبواب: بابين عن يمين القبلة، وبابين عن يسارها، وبابين خلفها ثم قال لما فرغ من زيادته: لو انتهى بناؤه إلى الجبانة لكان الكل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.[24]

ثم بنى عمر رضي الله عنه في ناحية المسجد مكانًا أسماه البُطيحاء في الجهة الشرقية مما يلي المؤخرة، وقد دخلت في المسجد أثناء التوسعة بعد عمر لتكون مكانًا لإلقاء الشعر وغيرها من أمور الدنيا، فقد روى الإمام مالك في الموطأ:

“أَنَّ عمر بن الخطاب بَنَى رَحْبَةً فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ، تُسَمَّى ‌الْبُطَيْحَاءَ. وَقَالَ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَلْغَطَ، أَوْ يُنْشِدَ شِعْراً، أَوْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ، فَلْيَخْرُجْ إِلَى هذِهِ الرَّحَبَةِ”.[25]

وظلت إنارة المسجد تتم بواسطة الأسرجة التي توقد بالزيت.

ولما تولى الخلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه قام بتغييرات كبيرة وتوسيعات في المسجد النبوي، وذلك في شهر ربيع الأول سنة 29 هـ الموافق 649م، وانتهى منه في أول شهر محرم سنة 30 هـ، فكان عمله 10 أشهر.[26] واشترى الدُّور المحيطة به من الجهات الشمالية والغربية والجنوبية، ولم يتعرض للجهة الشرقية لوجود حجرات زوجات النبي صلى الله عليه وسلم فيها.

أما مقدار الزيادة، فقد كانت في الجهة الجنوبية 5 أمتار وهو منتهى الزيادات من هذه الجهة حتى الآن، وفي الجهة الغربية زاد 5 أمتار أخرى وهو الأسطوانة الثامنة من المنبر، وزاد من الجهة الشمالية 5 أمتار أيضًا.[27]

 وأضاف النقش إلى جدرانه، فقد أعاد بناء جدران المسجد باستخدام الحجارة المنقوشة والقَصّة (الجص الأبيض) ووضع بداخلها قطع الحديد والرصاص لتقويتها، وكذلك أعمدته، واستخدم في سقفه خشب السّاج.[28] وذلك بعدما تأوّل قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “مَن بَنى مَسجدًا للَّهِ كمِفحَصِ قَطاةٍ، أو أصغرَ، بَنى اللَّهُ لَهُ بيتًا في الجنَّةِ”[29]، واستشار الصحابة فأشاروا عليه بذلك، فقام بفعل ما فعل، إضافةً إلى ما قام به من فتح نوافذ في أعلى الجدران قريباً من السقف.[30]

وفي هذه العمارة ظهر لأول مرة بناء المقصورة [31]في محراب المسجد لحماية الإمام، وبها فتحات يراه منها المصلون.[32]

واستمرّ المسجد على ما هو عليه كما بناه الخليفة عثمان بن عفان، ولم يزد فيه علي بن أبي طالب رضي الله عنه شيئًا.

2. فنُّ العمارة في بناء حجرات أمهات المؤمنين

تم إنشاء بيوت زوجات النبي صلى الله عليه وسلم على مراحل حسب الحاجة إليها، فلم تبن كاملة في السنة الأولى من الهجرة، قال الذهبي: “لم يبلغنا أنه صلى الله عليه وسلم بني له تسعة أبيات حتى بنى المسجد ‌ولا ‌أحسبه ‌فعل ‌ذلك، إنما كان يريد بيتا واحدا لسودة أم المؤمنين رضي الله عنها. ولم يحتج إلى بيت آخر حتى بنى لعائشة رضي الله عنها في شوال سنة اثنتين، وكان صلى الله عليه وسلم بناها في أوقات مختلفة”.[33][34]

وتفيد الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بني مسجده بنى بيتين لزوجته عائشة وسودة رضي الله عنهما ولما تزوج بقية نسائه بنى لهن حجرات وهي تسعة بيوت عاش فيها النبي صلى الله عليه وسلم وتوفي في بيت منها ودفن فيه، وفيما يلي دراسة موجزة عن أهم جوانب هذه البيوت وأهلها.[35]

.1.2 موقع الحجرات عن المسجد النَّبوي

يتحدَّث المؤرخون عن خمس حجرات من حجرات أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وهي حجرات أمهات المؤمنين حفصة وعائشة وسودة وزينب بنت خزيمة وأم سلمة رضي الله عنهن، وقد بنيت في الجهة الشرقية من المسجد، ومعلوم أن السيدة أم سلمة سكنت في حجرة السيدة زينب بنت خزيمة بعد وفاتها سنة أربع من الهجرة ويظهر من عبارات المؤرخين ان حجرة السيدة سودة بنت زمعة كانت بجانب حجرة السيدة عائشة رضي الله عنهما لان النبي صلى الله عليه وسلم بنى هاتين الحجرتين بعد بناء المسجد في وقت واحد وعلى هيئة واحدة مما يدل على تجاورهما.[36]

أما بقيَّة الحجرات الشريفة فقد اختلف المؤرخون في أنها كانت في جهة واحدة من المسجد أم في عدة جهات؟ وقد رجح الكثير أنها كانت في الجهة الشرقية من المسجد فقط بينما يرى الآخرون أنها كانت في الجهة الجنوبية والشرقية والشمالية، ومما يدل على رجحان أنها كانت في الجهة الشرقية، ومما يدل على ذلك ما رواه ابن اسعد بسنده إلى محمد بن عمر قال: سألت مالك بن أبي الرجال أين كانت منازل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم؟ فأخبرني عن أبيه عن أمه أنها كانت في الشق الأيسر إذا قمت إلى الصلاة إلى وجه الإمام في وجه المنبر”.[37]

وعن عبد الله بن يزيد الهذلي قال: رأيت بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حين هدمها عمر بن عبد العزيز كانت من تبن ولها حجر من جريد مطرورة بالطين عددت تسعة أبيات بحجرها وهي ما بين بيت عائشة إلى الباب الذي يلي باب النبي صلى الله عليه وسلم إلى منزل أسماء بنت الحسين اليوم”.[38]

يتبيَّن مما سبق أنّ امتداد الحجرات الشريفة في الجهة الشرقية من المسجد إلى الباب الذي يلي باب النَّبي صلى الله عليه وسلم، وهو باب النِّساء المجاور لباب جبريل، والمراد من باب النَّبي صلى الله عليه وسلم هو باب جبريل عليه السلام.[39]  

رسم يوضح موقع الحجرات من المسجد النَّبوي[40]

.2.2 مساحة الحجرات الشَّريفة

تم بناء الحجرات الشريفة حسب المواد التي كانت متوفرة في حينها، ولا شك أنه قد تم استخدام نفس المواد في بناء الحجرات فقد ورد أنها كانت مبنية من اللبن والجريد وأكسية من شعر، وبعضها من الحجارة المنضودة بعضها فوق بعض، وكانت الحجرات متقاربة في المساحة والارتفاع، ولكل منها مدخل صغير، وأبوابها شارعة إلى المسجد النبوي، وقد جاءت عدة روايات تصف هذه الحجرات الشريفة ومنها ما يأتي:

عن دَاوُدُ بْنُ قَيْسٍ قَالَ: “‌رَأيتُ ‌الحُجراتِ ‌مِن ‌جَريدِ ‌النَّخلِ مُغشَّاة مِن خَارجٍ بمسُوح الشَّعرِ[41] وَأظُنُ عَرْضَ البَيتِ مِن بَاب الحُجرةِ إِلَى بَاب البيتِ نَحْوًا مِن سِتِ أَو سبعِ أَذرعٍ، وأحْزِرُ البيتِ الدَّاخِلَ عَشرَ أَذرعٍ، وأَظنُ سُمكَهُ بَين الثَّمانِ والسَّبْعِ نَحو ذَلك، ووقَفتُ عِند بَاب عَائشةَ فَإذا هُو مُستَقبِلَ المَغربَ”[42].

قال السهيلي (ت ٥٨١هـ): ” وأما بيوته عليه السلام فكانت تسعة بعضها من جريد مطين بالطين وسقفها جريد وبعضها من حجارة مرضومة بعضها فوق بعض مسقفة بالجريد أيضًا”.[43]

ولم تكن الحجر ذات ارتفاع عال، فعن الحسن بن أبي الحسن قال: “كنت أدخل بيوت النبي عليه السلام وأنا غلام مراهق فأنال السقف بيدي، وكانت حجره عليه السلام أكسية من شعر مربوطة في خشب عرعر[44]وفي تاريخ البخاري أن بابه عليه السلام كان يقرع بالأظافر أي لا حلق له”.[45]

وكانت حجرة السيدة عائشة رضي الله عنها في الجهة الشرقية من الروضة الشريفة مطلة عليها، وتحدها جنوبًا حجرة حفصة وشمالًا حجرة فاطمة وشرقًا حجرة سودة رضي الله عنهن أجمعين، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجرة عائشة ودفن بها.[46] 

وكانت حجرة أم المؤمنين سودة رضي الله عنها مجاورة لحجرة عائشة ولعلها كانت في الجهة الشرقية من حجرة عائشة رضي الله عنها لأن النبي صلى الله عليه وسلم بنى هاتين الحجرتين بعد بناء المسجد في وقت واحد وعلى هيئة واحدة.

وكانت حجرة حفصة رضي الله عنها في الجهة الجنوبية من حجرة عائشة رضي الله عنها وكانت حجرة فاطمة رضي الله عنها في الجهة الشمالية منها وكان المسجد في الجهة الغربية منها فلم يبق إلا الجهة الشرقية من حجرة عائشة فكانت بها حجرة سودة رضي الله عنها، والله أعلم.[47]

وكان بيت حفصة رضي الله عنها ملاصقًا لبيت عائشة رضي الله عنها من جهة القبلة وكان بين البيتين طريق ضيق قدر ما يمر الرجل منحرفًا، وكانتا تتهاديان الكلام وهما في منزليهما من قرب ما بينهما، وبيت حفصة اليوم داخل المقصورة وخارجها وهو موقف الزائرين بالمواجهة الشريفة.[48]

أما حجرة زينب بنت خزيمة رضي الله عنها فقد كانت مطلة على الطريق الخارج من باب جبريل من الشمال وتحدها غرباً حجرة فاطمة رضي الله عنها، وقد سكنت أم سلمة رضي الله عنها مكانها.[49]

وأما أم حبيبة رضي الله عنها فلعل حجرتها كانت في الجهة الشمالية من المسجد مع الإشارة إلى أن هذه الحجرة غير دارها التي كانت تملكها.[50]

وأما أم المؤمنين جويرية رضي الله عنها فلعل حجرتها كانت في الجهة الشرقية الشمالية من المسجد قريباً من موضع دكة الأغوات كما أشار إلى ذلك اسماعيل بن محمد بن اسحق بقوله إن آخر الحجرات حجرة جويرية رضي الله عنها.[51] 

أما أم المؤمنين صفية رضي الله عنها، قال محمد إياس: “ولم أجد في عبارات المتقدمين ما يدل على الموقع المحدد لهذه الحجرة الشريفة، ولعلها كانت قريبة من موضع دكة الأغوات”.[52]

وأما أم المؤمنين زينب بنت جحش، وميمونة بنت الحارث رضي الله عنهما فلم أجد من حدد موقع حجرتها بين الحجرات.

من خلال العرض السابق لكيفية بناء حجرات أمهات المؤمنين تتجلى لنا الصورة المبسطة والمتواضعة والزاهدة في الدنيا والتي تتَّسم بالبساطة، والخصوصيَّة، والتَّوافق مع البيئة. وهي شروطٌ انعكست كثيرًا على عمارة المنازل عبر العصور الإسلامية.

 يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله : “لمـَّا عَلِمَ صلى الله عليه وسلم أنَّه على ظهر سير، وأنَّ الدنيا مرحلة مسافر ينزل فيها مدَّة عمره ثم ينتقل عنها إلى الآخرة، لم يكن من هديه ولا هدي أصحابه ومن تبعه الاعتناء بالمساكن وتشييدها وتعليتها وزخرفتها وتوسيعها؛ بل كانت من أحسن منازل المسافر؛ تقي الحر والبرد، وتستر عن العيون، وتمنع من ولوج الدَّواب، ولا يُخاف سقوطها لفرط ثقلها، ولا تُعشِّش فيها الهوامُّ لِسِعَتِها، ولا تَعْتَور عليها الأهوية والرياح المؤذية لارتفاعها، وليست تحت الأرض فتُؤذِي ساكنها، ولا في غاية الارتفاع عليه بل وسط، وتلك أعدل المساكن وأنفعها، وأقلُّها حرًّا وبردًا، ولا تضيق عن ساكنها فينحصر، ولا تفضل عنه بغير منفعةٍ ولا فائدةٍ فتأوي الهوامَّ في خلوِّها، ولم يكن فيها كُنُفٌ فتُؤذي ساكنها برائحتها؛ بل رائحتها من أطيب الروائح، لأنَّه كان يُحبُّ الطيب، ولا يزال عنده، وريحه هو من أطيب الرائحة، وعَرقه من أطيب الطيب، ولم يكن في الدار كنيف تظهر رائحته، ولا ريب أنَّ هذه من أعدل المساكن وأنفعها، وأوفقها للبدن، وحفظ صحَّته”[53].‏

وطبيعة بناء هذه الحجرات انعكس على بناء بقية بيوت الصحابة رضوان الله عليهم، فهي لم تكن شروطًا نظريَّة؛ بل دخلت حيِّز التطبيق، فنرى أنَّ المنازل في صدر الإسلام كانت تفي بالضرورات، ولا تمتدُّ إلى الكمالات ممَّا لا حاجة له.

 فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: ” رَأَيْتُنِي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَنَيْتُ بِيَدِي بَيْتًا ‌يُكِنُّنِي ‌مِنَ ‌الْمَطَرِ، وَيُظِلُّنِي مِنَ الشَّمْسِ، مَا أَعَانَنِي عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ”[54].‏

مما يدل على أنه بيت بسيط متواضع خفيف المؤونة، لا يحتاج في بنائه إلى مساعدة.

.3 بناء السُّوق الإسلامي الأول

تأتي أهميَّة السُّوق الإسلامي من إيمان النَّبي صلى الله عليه وسلم بأهمية الاقتصاد الإسلامي في مواكبة المدنية والحضارة، وبضرورة استقلال المسلمين باقتصاد عادل بعيد عن الظلم والغرر والربا، ولإيمان نبي الرحمة كذلك بأن حضارة الأمم وتقدمها أساسه الاقتصاد القوي الحر الذي لا تبعية فيه لأحد، لذا فقد كان من أبرز اهتمامات النبي صلى الله عليه وسلم هو بناء سوق إسلامي حر بعيد عن التبعية المقيتة.

عن عطاء بن يسار قال: “لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجعل للمدينة سوقًا أتى سوق بني قينقاع، ثم جاء سوق المدينة فضربه برجله وقال: «هذا سوقكم، فلا يضيق، ولا يؤخذ فيه خراج”.[55]

ثم حدَّد النبي صلى الله عليه وسلم مكان السوق في غرب المسجد النبوي في مكانٍ رحب وواسع، وبين أنه لا يحق لولي الأمر أن يفرض على المتعاملين في السوق إتاوات أو رسوم أو ضرائب، إيمانًا منه بوجوب تكوين قوة اقتصادية للمسلمين للحفاظ على أموالهم وتنميتها بالحقّ.[56]

وعُرف سوق المدينة باسم (المناخة) أحد الأماكن ذات العبق التاريخي المرتبطة بالعهد النَّبوي، يقع كما ذكرنا غربي المسجد النَّبوي ويبدأ شمال مسجد المصلى، وعُرف بالمصلى لأن في موضعه كان النَّبي صلى الله عليه وسلم يصلي صلاتي العيد والاستسقاء.[57]

ويمتد إلى القرب من ثنيّات الوداع شمال المدينة المنورة قديماً، أي: يحدّ سوق المدينة من الجنوب مسجد المصلى ويمتد حتى شرق جبل سُلَيْع (باب الكومة) وقد اشتهرت المناخة كذلك بأن جزءًا منها وهو الجزء الشمالي الأقرب إلى ثنية الوداع كان مركزًا لمسابقة الخيول، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يحضر أحيانًا، وقد بُني في موقع السباق مسجد يسمى مسجد السبق قد أزيل حديثًا … وقد اختار رسول الله صلى الله عليه وسلم سوق المناخة للمسلمين ما بين المسجد الذي سُمي لاحقاً بمسجد السبق ومسجد المصلى، وذلك بعد هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة؛ ليخلصهم من سيطرة اليهود على الاقتصاد في المدينة المنورة، وبقي هذا السوق صامداً – كموقع- حتى وقت قريب ويعرف أهل المدينة حدود ذلك السوق حتى وقت قريب… ولم تذكر المصادر حدوداً معينة للسوق أو مساحة محددة بالضبط، كما أنه لا توجد مبان بهذا السوق وإنما هو فضاء يحضر التجار إليها صباحاً، ومن سبق إلى موقع وضع بضاعته فيه ويتاجر إلى نهاية اليوم، حيث يحمل متاعه ليعود في اليوم الثاني، كما لا توجد له أبعاد من حيث الطول أو العرض في أول إنشائه .[58]

ووصفت حدود السوق بمواضع، فقد أورد السمهودي عن عبد الله بن محمد قوله: ” كان الرّاكب ينزل بسوق المدينة ‌فيضع ‌رحله، ثم يطوف بالسوق ورحله بعينه يبصره، لا يغيبه عنه شيء”.[59]

ويظهر من هذا بأن مساحة السوق كانت متوسطة بحيث يرى الزائر ركبه.

وقال أيضًا: ” روى ابن زبالة عن عباس بن سهل عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بني ساعدة فقال: إني قد جئتكم في حاجة تعطوني مكان مقابركم فأجعلها سوقًا، وكانت مقابرهم ما حازت دار ابن أبي ذئب إلى دار زيد بن ثابت، فأعطاه بعض القوم، ومنعه بعضهم، وقالوا: مقابرنا ومخرج نسائنا، ثم تلاوموا فلحقوه وأعطوه إياه، ‌فجعله ‌سوقًا.

ودار ابن أبي ذئب ودار زيد بن ثابت كانتا في شرقي السوق، الأولى عند أثنائه مما يلي الشام، والثانية عند أثنائه مما يلي القبلة؛ فليست المقابر المذكورة سوق المدينة كله، بل بعضه. وقد قدمنا في منازل بني ساعدة أن ابن زبالة نقل أنّ عرض سوق المدينة ما بين المصلى إلى جرار سعد، وهي جرار كان يسقي الناس فيها الماء بعد موت أمه، وقدمنا أنّ الذي يترجح أن المصلى حده من جهة القبلة، وأن جرار سعد حده من جهة الشام؛ فتكون جرار سعد قرب ثنية الوداع، وقد قوى الآن ذلك عندي جدّا، لما سيأتي في ذكر دار هشام”[60].

ومن خلال النصوص نجد حرصه عليه صلى الله عليه وسلم في حدود هذا السوق ومكانه ما يأتي:

أـ أن تكون السوق واسعةً ولا يضيِّق التجار بعضهم على بعض في الأماكن، وقد ظلت هذه السوق طيلة عهد الرسول وعهد الخلفاء الراشدين عبارة عن فضاء حر من دون بناء، يخضع في تدبيره لنظام سنة المساجد كما كان يقول الخليفة عمر رضي الله عنه: “‌الأسواق ‌على ‌سنَّة ‌المساجد، مَن سبق إلى مقْعد فهو له؛ حتى يقوم منه إلى بيته أو يفرغ من بيعه”[61]  ولم يبدأ البناء في الأسواق إلا على عهد معاوية بن أبي سفيان الذي سن تأجير أماكن السوق

ب ـ لا يجوز لولي الأمر أن يفرض على المتعاملين فيها إتاوات أو رسومًا أو ضرائب خلافَ زكاة المال المقررة شرعًا.

ج ـ يجب أن تكون للمسلمين سوق حرة نظيفة طاهرة من الغش والغرر والربا والاحتكار، سوق تقوم على العدل وعلى الطيبات والحلال، والصدق والأمانة. 

 .4العمارة في بناء دُور الضِّيافة.

بعد انتشار الإسلام في شبه الجزيرة العربية وبدء سيطرة المسلمين وقوتهم بدأت الوفود من القبائل من جميع أنحاء الجزيرة بالورود إلى المدينة المنورة لإعلان إسلامها، أو ولائها للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد تجلت حينها صورة عظيمة من صور التضامن بين الأمة والدولة التي أسسها نبي الرحمة عليه أفضل الصلاة والتسليم، فنجد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينزل الضيوف في بيوت الصحابة رضوان الله عليهم ممن تتصف داره بأنها واسعة كبيرة، أو لما يكون من علاقة رحم بين الضيف وصاحب البيت، واهتم الصحابة رضوان الله عليهم بإكرامهم وتقديم أفضل أنواع الطعام والشراب لهم، وكانت من أهم تلك الدور:

1ـ دار عبد الرحمن بن عوف الكبرى، والتي سميت بـ (دار الضيفان) أو (دار الأضياف).

قال ابن شبَّة: “ومنهن الدار التي يقال لها: الدار الكبرى، دار حميد بن عبد الرحمن بن عوف بحش طلحة، وإنما سميت الدار الكبرى لأنها أول دار بناها أحد من المهاجرين بالمدينة، وكان عبد الرحمن ينزل فيها ضيفان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانت أيضًا تسمى دار الضيفان”[62].

قال السَّمهودي: “وهي غير دار عبد الرحمن بن عوف المعروفة بدار مليكة التي تقدم أنها دخلت في المسجد”[63].

وحاول السَّمهودي تحديد موقع دار الضيفان لكنه لم يكن متأكدًا، فقال: “وفي شامي المسجد اليوم مما يلي الشرق دار تعرف بدار المضيف، فلعل تسميتها بذلك لكونها في موضع دار الضيفان المذكورة، لكن ذكر الدار الآتية بعدها قبل جهة المشرق يبعد ذلك، فكأن الجانب الغربي من دار المضيف وما حوله في المغرب من الساباط وبعض رباط الظاهرية في موضع الدار المذكورة”[64].

2ـ ودار رملة بنت الحارث الأنصارية التي نزلتها وفود غسان وبني ثعلبة وعبد القيس وبني فزارة.

قال السَّمهودي: ” وكان النَّبي صلى الله عليه وسلم ينزل بها الوفود، وجعل بها أسرى بني قريظة حتى خندق لهم الخنادق بالسوق وقتلوا”[65].

3ـ دار المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، ونزل بها الأخلاف[66] من ثقيف.

قال الواقدي عن الأخلاف من ثقيف: “ويرجعون إلى منزل المغيرة فيطعمون ويتوضأون، ويكونون فيه ما أرادوا، وهم يختلفون إلى المسجد. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجري لهم الضيافة في ‌دار ‌المغيرة”[67].

4ـ دار يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنهما: ونزل بها وفد همدان.

5ـ ومنها دار بلال بن رباح رضي الله عنه: وقد نزل بها ملك أيلة حين قدم مع أهل الشام واليمن.

قال ابن سعد: “وكساه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بُرد يمنة وأمر بإنزاله عند بلال”[68].

6ـ دار أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه: وقد نزل بها وفد نجران، قال ابن سعد: “فلم يلبث ‌السيد ‌والعاقب إلا يسيرًا حتى رجعا إلى النبيّ، صلى الله عليه وسلم، فأسلما وأنزلهما دار أبا أيّوب الأنصاريّ”[69].

يقول أحمد غلوش: “أعدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عددًا من دور المدينة لإنزال الوفود بها، ومنها ‌دار ‌رملة ‌بنت ‌الحارث ‌النجارية، وهي دار واسعة، وفيها نخيل وزروع، وقد نزل بها وفد سلامان، ووفد تميم بن عيينة بن حصن، ووفد بني كلاب، ومنها دار المغيرة بن شعبة، ونزل بها الأخلافُ من ثقيف، ومنها دار أبي أيوب الأنصاري ونزل بها وفد نجران، ومنها دار يزيد بن أبي سفيان، ونزل بها وفد همدان، ومنها دار بلال، وقد نزل بها ملك أيلة حين قدم مع أهل الشام واليمن”.[70]

  .5 العمارة في تحصين المدينة المنوَّرة

.1.5 التحصين بحفر الخندق

من حكمة النَّبي صلى الله عليه وسلم ورؤيته الثاقبة حرصه على تأمين حدود المدينة المنورة من إغارات الأعداء المتوقعة، فعمت على تحصين المدينة المنورة من أضعف الجهات وهي الجهة الشمالية وذلك قبل قدوم الأحزاب، وقد أخذ النبي صلى الله عليه وسلم  مجموعة من الصحابة، وتفقد أطراف المدينة، ليحدد المكان الملائم لحفر الخندق، آخذًا بكل الأسباب، ووجد صلى الله عليه وسلم   أن لشرق المدينة المنورة وغربها حماية طبيعية، وهي مرتفعات الحرة الشرقية والغربية، وكذلك كان جنوب المدينة محميًّا بغابات طبيعية وأحراش، فلم يتبق إلا منطقة الشمال ومنطقة الجنوب الشرقي، وفي الأخيرة ديار بني قريظة، وهم إلى الآن على العهد مع رسول الله، وبعد استشارة النَّبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه أخذ برأي سلمان الفارسي رضي الله عنه.

قال الواقدي: و”كان رسول الله يكثر مشاورتهم في الحرب، فقال: أنبرز لهم من المدينة، أم نكون فيها ونخندقها علينا، أم نكون قريبا ونجعل ظهورنا إلى هذا الجبل؟ فاختلفوا، فقالت طائفة: نكون مما يلي بعاث إلى ثنية الوداع إلى الجرف. فقال قائل: ندع المدينة خلوفا! فقال سلمان: يا رسول الله، إنا إذ كنا بأرض فارس وتخوفنا الخيل خندقنا علينا، فهل لك يا رسول الله أن نخندق؟ فأعجب رأي سلمان المسلمين”[71].

وعن أنس رضي الله عنه قال: “خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْخَنْدَقِ فَإِذَا الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ فِي غَدَاةٍ بَارِدَةٍ فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَبِيدٌ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ لَهُمْ فَلَمَّا رَأَى مَا بِهِمْ مِنَ النَّصَبِ وَالْجُوعِ قَالَ:

‌اللَّهُمَّ ‌إِنَّ ‌الْعَيْشَ ‌عَيْشُ ‌الْآخِرَة ‌فَاغْفِرْ ‌لِلْأَنْصَارِ ‌وَالْمُهَاجِرَة، فَقَالُوا مُجِيبِينَ لَهُ: نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدَا”[72].

يقول الدكتور راغب السِّرجاني: “وإذا كان القرار قد تم اتخاذه بسهولة ويسر، إلا أن تنفيذه يُعدُّ مما يقارِبُ المستحيل؛ فمشروع حفر الخندق مشروع لا يتخيله عقل أبدًا؛ ذلك أن عمق الخندق يبلغ خمسة أمتار، بينما يصل عرضه في أقل التقديرات إلى خمسة أمتار أيضًا (بعض التقديرات تذهب به إلى 10 و12 مترًا)، ويبلغ طوله اثني عشر كيلو مترًا. وهذه الأبعاد تدل على أن الأرض المفروض حفرها يبلغ حجمها 300 ألف متر مكعب”.[73]

ومن خلال ما وردنا من قصة حفر الخندق وحجمه نستخلص ما يأتي:

1ـ هنالك جهد جبار مبذول من قبل الصحابة قد لا يتخيله العقل البشري، فقد تم حفر الخندق خلال فترة زمنية قياسية وهي أسبوعين فقط.

2ـ لم تكن الأرض المحفورة أرضًا رملية سهلة الحفر بل كانت صخرية تحتاج لمعدات ثقيلة لرفع الأحجار التي بها، كما أنه لابد من معدات لإزالة الرمال المستخرجة ونقلها لأماكن بعيدة وهذه المعدات لا شك أنها لم تكن متوفرة حينذاك.

3ـ نقص الخبرة لدى الصحابة رضوان الله عليهم في الحفر والنقل، مع كثرة الأيدي العاملة الموزعة على إثني عشر كيلو متر تقريبًا، يعملون في ظروف بالغة الصعوبة، من جوع وبرد وخوف من قدوم الأعداء في أي لحظة.

4ـ عملا كهذا لو تم في زمننا هذا في أسبوعين لاحتاج إلى أكثر من مائتي رافعة أثقال، وآلاف المعدات الإلكترونية، وعشرات سيارات النقل الكبيرة.

عمل كهذا لا يمكن للعقل البشري أن يستوعبه ولكن الإيمان بالله تعالى وأنه إذا أراد شيئًا أعان عليه، وذلل كل الصّعاب، سواء بأيدي المؤمنين أو بمدد من الملائكة، أو جنود لم يروها، بهذا فقط يمكن أن نوقن بإمكانية عمل جبار كهذا.

.2.5 التَّحصين بإنشاء المعسكرات خارج المدينة

أنشأ النَّبي صلى الله عليه وسلم معسكرًا خارج المدينة المنورة يهدف أيضًا لتحصين المدينة من الأعداء، وقد جعله على مسافة ثلاثة أميال منها من الجهة الشمالية، في منطقة تسمى الجرف.

يقول خالد الزايدي: “وتشير بعض المصادر التاريخية إلى أن الجرف أول المناطق سكنى بالمدينة، ويذكر المؤرخ د. تنيضب الفايدي أنها كانت أرضًا خصبة صالحة للزراعة منذ القدم، مستدلًا بمواضع مزارع الصحابة فيها وأن عثمان بن عفان رضي الله عنه خلج خليجًا أي عمل مجرى للماء حتى صبه في جزء من الجرف، كما أن الزبير بن العوام رضي الله عنه أقطعه أبو بكر الجرف، وكذلك عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه كان له مزرعة فيها، وكانت كرائم النخيل، وشجر السلم والسدر تغطي أرضها”[74].

وقد ورد أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم عسكر بالجُرف في غزوة بني لحيان بني هذيل بن مدركة بناحية عسفان.

قال محمد الشَّامي (ت942هـ): “وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عاصم بن ثابت، وخبيب بن عديّ وأصحابهما المقتولين بالرّجيع وجدًا شديدًا، فأظهر أنه يريد الشّام، ليصيب من القوم غرّة، فعسكر من ناحية الجرف، وخرج في مائتي رجل، ومعهم عشرون فرسًا”[75].

كما ثبت أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم أمّر أسامة بن زيد رضي الله عنهما على سريه لغزو الشام، فتوقَّف بالجُرف لمرض رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال ابن إسحاق: “وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ‌اسْتَبْطَأَ ‌النَّاسَ ‌فِي ‌بَعْثِ ‌أُسَامَةَ ‌ابْن ‌زَيْدٍ، وَهُوَ فِي وَجَعِهِ، فَخَرَجَ عَاصِبًا رَأْسَهُ حَتَّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَقَدْ كَانَ النَّاسُ قَالُوا فِي إمْرَةِ أُسَامَةَ: أَمَّرَ غُلَامًا حَدَثًا عَلَى جِلَّةِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ. فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ لَهُ أَهْلٌ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، أَنْفِذُوا بَعْثَ أُسَامَةَ، فَلِعَمْرِي لَئِنْ قُلْتُمْ فِي إمَارَتِهِ لَقَدْ قُلْتُمْ فِي إمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلِهِ، وَإِنَّهُ لَخَلِيقٌ لِلْإِمَارَةِ، وَإِنْ كَانَ أَبُوهُ لَخَلِيقًا لَهَا. قَالَ: ثُمَّ نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَانْكَمَشَ النَّاسُ فِي جَهَازِهِمْ، واستعزّ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَعُهُ، فَخَرَجَ أُسَامَةُ، وَخَرَجَ جَيْشُهُ مَعَهُ حَتَّى نَزَلُوا الْجُرْفَ، مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى فَرْسَخٍ، فَضَرَبَ بِهِ عَسْكَرَهُ، وَتَتَامَّ إلَيْهِ النَّاسُ، وَثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَقَامَ أُسَامَةُ وَالنَّاسُ، لِيَنْظُرُوا مَا اللَّهُ قَاضٍ فِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم”[76].

وفي إنشاء هذا المعسكر يتضح جليًا حرص النبي صلى الله عليه وسلم وبُعد أُفقه العسكري في تحصين المدينة المنورة بإنشاء معسكر صالح لإقامة الجيش به تتوفر فيه المياه، قريب من المدينة المنورة، يكون مكانًا للانطلاق والتشاور والانتظار، به يتجلى فن من فنون الإنشاء والتعمير الذي يخدم المسلمين ودينهم.

الخاتمة

بعد استعراضنا لأثر النَّبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه على العمارة الإسلامية، نصل إلى النتائج الآتية:

1ـ يعتبر الرسول صلى الله عليه وسلم، وأصحابه الكرام أول المهندسين للعمارة الإسلامية، فمن عهدهم بدأت مسيرة العمارة الإسلامية بالانتشار في شتى أنحاء الجزيرة العربية وما جاورها.

2ـ نشأت العمارة الإسلامية كحرفة بسيطة من حرف البناء في أبسط أشكاله، ثم تطورت حتى نشأت عنها مجموعة من الفنون المعمارية المختلفة.

3ـ تنوعت فنون العمارة الإسلامية في عهد النبي وأصحابه فمنها الديني، والمدني، والتجاري، والحربي.

4ـ كان في بناء المسجد النبوي دروس معمارية عديدة من أبرزها:

اختيار الموقع الجغرافي المناسب للبناء، مع ضرورة التملك التام للأرض التي سيبنى عليها بشرائها من صاحبها من غير إجبار أو إكراه، ثم تحضير الموقع بتنظيفه وتمهيده، ثم تجهيز مواد البناء اللازمة واستغلال المواد المتوفرة في البيئة المحيطة، وتشجيع الأيدي العاملة وتحفيزهم واستغلال خبراتهم فيما يتقنوه من أعمال.

5ـ طبيعة بناء حجرات أمهات المؤمنين تتجلى في الصورة المبسطة والمتواضعة والزاهدة في الدنيا والتي تتسم بالبساطة، والخصوصيَّة، والتوافق مع البيئة والتي انعكست على بناء بقية بيوت الصحابة رضوان الله عليهم، فهي لم تكن شروطًا نظريَّة؛ بل دخلت حيِّز التطبيق، فنرى أنَّ المنازل في صدر الإسلام كانت تفي بالضرورات، ولا تمتدُّ إلى الكمالات ممَّا لا حاجة له.

6ـ حرص النَّبي صلى الله عليه وسلم على إنشاء سوق إسلامية مستقلة، تتصف بمعالم حضارية ودينيَّة من أهمها: أن تكون واسعةً ولا يضيِّق التجار بعضهم على بعض في الأماكن عبارة عن فضاء حر من دون بناء، يخضع في تدبيره لنظام سنة المساجد مَن سبق إلى مقْعد فهو له، ولا يجوز لولي الأمر أن يفرض على المتعاملين فيها إتاوات أو رسومًا أو ضرائب خلافَ زكاة المال المقررة شرعًا، كما يجب أن تكون سوقًا حرة نظيفة طاهرة من الغش والغرر والربا والاحتكار، وتقوم على العدل وعلى الطيبات والحلال، والصدق والأمانة. 

7ـ أعدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عددًا من دور المدينة لإنزال الوفود بها؛ لتكون صورة عظيمة من صور التضامن بين الأمة والدولة التي أسسها نبي الرحمة عليه أفضل الصلاة والتسليم، فكان ينزل الضيوف في بيوت الصحابة رضوان الله عليهم ممن تتصف داره بأنها واسعة كبيرة، أو لما يكون من علاقة رحم بين الضيف وصاحب البيت، واهتم الصحابة رضوان الله عليهم بإكرامهم وتقديم أفضل أنواع الطعام والشراب لهم.

8ـ من حكمة النَّبي صلى الله عليه وسلم ورؤيته الثاقبة حرصه على تأمين حدود المدينة المنورة من إغارات الأعداء المتوقعة، فعمد على تحصين المدينة المنورة من أضعف الجهات وهي الجهة الشمالية فقام هو وأصحابه بحفر الخندق، وقاموا بجهد جبار لا يتخيله العقل البشري، فقد تم حفر الخندق خلال فترة زمنية قياسية وهي أسبوعين فقط.

9ـ إنشاء النَّبي صلى الله عليه وسلم معسكرًا قريب من المدينة المنورة يؤكد على حرصه وبعد أفقه العسكري في تحصين المدينة المنورة ومن مميزاته أنه صالح لإقامة الجيش به وتتوفر فيه المياه، إضافة لقربه من المدينة المنورة، ليكون مكانًا للانطلاق والتَّشاور والانتظار، به يتجلى فن من فنون الإنشاء والتَّعمير الذي يخدم المسلمين ودينهم.


[1]محمد بن إسماعيل البخاري، الجامع المسند الصحيح، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر (بيروت: دار طوق النجاة، 1422هـ)، “الصلاة”، 49 (رقم429)؛ مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، المسند الصحيح المختصر، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي (بيروت: دار إحياء التراث العربي، د.ت.)، “المساجد ومواضع الصلاة”، 1، (رقم 524)

[2] البخاري، “الوصايا”، 31، (رقم 2774)؛ مسلم، “المساجد ومواضع الصلاة”، 1، رقم (524)

[3] محمود محمد خطاب السبكي، المنهل العذب المورود شرح سنن الإمام أبي داود (القاهرة: مطبعة الاستقامة، القاهرة، 1351هـ)، 4/58.

[4] البخاري، “الصلاة”، 12، (رقم 452).

[5] محمد بن سعد بن منيع الزهري، الطبقات الكبير، تحقيق: الدكتور علي محمد عمر (القاهرة: مكتبة الخانجي، ١٤٢١ هـ/ ٢٠٠١ م)، 1/206.

[6] المِسْحاة: المِجْرَفَة مِنَ الْحَدِيدِ. محمد بن مكرم بن على ابن منظور، لسان العرب (بيروت: دار صادر، 1414ه)، 2/598.

[7] أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، مسند الإمام أحمد بن حنبل، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرون (بيروت: مؤسسة الرسالة، 1421 هـ / 2001 م، 39/465، (رقم 24009)، وقال محققوه: إسناده حسن.

[8] مجد الدين المبارك بن محمد الجزري ابن الأثير، جامع الأصول في أحاديث الرسول، تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط (صنعاء: مكتبة الحلواني 1392هـ/ 1972 م)، 11/184.

[9] ابن سعد، الطبقات، 1/206.

[10] ابن سعد، الطبقات، 1/206.

[11] البخاري، “الأذان”، 13، (رقم 638)؛ مسلم “الصيام”، 39 (رقم 1167).

[12] أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري (بيروت: دار المعرفة، 1379هـ)، 6/595.

[13] أبو داود سليمان بن الأشعث السِّجِسْتاني، سنن أبي داود، تحقيق: شعَيب الأرنؤوط ومحَمَّد كامِل قره بللي (بيروت: دار الرسالة العالمية، 1430 هـ / 2009 م)، “الصلاة”، 15 (رقم 458)، وإسناده ضعيف.

[14] ابن سعد، الطبقات، 10/391.

[15] أحمد، المسند، 35/174، (رقم 21252)، وقد حكم عليه محققوه بأنه صحيح لغيره.

[16] أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البَلَاذُري، جمل من أنساب الأشراف، تحقيق: سهيل زكار ورياض الزركلي (بيروت: دار الفكر، ١٤١٧ هـ / ١٩٩٦م)، 5/488، أحمد، المسند، 1/535، (رقم 511)؛ النسائي، “الجهاد”، 38 (رقم3182)، والحديث صحيح لغيره.

[17] أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، تحقيق: عبد المعطي قلعجي (بيروت: دار الكتب العلمية، ٤٠٨ هـ / ١٩٨٨م)، 5/488. وقال عنه ابن كثير: هذا حديث غريب من هذا الوجه.

[18] أحمد، “المسند”، 14/512، (رقم 8951)، وقد حكم عليه محققوه بأن إسناده ضعيف.

[19] أحمد، “المسند”، 17/280، (رقم11186)، وقال محققوه: إسناده حسن.

[20] علي بن عبد الله أبو الحسن السمهودي، وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى (بيروت: دار الكتب العلمية، 1419هـ)، 2/68.

[21] البخاري، “المساجد”، 29 (رقم 435).

[22] البخاري معلقًا، “الصلاة”، 61، 1/96.

[23] السمهودي، وفاء الوفاء، 2، 68.

[24] أبو بكر الحسين المراغي، تحقيق النصرة بتلخيص معالم دار الهجرة، تحقيق:عبد الله بن عبد الرحيم عسلان (د.ن: الرياض، 1422هـ)، 1/72.

[25] مالك بن أنس، الموطأ، تحقيق: محمد مصطفى الأعظمي، (أبوظبي: مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية، ١٤٢٥هـ / ٢٠٠٤م)، “السهو”، 50 (رقم 602).

[26]السمهودي، وفاء الوفاء، 2/81-89.

[27] السمهودي، وفاء الوفاء، 2/81-89.

[28] موسى العازمي، اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (الكويت: المكتبة العامرية، 2011م)، 2/170. والسّاج نوع من الشجر الاستوائي ذو أخشاب صلبة، ينمو في جنوب وجنوب شرق قارة آسيا.

[29] ابن ماجة أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني، سنن ابن ماجه، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي (بيروت: دار إحياء الكتب العربية، د.ت)، “المساجد والجماعات”، 1 (رقم 738)، وإسناد الحديث صحيح.

[30] محمد العرفج، المشروع والممنوع في المسجد، (المملكة العربية السعودية: وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، 1419هـ)،19.

[31] المقصورة عبارة عن سياج خشبي يحيد بكل من المحراب والمنبر، والقصد منها حمايته من النّاس.

[32] السمهودي، وفاء الوفاء، 2/81-89.

 

 

[34] نقله عنه: محمد بن يوسف الصالحي الشامي، سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض (بيروت: دار الكتب العلمية، ١٤١٤هـ / ١٩٩٣م)، 3/348.

[35] محمد إلياس عبد الغني، بيوت الصحابة حول المسجد النبوي الشريف (المدينة المنورة: مكتبة الملك فهد، 1420ه/1999م)، 1/15.

[36] السمهودي، وفاء الوفا ٢/ ٤٥٩

[37] ابن سعد، الطبقات، 10/157.

[38] ابن سعد، الطبقات، 1/429

[39] أحمد بن عبد الحميد عباسي، عمدة الأخبار في مدينة المختار، ص ١١٠.

[40] محمد إلياس، بيوت الصحابة، 1/20.

[41] المسوح: كساء من شعر.

[42] محمد بن إسماعيل البخاري، الأدب المفرد، تحقيق: سمير بن أمين الزهيري (الرياض: مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، ١٤١٩هـ / ١٩٩٨م)، “التطاول في البنيان”، (رقم 451)، ص230.

[43] عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد السهيلي، الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام، تحقيق: عمر عبد السلام السلامي (بيروت: دار إحياء التراث العربي، بيروت، ١٤٢١هـ/ ٢٠٠٠م)، 4/163.

[44] شجر العرعر: قال ابن منظور: “العَرْعَر: شجرٌ يُقَالُ لَهُ الساسَم، وَيُقَالُ لَهُ الشِّيزَى، وَيُقَالُ: هُوَ شَجَرٌ يُعْمل بِهِ القَطِران، وَيُقَالُ: هُوَ شَجَرٌ عَظِيمٌ جَبَليّ لَا يَزَالُ أَخضرَ تُسَمِّيهِ الفُرْسُ السَّرْوُ”. ابن منظور، لسان العرب، 4/560.

[45] السهيلي، الروض الأنف، 4/163.

[46] محمد إلياس، بيوت الصحابة، 1/ 25.

[47] محمد إلياس، بيوت الصحابة، 1/ 26.

[48] السمهودي، وفاء الوفاء، 2/543.

[49] محمد إلياس، بيوت الصحابة، 1/ 27.

[50] محمد إلياس، بيوت الصحابة، 1/ 31.

[51] محمد إلياس، بيوت الصحابة، 1/ 32.

[52] محمد إلياس، بيوت الصحابة، 1/ 32.

[53] محمد بن أبي بكر بن أيوب ابن قيم الجوزية، زاد المعاد في هدي خير العباد، تحقيق: محمد أجمل الإصلاحي (الرياض: دار عطاءات العلم، ١٤٤٠هـ / ٢٠١٩م)، 4/343.

[54] البخاري، “الاستئذان”، 53 (رقم 5943).

[55] عمر بن شبة بن عبيدة النميري، تاريخ المدينة لابن شبة، تحقيق: فهيم محمد شلتوت (جدة: السيد حبيب محمود أحمد، 1399هـ)، 1/304.

[56] علي الصّلابي، السيرة النبوية (دمشق: دار ابن كثير، 1428هـ)، 1/533.

[57] السمهودي، وفاء الوفا، 3/26.

[58] مقال للدكتور: تنيضب الفايدي منشور على موقع الجزيرة https://www.al-jazirah.com/2022/20221222/ld1.htm

[59] السمهودي، وفاء الوفاء، 2/258.

[60] السمهودي، وفاء الوفاء، 2/257.

[61] محمد بن جرير الطبري، تاريخ الطبري، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم (مصر: دار المعرف، ١٣٨٧هـ/ ١٩٦٧م)، 4/45.

[62] ابن شبة، تاريخ المدينة، 1/135.

[63] السمهودي، وفاء الوفاء، 2/242.

[64] السمهودي، وفاء الوفاء، 2/243ظز

[65] السمهودي، وفاء الوفاء، 2/250.

[66] الأخلاف: هم الذين كانوا يَغْدُونَ عَلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم كُلّ يَوْمٍ، يُخَلّفُونَ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ عَلَى رِحَالِهِمْ. محمد بن عمر بن واقد السهمي الواقدي، المغازي، تحقيق: مارسدن جونس (بيروت: دار الأعلمي،١٤٠٩/١٩٨٩)، 3/966.

[67] الواقدي، المغازي، 3/965.

[68] ابن سعد، الطبقات، 1/251.

[69] ابن سعد، الطبقات، 1/308.

[70] أحمد أحمد غلوش، السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني (بيروت: مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، ا ١٤٢٤هـ/ ٢٠٠٤م)، 660.

[71] الواقدي، المغازي، 2/445.

[72] البخاري، “الجهاد والسير”، 33 (رقم 2679).

[73] موقع قصة الإسلام على الرابط: https://www.islamstory.com/ar/artical/158/%D8%AD%D9%81%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%86%D8%AF%D9%82

[74] مقال منشور في صحيفة الرياض على الرابط: https://www.alriyadh.com/1820894

[75] محمد الشامي، سبل الهدى والرشاد، 5/30.

[76] نقله عنه: عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري، السيرة النبوية، تحقيق: مصطفى السقا وآخرون، (مصر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، ١٣٧٥هـ / ١٩٥٥م)، 2/650

للاطلاع على المصادر والمراجع وقراءة البحث كاملاً اضغط هنا