ملخص
شرع الله ورسوله الجهاد في سبيل الله للدفاع عن النفس ودفعاً للظلم وإعلاءً لكلمة الله وفق ضوابط شرعية، وقد استخدم البعض مصطلح الجهاد في غير موضعه ذريعة ً لتنفيذ أهداف محددة، لذلك تسعى هذه الدراسة إلى توضيح الفرق بين مصطلح الجهاد والإرهاب، وتحديد الضوابط الشرعية للجهاد، وبيان شُبهات الإرهابيين في الخلط بين الجهاد والإرهاب، والرد عليها.
المقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه الطّيبين الطاهرين وبعد:
فقد استطاع وللأسف الشديد بعض المغرضين من أعداء الدين الإسلامي ربط أفعال مُعينة بألفاظ ذات دلالات خاصة في ديننا الحنيف قاصدين من وراء ذلك ربط هذه الأفعال بالدين ذاته وهو منهم بريء “فالجهاد” مثلاً لفظة ومصطلح إسلامي ذكره القرآن الكريم في مواضع عدة وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديثه، ورغم ما يشوب المعنى الاصطلاحي من خلط قد يستخدمه البعض ذريعة لتنفيذ رؤية معينة وتحقيق أهداف محددة، إلا أن الكتاب والسنة لم يدع لأحد مساحة للخلط أو الالتباس في المعنى المقصود.
لذلك تسعى هذه الدراسة إلى توضيح ما أداه الخلط بين مفهوم الإرهاب ومفهوم الجهاد إلى حدوث كثير من مشكلات العصر الحديث فهناك فوارق يجب ادراكها وفهمها ، فالإرهاب يتضمن الاعتداء على الأنفس الآمنة والحريات والممتلكات ويدَّعون بأنه الجهاد ، بينما الجهاد هو إحقاق الحق والدفاع عن النفس ونصرة الحق ودفع الظلم وإقرار العدل وفق ضوابط شرعية معينة ، وما يحدث من عمليات إرهابية إنما هو نتيجة الجهل بالمفهوم الشرعي للجهاد لتحقيق مآرب يحكمها الهوى وتحقيق مصالح خاصة تحت ذريعة ومظلة الجهاد، مما يؤدي إلى تشويه صورة الإسلام في نظر الآخرين ، ولذلك وجب مضاعفة الجهد من أجل توضيح ونشر منهج الإسلام الأصيل القائم على التسامح والرحمة واحترام حقوق الآخرين ليعم السِّلم والسَّلام الذي دعا إليه الإسلام فقال تعالى:”ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ” ([1])
مشكلة الدّراسة :
وإن الحملة الشرسة التي تصور الدين الإسلامي وكأنه جماعات متطرفة عنيفة تدعو حسب زعمهم إلى الجهاد وهم بذلك يتبعون أهواءهم دون النظر إلى مصلحة المجتمع ودون علم بما يُحاك للإسلام في الخارج ليضعوا الدين الإسلامي في مأزق ديني وسياسي ، تحتاج منا إلى جهد عظيم لتصحيح هذه المفاهيم الخاطئة عن الدين الإسلامي وسماحته ، فجماعة من الشباب يلمون بقدر ضئيل من الدين ويطلقون على أنفسهم أسماء وينظمون قيادات وأمراء ويعجلون بإعلان الجهاد ويرفعون راياته دون معرفة شروطه وضوابطه الشرعية فيتخبطون في أعمالهم وأحكامهم المتسرعة وينسبون كل هذا إلى الإسلام وتُدان به الشريعة السمحة العظيمة التي هي بريئة من تلك التخبطات . وما هي إلا مؤامرة خطيرة أعدت من قبل أعداء الإسلام للقضاء عليه وللأسف الشديد ، ومن المحزن المؤسف أن يُغرر بشباب الأمة الإسلامية فيختلط عندهم مفهوم الجهاد مع مفاهيم دخيلة ، لذا تسعى هذه الدراسة إلى توضيح هذا الالتباس بين مفهومي الجهاد والإرهاب وتُبيِّن اعتدال ووسطية الإسلام ونبذها لكل صور الغلو والعنف والتطرف والفساد ، وكذلك إيضاح مدى استغلال أعداء الدين الإسلامي هذه الظاهرة لتشويه صورة الجهاد ، مع توضيح موقف الشريعة الإسلامية السمحة في هاتين القضيتين .
أهمية الدراسة :
تكمن أهمية الدراسة هذه في بيان موقف الدين الإسلامي من ظاهرة الإرهاب في ظل الاتهامات الموجهة إليه وإيضاح أن الإسلام يرفض الإرهاب ويحاربه . وكذلك تصحيح بعض المفاهيم لمن لديهم التباس وتداخل بين مفهوم الجهاد ومفهوم الإرهاب ، وهذه الدراسة رسالة إلى العالم الإسلامي أن ما يقوم به أعداء الأمة الإسلامية ضد الإسلام إنما هي مؤامرة دنيئة روجتها وسائل الإعلام الغربي بقصد تشويه الإسلام وربطه بالإرهاب .
منهج الدراسة :
بما أن هذه الدراسة تستهدف نفي شبهة الجهاد عن جرائم الإرهاب فإن منهج الدراسة المناسب الذي سوف يسير عليه الباحث في دراسته هو المنهج الوصفي(التحليلي الاستقرائي التأصيلي).
خطة الدراسة :
تتكون هذه الدراسة بعد هذه المقدمة على مبحثين :
المبحث الأول : مفهوم الجهاد والإرهاب في اللغة والاصطلاح .
وفيه ثلاثة مطالب : المطلب الأول : مفهوم الجهاد في اللغة والاصطلاح .
المطلب الثاني : مفهوم الإرهاب في اللغة والاصطلاح .
المطلب الثالث : موقف الشريعة الإسلامية من الإرهاب .
المبحث الثاني : الجهاد وضوابطه الشرعية .
وفيه مطلبان : المطلب الأول : حكم الجهاد ، والحالات التي يتعين فيها .
المطلب الثاني : ضوابط الجهاد الشرعية .
ثم خاتمة فيها أهم النتائج والتوصيات .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
المبحث الأول : مفهوم الجهاد والإرهاب في اللغة والاصطلاح ، وموقف الشريعة الإسلامية منهما.
المطلب الأول : مفهوم الجهاد في اللغة والاصطلاح.
أولاً : الجهاد في اللغة :
الجهاد مصدر الفعل الرباعي: جاهد، على وزن “فِعال” بمعنى المفاعلة من طرفين ، والجهد : الطاقة، والمشقة ، واجْهَدَ جهدك : ابلُغ غايتك .([2])
وفي لسان العرب:قيل: الجَهْدُ والجُهْدُ: الطاقة، تقول: اجهد جَهْدَك ؛وقيل: الجَهْدُ المشقة والجُهد الطاقة .([3])
وقال في مختار الصحاح مادة جهد: (الجُهد) بفتح الجيم وضمها الطاقة، وقرئ بهما قوله
تعالى: ” الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ” ([4])
والجَهد بالفتح المشقة ، يقال : (جَهَد) دابته و(أجهَدَها) إذا حمل عليها في السير فوق طاقتها، و(جَهَد) الرجل في كذا أي جدّ فيه وبالغ ، وجاهد في سبيل الله مُجاهَدة وجهاداً، والاجتهادُ والتَّجاهُد بذل الوُسع والمَجْهود.([5])
وفي معجم مقاييس اللغة : (جَهَدَ) الجيم والهاء والدال أصله المشقة ثم يحمل عليه ما يُقاربه، فيُقال : جَهَدْتُ نفسي ، وأجْهَدت ، والجُهد الطاقة ، قال الله تعالى : ” وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ ” ([6]) ،ويقال أن المجهود اللبن الذي أخرج زُبده ، ولا يكاد ذلك يكون إلا بمشقة ونصب. ([7])
من خلال التعريفات السابقة نجد أن كلمة الجهاد في اللغة تدور حول المعاني التالية : المشقة ، والطاقة ،
وبذل واستفراغ ما في الوسع ، وهذا يعني الإخلاص الكامل في أداء الواجب الديني .
ثانياً : الجهاد في الاصطلاح الشرعي :
جاءت كلمة الجهاد في أربعين موضعاً في القرآن الكريم، غالباً ما تكون مقيدة بكونه في سبيل الله. ([8])
وسنعرض مفهوم الجهاد في الإسلام في المذاهب الأربعة وعند بعض فقهاء المسلمين على النحو التالي :
عند الأحناف : بذل الوسع في القتال في سبيل الله مباشرة أو معاونة بمال أو رأي أو تكثير سواء دعوة الكفار إلى الدين الحق وقتالهم إن لم يقبلوا .([9])
وعند المالكية : قتال المسلم كافراً غير ذي عهد لإعلاء كلمة الله أو حضوره له ، أو دخوله في أرضه .([10])
وعند الشافعية :قتال الكفار لنصرة الإسلام وإعلاء كلمة الله ، ويطلق أيضاً على جهاد النفس والشيطان وهو أعظم الجهاد .([11])
وعند الحنابلة : القتال وبذل الوسع فيه لإعلاء كلمة الله تعالى . ([12])
وقال ابن رشد في تعريف الجهاد : ” وجهاد السيف هو قتال المشركين على الدين ، فكل من أتعب نفسه في ذات الله فقد جاهد في سبيله ، إلا أن الجهاد في سبيل الله إذا أطلق فلا يقع بإطلاقه إلا على مجاهدة الكفار بالسيف حتى يدخلوا في الإسلام ، أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون .([13])
وعرف ابن تيمية الجهاد بقوله : ” والجهاد هو بذل الوسع وهو كل ما يملك من القدرة في حصول محبوب
الحق ، ودفع ما يكرهه الحق ” ([14])
وقال الجرجاني : ” الجهاد هو الدعاء إلى الدين الحق ” . ([15])
من خلال هذه التعريفات يظهر أن المعنى اللغوي يشترك مع المعنى الاصطلاحي في بذل الوسع والطاقة وبذل الجهد.
المطلب الثاني : مفهوم الإرهاب في اللغة والاصطلاح .
أولاً : الإرهاب في اللغة .
جاء في مختار الصحاح : الإرهاب مصدر مشتق من (رَهِبَ) بمعنى خاف ويقال أرهبه واسترهبه أي أخافه .([16])
وقال صاحب القاموس المحيط : الإرهاب مصدر رَهِبَ كعَلِم، رهبةَ ورُهباً بالضم وبالفتح وبالتحريك ، ورُهباناً بالضم ، ويُحرك : خاف ، وأرهَبَهُ واسْترهَبه : أخافه، وترَهَّبَه : توعَّده .([17])
وفي لسان العرب : رَهِبَ بالكسر يَرْهَبُ رَهبَةً ورُهبةَ بالضم ، ورَهْباً بالتحريك أي خاف ، ورَهب الشيء رَهْباً ورَهَباً ورَهْبةً : خافه ، وأرهَبَه ورَهَّبه واسترهَبَه : أخافه وفزَّعه . ([18])
وفسَّر أصحاب المعجم الوسيط كلمة ( الإرهابيون ) بأنها : وصف يُطلق على الذين يسلكون سبل العنف والإرهاب لتحقيق أهدافهم السياسية .([19])
من خلال التعريفات اللغوية لكلمة الإرهاب يتضح أن القاسم المشترك فيها يعني الخوف والتخويف والرعب.
ثانياً : الإرهاب في الاصطلاح الشرعي.
وردت كلمة الرهبة في القرآن الكريم اثنتي عشرة مرة .([20]) وجاءت بصيغ مختلفة الاشتقاق من نفس المادة اللغوية وبعدة معاني منها ما يلي :
1ـ الإرهاب الواجب ، ويشمل نوعين :
أـ الخشية من الله تعالى : قال الله تعالى : ” يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ” ([21]) قال الطبري : ” وإياي فاخشوا واتقوا أيها المضيعون عهدي من بني إسرائيل والمكذبون رسولي الذي أخذت ميثاقكم فيما أنزلت من الكتب على أنبيائي أن تؤمنوا به وتتبعوه أن أحل بكم من عقوبتي إن لم تنيبوا وتتوبوا إلي باتباعه والإقرار بما أنزلت إليه ما أحللت بمن خالف أمري وكذب رسلي من أسلافكم “([22]).
وقال تعالى : ” وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ ” ([23]) وهي بمعنى : ” أن يخشونه ويخضعون له ضمن الرهبة والخضوع ” ([24]).
وقال تعالى : ” فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ” ([25]) أي : “يفزعون إلى الله جل وعلافي حال الرخاء وحال الشدة ويدعون وقت تعبدهم وهم بحال رغبة ورجاء ورهبة وخوف ، لأن الرغبة والرهبة متلازمان ” .([26])
ب ـ تخويف الأعداء وإظهار القوة :
قال تعالى : ” وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ “([27])
قال الطبري : “إن الله أمر المؤمنين بإعداد الجهاد وآلة الحرب وما يتقوون به على جهاد عدوه وعدوهم من المشركين من السلاح والرمي وغير ذلك ورباط الخيل ولا وجه لأن يقال عني بالقوة معنى دون معنى من معاني القوة وقد عم الله الأمر بها ” ([28])
وقال ابن كثير : أي “تخوفون به عدو الله وعدوكم وهم الكفار” .([29])
2ـ الإرهاب بمعنى الخوف كظاهرة طبيعية .
قال تعالى :” اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ” ([30]) أي : من الرعب والخوف والفزع فأمر عليه السلام إذا خاف من شيء أن يضم إليه جناحه من الرّهب وهو يده فإذا فعل ذلك ذهب عنه ما يجده من الخوف وربما إذا استعمل أحد ذلك على سبيل الاقتداء فوضع يده على فؤاده فإنه يزول عنه ما يجده أو يخف إن شاء الله وبه الثقة .([31])
3ـ الإرهاب المذموم :
تطرق القرآن الكريم للإرهاب المذموم ورفضه بشكل قاطع من خلال جريمة الحرابة ، حيث جرمت الفعل ورتبت عليه العقوبة ، فقال تعالى :” إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ” ([32]) وسوف نتناول هذه الجريمة بشيء من التفصيل في المبحث القادم.
كما يدخل في الإرهاب المذموم تعريف المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي بأنه: العدوان الذي يمارسه أفراد أو جماعات أو دول بغياً على الإنسان ودينه ودمه وعقله وماله وعرضه ، ويشمل صنوف التخويف والأذى والتهديد والقتل بغير حق ، وما يتصل بصورة الحرابة ، وإخافة السبيل وقطع الطريق ، وكل فعل من أفعال العنف أو التهديد به ، يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي ، ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم أو أحوالهم للخطر ، ومن صنوفه إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق والأملاك العامة أو الخاصة ، أو تعريض أحد الموارد الوطنية أو الطبيعية للخطر ([33]) ، استناد؛ لقوله تعالى :” وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ”([34])
وأما مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر فقد عرّف الإرهاب بأنه: ترويع الآمنين وتدمير مصالحهم ومقومات حياتهم والاعتداء على أموالهم وأعراضهم وحرياتهم وكرامتهم الإنساني بغياً وإفساداً في الأرض، وإن الرّهب والرعب والفزع والخوف سمات ملازمة لكل من حاد عن منهج الله وأشرك به غيره وتعدى حدوده أو كفر برسوله.([35])
من الملاحظ أن التعريفات السابقة للإرهاب تقترب من بعضها البعض إلى حد كبير وإن كان التعريف الصادر عن رابطة العالم الإسلامي يكاد أن يكون أكثرها إحاطة وشمولاً لجميع أصناف الإرهاب المذموم .
المطلب الثالث : موقف الشريعة الإسلامية من الإرهاب وجهود العلماء في مكافحته .
حرصت الشريعة الإسلامية على دحض كل السُبل التي تؤدي إلى الإرهاب في صورته المذمومة ، واعتبرته جرما يُعاقب عليه ، وقد نصت على العقوبات الخاصة بالحِرابة للإرهابيين ، وجعلت هذا الإرهاب فساد في الأرض لما يؤديه من إتلاف في الأنفس والأموال والممتلكات ويُطبق عليه حدّ الحِرابة ، فالإسلام يدعو إلى خير الإنسانية والرحمة وينهى عن سفك دماء الأبرياء ، وهذا ما يجعلنا بحاجة للتعرف على ما جرّمه الشرع من أشكال الإرهاب وما سنه من عقاب لمرتكبيه .وسنتعرف في هذا المبحث على موقف الشريعة الإسلامية السمحة من الإرهاب من حيث : التجريم ، والعقوبة ، والوقاية منه .
أولا: موقف الشريعة الإسلامية من الإرهاب من حيث التجريم .
جرّمت الشريعة الإسلامية في القرآن والسنة النبوية كل أشكال الترهيب وأنواعه التي تمارس ضد الإنسانية، وذلك من خلال تخصيص العقوبات الرادعة للإرهابيين المتمثلة في جريمة الحرابة ، قال تعالى :” إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ” ([36]) فالمتأمل في هذه الآية يجد أن الشريعة الإسلامية قد جرمت كل عمل يؤدي إلى الفساد بجميع صوره المروعة عن طريق استخدام أسلوب الردع والزجر وتشريع العقوبات ، خاصة وأن من أهم مقاصد الشريعة الإسلامية هو العمل على حفظ الضروريات الخمس المتمثلة في الدين والنفس والعرض والعقل والمال ، ومن صور الإرهاب التي جرّمها القرآن:
1ـ الفساد في الأرض :
قال تعالى : ” :” وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ”([37])
قال القرطبي : “فيه مسألة واحدة أن الله سبحانه وتعالى نهى عن كل فساد قلّ أو كثر بعد صلاح قلّ أو كثر” ([38])
وقال تعالى : ” وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ”([39])
قال القرطبي : ” هذه صفة المنافقين الذين يُظهرون غير ما يُبطنون، فإذا أدبر هذا المنافق منصرفا عنك عمل في الأرض بما حرّم الله، من قطع الطريق، وإفساد السبيل، ليخيف عباد الله ، ويُهلك الزرع، وقتل ما لا يحل من الحيوان، والدواب، فالله تعالى لا يُحب المعاصي، وقطع الطريق ، وإخافة السبيل” ([40])
قال الشوكاني: “الشرك فساد في الأرض، وقطع الطريق فساد في الأرض، وسفك الدماء فساد في الأرض، وهتك الحرم ونهب الأموال فساد في الأرض، والبغي على عباد الله بغير حق فساد في الأرض، وهدم البنيان وقطع الأشجار وتغوير الأنهار فساد في الأرض”([41])
من خلال الآيات السابقة يتضح عظم جريمة الفساد في الأرض وشدة التحذير منه .
2ـ أكل الأموال بالباطل :
قال تعالى: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)” ([42])
قال القرطبي: أن الله سبحانه وتعالى حرم أكل الأموال بالباطل وأحل التجارة، كما نهى سبحانه عن قتل الناس بعضها ببعض. ثم لفظها يتناول أن يقتل الرجل نفسه بقصد منه للقتل في الحرص على الدنيا وطلب المال؛ بأن يحمل نفسه على الغرر المؤدي إلى التلف. ويحتمل أن يقال: “وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ “في حال ضجر أو غضب؛ فهذا كله يتناول النهي ” ([43])
3ـ قتل النفس بغير حق :
قال تعالى : ” مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ”([44]).
قال الزمخشري: شبه الله سبحانه وتعالى في هذه الآية الواحد بالجميع وجعل حكمه كحكمهم؛ لأن كل إنسان يدلي بما يدلي به الآخر من الكرامة على الله وثبوت الحرمة، فإذا قتل فقد أهين ما كرم على الله و هُتكت حرمته وعلى العكس، فلا فرق إذاً بين الواحد والجميع في ذلك. والفائدة من ذكر ذلك تعظيم قتل النفس وإحيائها في القلوب ليشمئز الناس عن الجسارة عليها، ويتراغبوا في المحاماة على حرمتها؛ لأن المتعرض لقتل النفس إذا تصور قتلها بصورة قتل الناس جميعاً عظم ذلك عليه فثبطه، وكذلك الذي أراد احياءها.([45])
ومن أهم نتائج الإرهاب المذموم الوقوع في جريمة قتل المسلمين والمستأمنين ، ويتغافل من يفعل ذلك أنه يُعرض نفسه لغضب الله ولعنته وجحيمه ، قال تعالى :” وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا” ([46]).
قال الطبري: “ومن يقتل مؤمناً عامد؛ إتلاف نفسه، فجزاؤه على ذلك نار جهنم باقياً فيها أبداً؛ وسخط الله عليه بقتله وأبعده من رحمته وأخزاه وهيأ له عذاباً شديداً، لا يعلم قدر مبلغه سواه”.([47])
هذا وقد جرّمت السنة النبوية الإرهاب أيضاً بصوره المتعددة ومنها :
1ـ تجريم ترويع المسلم وإخافته :
اعتبرت السنة النبوية مجرد الإشارة للمسلم بما يخيفه، سبباً للعنة، كدليل على عظم ترويع المسلم وإخافته، فعن أَبَي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، قال : قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ، فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ، حَتَّى يَدَعَهُ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ» .([48])
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِى لَيْلَى قَالَ حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُمْ كَانُوا يَسِيرُونَ مَعَ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- فَنَامَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَانْطَلَقَ بَعْضُهُمْ إِلَى حَبْلٍ مَعَهُ فَأَخَذَهُ فَفَزِعَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا ».([49])
وعَنْ جَابِرٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُتَعَاطَى السَّيْفُ مَسْلُولاً .([50])
فهذه الأحاديث النبوية الشريفة تؤكد الدلالة الواضحة على أنه لا يجوز ترويع المسلمين وإخافتهم.
قال ابن العربي : “إذا استحق الذي يشير بالحديدة اللعن، فكيف الذي يصيب بها ؟ وإنما يستحق اللعن إذا كانت إشارته تهديداً؛ سواء كان جاداً؛ أم لاعباً، وإنما أخذ اللاعب لما أدخله على أخيه من الروع، ولا يخفى أن إثم الهازل دون إثم الجاد، وإنما نهى عن تعاطي السيف مسلولاً، لما يخاف من الغفلة عند التناول، فيسقط فيؤدي” ([51]).
2ـ تجريم قتل المسلم والاعتداء عليه:
زخرت السنة النبوية بأحاديث تدل على تحريم قتل النفس بغير حق منها : ما روي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مسعود رضي الله عنه قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّى رَسُولُ اللَّهِ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ النَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالثَّيِّبُ الزَّانِي ، وَالْمَارِقُ مِنَ الدِّينِ التَّارِكُ الْجَمَاعَةَ »([52])
وعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : “… مَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ ، أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً فَقُتِلَ : فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ “([53])
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ».([54])
من خلال هذه الأدلة يتضح جلياً تجريم السنة النبوية الاعتداء على النفس بغير حق ، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم وجه قادته في الحروب إلى النهي عن قتل النساء والأطفال والمسنين ومن شابههم ، فعن سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا ثُمَّ قَالَ:” اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تَمْثُلُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا” ([55])
3ـ تجريم قتل المعاهدين والمستأمنين:
إن من الأنفس المعصومة في الإسلام أنفس المعاهدين وأهل الذمة والمُستأمنين فلا يجوز قتلها أو الاعتداء عليها ، فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو – رضى الله عنهما – عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ « مَنْ قَتَلَ مُعَاهَداً لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَاماً » .([56])
قال أبو بكر الجزائري: لأهل الذمة على المسلمين حفظ أرواحهم وأموالهم وأغراضهم وعدم أذيتهم ما وفوا بعهدهم فلم ينكثوه؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم :” مَنْ قَتَلَ مُعَاهَداً لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ” فإن هم نكثوا عهدهم ونقضوه بارتكاب ما من شأنه نقض العهد حلت دماؤهم وأموالهم دون نسائهم وأولادهم ؛إذ لا يؤخذ المرء بذنب غيره ( [57]).
وإن من يتولى إبرام عقد الذمة مع غير المسلمين هو الإمام أو نائبه حسب المصلحة التي يرونها للمسلمين فلا يصح إبرام العقد من غيرهما، قال ابن قدامة: ولا يجوز عقد الهدنة ولا الذمة إلا من الإمام أو نائبه؛ لأنه عقد مع جملة الكفار، وليس ذلك لغيره، ولأنه يتعلق بنظر الإمام وما يراه من المصلحة، ولأن تجوزه من غير الإمام يتضمن تعطيل الجهاد بالكلية، أو إلى تلك الناحية، وفيه افتيات على الإمام ، فإن هادنهم غير الإمام أو نائبه، لم يصح . ([58])
ومما سبق يتضح أن الشريعة الإسلامية كانت سباقة في تجريم الإرهاب، بل وقد عددت الآيات القرآنية الكريمة، والأحاديث النبوية الشريفة، كافة أشكاله، محذرة من الوقوع في هذه الآفة المريضة، وقد اعتبر الإسلام هذه الجرائم السابقة شكلاً من أشكال الإفساد في الأرض لما تحدثه من آثار سلبية على المجتمع.
ثانيا: موقف الشريعة الإسلامية من الإرهاب من حيث العقاب :
وضعت الشريعة الإسلامية عقوبات رادعة لمن يخالف حدود الله وينتهك محارمه ، لما لانتهاك هذه الحدود من تأثير كبير على المجتمع الإسلامي ، ولذا عدّ الإسلام جريمة الحِرابة من الكبائر ورصد لها أشد العقوبات فكان منهجه في تطبيق العقاب على هذه الجريمة يختلف عن بقية العقوبات وهو ما سيتضح في النقاط التالية:
1ـ تغليظ العقوبة : جاءت الآية الكريمة في سورة المائدة بحق مرتكبي جريمة الحرابة بصورة مغلظة لم يسبق تغليظها لأي جريمة أخرى فعقوبة هذه الجريمة تصل إلى القتل والصلب ، وإن كانت عقوبة قتل النفس بغير حق هي القتل إلا أن القتل في جريمة الحرابة يتميز بالشدة والقسوة في أسلوب تنفيذه ، قال تعالى :” إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ” ([59]).
ومما يؤيد هذه الشدة والقسوة في العقوبة حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ – رضى الله عنه – أَنَّ رَهْطاً مِنْ عُكْلٍ ثَمَانِيَةً قَدِمُوا عَلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ابْغِنَا رِسْلاً . قَالَ « مَا أَجِدُ لَكُمْ إِلاَّ أَنْ تَلْحَقُوا بِالذَّوْدِ » . فَانْطَلَقُوا فَشَرِبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا حَتَّى صَحُّوا وَسَمِنُوا ، وَقَتَلُوا الرَّاعِي ، وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ ، وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ ، فَأَتَى الصَّرِيخُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، فَبَعَثَ الطَّلَبَ ، فَمَا تَرَجَّلَ النَّهَارُ حَتَّى أُتِىَ بِهِمْ ، فَقَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ ، ثُمَّ أَمَرَ بِمَسَامِيرَ فَأُحْمِيَتْ فَكَحَلَهُمْ بِهَا ، وَطَرَحَهُمْ بِالْحَرَّةِ ، يَسْتَسْقُونَ فَمَا يُسْقَوْنَ حَتَّى مَاتُوا . قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ قَتَلُوا وَسَرَقُوا وَحَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم وَسَعَوْا فِي الأَرْضِ فَسَاداً.([60])
قال الحافظ ابن حجر : قال المهلب: “إن الحكمة في ترك سقيهم كفرهم نعمة السقي التي أنعشتهم من المرض الذي كان بهم “([61]).
2ـ سقوط الحد بالتوبة :
يتميز حد الحرابة عن بقة الحدود بسقوطه في حالة توبة المحارب قبل القدرة عليه، لقوله تعالى : ” إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ” ([62])
أما باقي الحدود الأخرى فالراجح فيها أنها لا تسقط بالتوبة وهذا قول مالك وأبي حنيفة وأحد قولي الشافعي، واستدلوا على ذلك بعموم آيات إقامة الحدود في التائبين وغيرهم ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ماعزاً؛ والغامدية ، وقَطَع يد عمر بن حمزة الذي أقر بالسرقة وقد جاءوا تائبين يطلبون التطهير بإقامة الحد وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم فعلهم توبة، فقال عليه الصلاة والسلام في حق الغامدية لقد تابت توبة لو قُسمت على سبعين من أهل الأرض لوسعتهم ، فلا يسقط عنه الحد بالتوبة كالمحارب قبل القدرة عليه([63])
3ـ تفريد العقوبة في الحرابة :
وضعت الشريعة الإسلامية عقوبة محددة لكل جريمة من جرائم الحدود عدا الحرابة، فالقطع حد السرقة ، والجلد حد شرب الخمر ، وازاني غير المُحصن ، غير أن جريمة الحِرابة تتميز عن سائر الحدود الأخرى بتنوع العقوبات .
قال ابن عباس رضي الله عنه : “إذا حارب فقتل فعليه القتل إذا ظهر عليه قبل توبته ، وإذا حارب وأخذ المال وقتل فعليه الصلب إن ظهر عليه قبل توبته ، وإذا حارب وأخذ ولم يقتل فعليه قطع اليد والرجل من خلاف إن ظهر عليه قبل توبته ، وإذا حارب وأخاف السبيل فإنما عليه النفي”.([64])
مما سبق يتبين أن الإرهاب والمتمثل بجريمة الحرابة من الكبائر التي وضعت لها الشريعة الإسلامية عقوبات رادعة وزاجرة لأنها جريمة تقوم على القوة والقهر والسَّلب والترويع والتخويف ، ويترتب عليها هلاك الأنفس ونهب الأموال .
ثالثاً : موقف الشريعة الإسلامية من الإرهاب من حيث الوقاية منه :
إن التدابير الممكنة للحيلولة من وقوع الجريمة من أبرز ما اتسمت به شريعتنا الإسلامية الغراء ، ويتمثل دورها في الوقاية من الأعمال الإرهابية في الركائز التالية :
1ـ التمسك بالعقيدة الإسلامية الصحيحة :
إن ضعف الوازع الديني من أهم الأسباب التي تؤدي إلى الانحراف وارتكاب الجرائم بشتى أنواعها ، لذا فإن التمسك بقيم ديننا الحنيف النابعة من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة سبيل النجاح والتحصن من شرور تلك الجرائم ، فمتى آمن الإنسان بالله تعالى وأنه الواحد الأحد المُطلع على جميع أحوال العباد المُقدر للخير والشر، ورضي بما قسمه عليه وشكره فسيكون هذا الحصن المنيع من انتهاك محارم الله ، قال تعالى : ” الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ” ([65])
قال الطبري في تفسير الآية : ” أي هؤلاء الذين أخلصوا العبادة لله وحده ، ولم يظلموا أنفسهم بالإشراك بالله هم الآمنون يوم القيامة من عذاب الله تعالى المهتدون في الدنيا والآخرة ” .([66])
2ـ المحافظة على أداء العبادات:
العبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الباطنة و الظاهرة ( [67]). فهناك رباط وثيق بين العقيدة والعبادة . فإن كانت العقيدة تمثل الجانب النظري لبناء الشخصية الإسلامية ،فإن البناء العبادي يمثل الجانب التطبيقي لهذا البناء.
فالعبادات تمثل الترجمة العملية للإيمان فهي الوسيلة التي يتقرب بها العباد إلى ربهم وتكون رمزاً لصدق إيمانهم.
فالصلاة مثلاً من تمسك بها وحافظ على أدائها تكون حصناً عظيما لصاحبها من الانحراف والمنكر ، قال تعالى : ” وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ” ([68]) قال الطبري : ” إن الصلاة تحول بين المصلي وبين إتيان الفواحش ففي إقامة المرء الصلاة مزدجر عن الفحشاء والمنكر ” .([69])
وكذا الحال لمن حافظ على أداء الزكاة وسد حاجة من تسول له نفسه بالسرقة والاعتداء على أموال الآخرين ، قال تعالى : ” وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ” ([70]) ، وكذلك في عبادة الصوم التي جعلها النبي صلى الله عليه وسلم علاجا لكبح جماح الشهوة البشرية وإبعادها عن جريمة الاعتداء على أعراض النساء ، فقال صلى الله عليه وسلم : ” يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ” ([71])، وكذلك عبادة الحج التي تتطلب من صاحبها البعد عن الفسوق والجدل والتحرر من أمور الدنيا وتذكر يوم القيامة وتطهر النفس وتنقيها من الذنوب ، قال تعالى : ” الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ” ([72])
المبحث الثاني : الجهاد وضوابطه الشرعية .
المطلب الأول : حكم الجهاد ، والحالات التي يتعين فيها .
اختلف العلماء في حكم الجهاد على ثلاثة أقوال : القول الأول : فرض كفاية :
وعلى هذا القول عامة المذاهب وجمهور علماء المسلمين .
ففي المذهب الحنفي:
قال السرخسي: استقر الأمر على فريضة الجهاد مع المشركين ، وهو فرض قائم إلى قيام الساعة ، ثم إن فريضة الجهاد على نوعين : أحدهما عين على كل من يقوى عليه بقدر طاقته ، وهو ما إذا كان النفير عاماً ، ونوع اخر وهو فرض على الكفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين لحصول المقصود ، وهو كسر شوكة المشركين وإعزاز الدين .([73])
وعند المالكية :
قال الدردير : الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله كل سنة كإقامة الموسم بعرفة والبيت وبقيت المشاهد فيه فهو فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقي”([74]).
وفي المذهب الشافعي :
قال النووي : وأما اليوم – أي ليس في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم — فهو ضربان : أحدهما أن يكون الكفار مستقرين في بلدانهم فهو فرض كفاية ، فإن امتنع الجميع أثموا ، وإن قام من فيه كفاية سقط عن الباقين ( [75]).
وعند الحنابلة :
قال ابن قدامة: والجهاد فرض على الكفاية إذا قام به قوم سقط عن الباقين ، ومعنى فرض الكفاية إن لم يقم به من يكفي أثم الناس كلهم ، وإن قام به من يكفي سقط عن سائر الناس ، فالخطاب في ابتدائه يتناول الجميع كفرض الأعيان ، ثم يختلفان في أن فرض الكفاية يسقط بفعل بعض الناس له ، وفروض الأعيان لا تسقط عن أحد بفعل غيره ( [76]).
والذين قالوا بهذا القول استدلوا بأدلة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والقياس .
ومن النصوص القرآنية الدالة على أن الجهاد فرض كفاية :
قوله تعالى : ” وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ” ([77])
قال القرطبي في تفسيره لهذه الآية الكريمة : “إن الجهاد ليس على الأعيان، وأنه فرض كفاية، إذ لو نفر الكل لضاع من وراءهم من العيال، فليخرج فريق منهم للجهاد وليقم فريق يتفقهون في الدين ” . ([78])
وقال تعالى : ” لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا”([79])
قال الفخر الرازي في تفسير هذه الآية : وكلا وعد الله الحسنى ، أي وكلا من القاعدين والجاهدين فقد وعده الله بالحسنى ، قال الفقهاء : وفيه دليل على أن فرض الجهاد على الكفاية ، وليس على كل واحد بعينه لأنه تعالى وعد القاعدين بالحسنى كما وعد الجاهدين ، ولو كان الجهاد واجبأ على التعيين لما كان القاعد أهلاً لوعد الله تعالى له إياه بالحسنى”([80]).
وقال تعالى : ” وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” ([81])
قال السرخسي في تفسير هذه الآية الكريمة : فأما بيان المعاملة مع المشركين فنقول: الواجب دعاؤهم إلى الدين وقتال الممتنعين منهم من الإجابة ، لأن صفة هذه الأمة في الكتب المنزلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وبها خير الأمم. ([82])
ومن السنة حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ إِلَى بَنِي لِحْيَانَ ، وَقَالَ: “لِيَخْرُجْ مِنْ كُلِّ رَجُلَيْنِ رَجُلٌ ، ثُمَّ قَالَ لِلْقَاعِدِ : أَيُّكُمْ خَلَفَ الْخَارِجَ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ بِخَيْرٍ كَانَ لَهُ مِثْلُ نِصْفِ أَجْرِ الْخَارِجِ “([83])
وحديث زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :« مَنْ جَهَّزَ غَازِياً فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا ، وَمَنْ خَلَفَ غَازِياً فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا » ([84])
فالحديثان السابقان صريحان في أن الجهاد ليس فرضاً على الأعيان ، وإلا لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “لِيَخْرُجْ مِنْ كُلِّ رَجُلَيْنِ رَجُلٌ” ، كما أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنه لابد من وجود من يخلف الغزاة في الأهل والمال .([85])
وكذلك فإن فعله صلى الله عليه وسلم يدل على أن الجهاد فرض كفاية فقد كان يخرج أحيانا ويبقى أحياناً.
قال ابن قدامة : “لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث السرايا ويقيم هو وسائر أصحابه ” .([86])
وقال الكاساني : ” وكذا النبي عليه الصلاة والسلام كان يبعث السرايا ، ولو كان فرض عين في الأحوال كلها لكان لا يتوهم منه القعود عنه في الحال ولا أذن لغيره بالتخلف عنه بحال” . ([87])
وأما القياس : فإن الجهاد شرع لإعلاء كلمة الله ، فإذا قامت به طائفة حتى تحقق هذا الهدف، فعلت كلمت الله وقهر أعداء الله بتلك الطائفة فقد حصل المقصود أو الهدف الذي شرع من أجله الجهاد ، فلا محل لفرضه على كل أفراد الأمة ([88]).
قال ابن الهمام: وهو فرض على الكفاية لأنه ما فرض لعينه إذ هو إفساد في نفسه ، وإنما فرض لإعزاز دين الله ودفع الشر عن العباد ، فإذا حصل المقصود بالبعض سقط عن الباقين ، كصلاة الجنازة ورد السلام”([89])
وقال الكاساني: “ولأن ما فرض له الجهاد هو الدعوة إلى الإسلام وإعلاء الدين الحق ، ودفع شر الكفرة وقهرهم يحصل بقيام البعض به”([90]) .
القول الثاني : فرض عين .
وأشهر من قال بأن الجهاد فرض عين هو سعيد بن المسيب رحمه الله .([91]) حيث استدل بعموم النصوص التي تأمر بالجهاد ، كقوله تعالى : ” انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ”.([92]) ، وحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” من مات ولم يغز ولم يحدث به نفسه مات على شعبة من نفاق “([93])
وقد رد العلماء على هذه الأدلة بأن المقصود بها هو جهاد الطلب .
القول الثالث : النّدب
وبه قال ابن عمر رضي الله عنهما ، وعطاء، والثوري ، وابن شبرمة ، وعمر بن دينار ، رحمهم الله .([94])
ويحتج هؤلاء بدخول التخصيص على النصوص العامة الموجبة للجهاد ،والنص إذا دخله التخصيص أصبح ظني الدلالة فيضعف الاحتجاج به على الوجوب فيبقى على الندب.
ولكن قال ابن الهمام : والتخصيص المعتبر عند أهل الأصول قصر العام على بعض ما يتناوله بدليل مستقل لفظي مقارن للمعنى، وبهذا ينتفي ما نقل عن الثوري وغيره، أنه ليس بفرض وأن الأمر للندب.([95])
وقال النووي: “وذكر أن سفيان الثوري كان يقول ليس بفرض ولكن لا يسع الناس أن يجمعوا على تركه ويجزي فيه بعضهم على بعض، وبهذا يكون مذهبه فرض على الكفاية إن صح القول عنه”([96])
ومن هذا المنطلق يعتبر الجهاد في سبيل الله فرضاً من فروض الإسلام يأثم المسلمون جميعً إذا تركوه ، فإذا قام به البعض وكان هذا البعض كافيا لصد الأعداء ، وإعلاء كلمة الله فإن القتال حينئذ يسقط عمن لم يقاتل ، وفي هذه الحالة لا يعتبر آثما ، أما إذا لم يقاتل المسلمون ، فإن جميعالمسلمين القادرين على القتال والمكلفين به شرعا يعتبرون آثمين ومتمردين على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم .
ثانياً : الحالات التي يتعين فيها الجهاد .
أجمع العلماء على أن الجهاد يتعين في الحالات التالية :
1ـ إذا استنفر الإمام قوماً لزمهم النفير :أي عندما يعلن إمام المسلمين النفير العام، وذلك بدعوة جميعالقادرين على حمل السلاح للاشتراك في القتال، فيجب على هؤلاء أن يخرجوا لقتال الأعداء .
قال ابن قدامة: إذا استنفر الإمام قوماً لزمهم النفير معه؛ لقول الله تعالى: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا”([97]) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ” وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا”([98])
وقال النووي : والجهاد فرض عين على كل مسلم إذا انتهكت حرمة المسلمين في أي بلد فيه لا إله إلا الله محمد رسول الله، وكان على الحاكم أن يدعو للجهاد وأن يستنفر المسلمين جميعاً، وكانت الطاعة له واجبة بل فريضة كالفرائض الخمس، لقوله تعالى: “ انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا”([99])([100])
2ـ إذا دخل العدو بلداً من بلاد المسلمين :
قال ابن تيمية: وإذا دخل العدو بلاد المسلمين، فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب، إذ بلاد الإسلام كلها بمنزلة البلدة الواحدة، وأنه يجب النفير إليه بلا إذن والد ولا غريم .([101])
وقال الزركشي ([102]): إذا نزل الكفار ببلد تعين على أهله قتالهم والنفير إليهم، لألهم في معنى حاضري الصف فتعين عليهم كما تعين عليه لعموم قوله تعالى : ” انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ”.([103])
وقال القرطبي : إذا تعين الجهاد بغلبة العدو على قطر من الأقطار ، أو بحلوله بالعقر (محلة القوم) ، فإذا كان ذلك وجب على جميع أهل تلك الدار أن ينفروا ويخرجوا إليه خفافاً وثقالاً، شباباً وشيوخاً كل على قدر طاقه، من كان له أب بغير إذنه، ومن لا أب له، ولا يتخلف أحد يقدر على الخروج، فإن عجز أهل تلك البلدة عن القيام بعدوهم، كان على من قاربهم وجاورهم أن يخرجوا على حسب ما لزم أهل تلك البلدة ، حتى يعلموا أن فيهم طاقة على القيام بهم ومدافعتهم، وكذلك كل من علم بضعفهم عن عدوهم ، وعلم أنه لا يدركهم ، ويمكنه غياثهم ، لزمه أيضاً الخروج إليهم ، فالمسلمون كلهم يد على من سواهم ، حتى إذا قام بدفع العدو أهل الناحية التي نزل العدو عليها ، واحتل بها ، سقط الفرض عن الآخرين ، ولو قارب العدو دار الإسلام ،ولم يدخلوها لزمهم أيضاً الخروج إليه ، حتى يظهر دين الله ، وتحمي البيضة وتحفظ الحوزة ويخزى العدو ، ولا خلاف في هذا.([104])
3ـ إذا التقى الجمعان (جيش المسلمين مع جيش العدو ) والتحم القتال بينهما :
قال ابن قدامة :”يتعين الجهاد إذا التقى الزحفان، وتقابل الصفان ؛ حرم على من حضر الانصراف ، وتعين عليه المقام “([105]).
وذلك لقوله تعالى:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ” ([106])، ولقوله : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” ([107]) ولما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ :« اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ قَالَ « الشِّرْكُ بِاللَّهِ ، وَالسِّحْرُ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ، وَأَكْلُ الرِّبَا ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاَتِ ».([108])
فيتبين لنا مما سبق أنه إذا توفرت هذه الحالات الثلاث فإن الجهاد يصبح فرض عين على كل مسلم ومسلمة قادر على الاشتراك في الجهاد كل حسب طاقته وإمكانياته الجسدية والمادية وهذا بالاتفاق.
المطلب الثاني : ضوابط الجهاد الشرعية .
إن طبيعة الجهاد في الإسلام مستمدة من طبيعة الإسلام الهادفة إلى الدعوة إلى عبادة الله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له ، والدين الإسلامي دين أدب وأخلاق حتى في قتال الأعداء ، لذا عندما فرض الإسلام الجهاد جعل له نظاماً وآدابا تتسم بالعدالة والدقة وعدم التجاوز والتعدي ، وهذا ما سنتعرف عليه في هذا المبحث من الضوابط الشرعية للجهاد والتي سنقسمها إلى قسمين :
القسم الأول : ضوابط الجهاد الشرعية قبل القتال :
حددت الشريعة الإسلامية للجهاد في سبيل الله ضوابط وشروط قبل بدء القتال يجب التقيد بها وعدم تجاوزها وهي :
1ـ إخلاص النية لله سبحانه :
لا يقبل الله سبحانه أي عبادة إلا إذا أخلص المؤمن نيته لله سبحانه ، وكذلك الجهاد في سبيل الله والذي عده النبي صلى الله عليه وسلم ذروة سنام الإسلام لا يُقبل إلا بنية خالصة لله سبحانه لا يشوبها طلب المصلحة أو الرئاسة أو المال أو الشهرة ، فعن أَبِى مُوسَى – رضى الله عنه – قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلذِّكْرِ ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ ، فَمَنْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ: « مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ » .([109])
قال النووي : فيه بيان أن الأعمال انما تحسب بالنيات الصالحة وأن الفضل الذى ورد في المجاهدين في سبيل الله يختص بمن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا.([110])
2ـ الدعوة للإسلام قبل بدء القتال:
إن دعوة الكفار للإسلام قبل بدء القتال واجبة ولا يجوز قتالهم قبل تبليغ الدعوة التي هي الهدف الأسمى من الجهاد فإذا رفضوا إلا القتال ورفضوا الصلح ودفع الجزية كان لابد من استعمال السيف ، والدليل على ذلك حديث سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ – رضى الله عنه – سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ يَوْمَ خَيْبَرَ:« لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلاً يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ » . فَقَامُوا يَرْجُونَ لِذَلِكَ أَيُّهُمْ يُعْطَى ، فَغَدَوْا وَكُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَى فَقَالَ « أَيْنَ عَلِىٌّ » . فَقِيلَ يَشْتَكِى عَيْنَيْهِ ، فَأَمَرَ فَدُعِيَ لَهُ ، فَبَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ ، فَبَرَأَ مَكَانَهُ حَتَّى كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِهِ شَيءٌ فَقَالَ نُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا . فَقَالَ: « عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ ، فَوَاللَّهِ لأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ ».([111])
3ـ العلم والفقه في الدين :
لابد قبل الشروع في الجهاد من العلم بحقيقته ، ومقصوده ، وأنواعه ومراتبه ، والعلم بحال من يجاهده .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ” والواجب أن يعتبر بأمور الجهاد برأي أهل الدين الصحيح ، الذين لهم خبرة بما عليه أهل الدنيا، دون أهل الدنيا الذين يغلب عليهم النظر في ظاهر الدين ، فلا يؤخذ برأيهم ولا برأي أهل الدين الذين لا خبرة لهم في الدين ” ([112])
لذلك فإن العلم والفقه الشرعي الصحيح في الدين من أهم الضوابط التي يستند عليها الجهاد في سبيل الله قبل بدء القتال .
4ـ إذن إمام المسلمين في الجهاد :
يعد إذن إمام المسلمين في جهاد الطلب من أهم الضوابط التي لا بد منها في الجهاد في سبيل الله ؛ لأن الجهاد ولا سيما جهاد الأعداء والنفس ، لا يتم إلا بالقوة ، والقوة لا تحصل إلا باجتماع ، والاجتماع لا يتحقق إلا بالأمارة ، والأمارة لا تصلح إلا بالسمع والطاعة ، وهذه الأمور المذكورة متلازمة لا يتم بعضها ولا يستقيم بدون بعض ، بل لا قيام للدين ولا الدنيا إلا بهما ([113]).
ويقول ابن قدامة: “وأمر الجهاد موكول إلى الإمام واجتهاده، ويلزم ١لرعية طاعته فيما يراه ” ([114])
وقال البهوتي : ويحرم غزو بلا إذن الأمير، وذلك لرجوع أمر الحرب إليه؛ لعلمه بكثرة العدو وقلته ومكامنه ومكايده إلا أن يفاجأهم عدو وهم الكفار يخافون كلَبَه بفتح اللام، أي : شره وأذاه، فيجوز قتالهم بلا إذنه ([115]). وقال ابن أبي حاتم: فإن الجهاد ماضٍ منذ بعث الله عز وجل نبيه عليه السلام ، إلى قيام الساعة مع أولي الأمر من أئمة المسلمين ([116] ).
وقال صاحب العقيدة الطحاوية: “والحج والجهاد ماضيان مع أولي الأمر من المسلمين برهم وفاجرهم إلى قيام الساعة، لا يبطلهما شيء ولاينقضهما” .([117])
هذه بعض النقول من أقوال العلماء في اشتراط وجود الإمام للمسلمين ينضمون تحت رايته ويقاتلون معه ولا يبدؤون بالقتال إلا بإذنه.
القسم الثاني : ضوابط الجهاد الشرعية أثناء وبعد القتال:
كما أن للجهاد ضوابط قبل بدئه ، كذلك يوجد آداب وضوابط أثناءه وبعده ومنها :
1ـ تحريم الفرار أثناء القتال .
قال الله تعالى : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16)”([118])
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ :« اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ قَالَ « الشِّرْكُ بِاللَّهِ ، وَالسِّحْرُ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ، وَأَكْلُ الرِّبَا ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاَتِ ».([119])
قال الطبري في تفسير الآية السابقة : ” إن الله حرم على المؤمنين إذا لقوا العدو أن يولوهم الدبر منهزمين إلا لتحرف القتال أو لتحيز إلى فئة من المؤمنين حيث كانت من أرض الإسلام وأن من ولاهم الدبر بعد الزحف لقتال منهزما بغير نية إحدى الخلتين اللتين أباح الله التولية بهما فقد استوجب من الله وعيده إلا أن يتفضل عليه بعفوه” ([120])
وقال ابن النحاس : اعلم أن الجهاد إذا كان فرض كفاية على الإنسان ، ثم حضر الصف صار عليه فرض عين ، وحرم عليه الغرار ، وإنما يحرم الغرار ، إذا لم يزد عدد الكفار على المثلين ، فإن فر متحرفاً لقتال كمن ينصرف ليكمن في موضع ويهجم ، أو يكون في مضيق فينصرف ليتبعه العدو إلى متسع يسهل القتال فيه أو يحول من مقابلة الشمس والريح ونحو هذا ، جاز ، وكذلك إذا فر متميزاً إلى فئة يستنجد بها جاز ، وسواء كانت تلك الفئة قليلة أو كثيرة ، قريبة أو بعيدة على الصحيح ” .([121])
2ـ النهي عن قتل النساء والأطفال والشيوخ والرهبان :
وهذا ضابط مهم جاء الأمر به والتأكيد عليه في الجهاد في سبيل الله وهذا من عدل الإسلام وإنصافه ورحمته أنه نهى عن التعرض بالأذى لمن لا يقاتل في صفوف الأعداء ، قال تعالى : ” وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ” ([122])
كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النساء والصبيان حين وجد في بعض غزواته امرأة مقتولة ، قال : ما كانت هذه لتقاتل وكان على مقدم الجيش خالد بن الوليد فبعث رجلا وقال له: « قُلْ لِخَالِدٍ لاَ يَقْتُلَنَّ امْرَأَةً وَلاَ عَسِيفًا ».([123])، وكان صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية يوصيهم بتقوى الله ويقول : ” اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تَمْثُلُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا” ([124])
وعنِ الحسن عن الأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ قَالَ : غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفُتِحَ لَنَا ، فَتَنَاوَلَ بَعْضُ النَّاسِ قَتْلَ الْوِلْدَانِ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ” مَا بَالُ أَقْوَامٍ , أَوْ رِجَالٍ جَاوَزَ بِهِمُ الْقَتْلُ حَتَّى قَتَلُوا الذُّرِّيَّةَ ؟ ” فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا هُمْ أَبْنَاءُ الْمُشْرِكِينَ ، قَالَ :” أَلا إِنَّ خِيَارَكُمْ أَوْلادُ الْمُشْرِكِينَ ،أَلا لا تُقْتَلُ الذُّرِّيَّةُ ، كُلُّ نَسَمَةٍ تُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ حَتَّى يُعْرِبَ عَنْهَا لِسَانُهَا “.([125])
قد جمع العلماءُ أصنافَ الذين لا يجوز قتالهم، أو التعرُّض له بالاعتداء، فذكروا منهم: النِّساء، والأطفال، والرُّهبان ، والشُّيوخ كِبار السِّن، والأعمى و والزَّمنْى _ وهم المرضى بإقعاد أو شلل أو فلج أو جذام _ ، والعُسفاء – وهم الأجراء والفلاَّحون – ويُشترط في الجميع ألاَّ يشتركوا في القِتال، ولا يُعينون عليه بحال.([126])
3ـ النهي عن التخريب والتدمير والاتلاف وقتل الحيوانات:
لم يقتصرِ النهي عن الاعتداء على بني البَشر فقط؛ وإنَّما تجاوز ذلك ليشملَ النهي عن الإتلاف، وقطع الشَّجر، وقتْل الحيوانات، وتخريب الممتلكات بغير مصلحة، أو ضرورة تقتضي الإقدامَ على ذلك، وهذا سُموٌّ أخلاقي لم تعرفْ له البشرية مثيلاً في تاريخها قديمًا وحديثًا.
قال الله تعالى :” وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ” .([127])
قال الشوكاني : “أي كل عمل يعمله الإنسان بجوارحه وحواسه يقال له سعي والمراد بالفساد كل أنواعه سواء كان فساد الدين أو فساد الدنيا ” ([128]).
وهذا أبو بكر – رضي الله عنه – لَمَّا بعث يزيد بن أبي سفيان إلى الشام على ربع من الأرباع، خرج – رضي الله عنه – معه يُوصيه قائلاً : وَإِنِّي مُوصِيكَ بِعَشْرٍ : لاَ تَقْتُلَنَّ امْرَأَةً، وَلاَ صَبِيًّا، وَلاَ كَبِيراً هَرِماً وَلاَ تَقْطَعَنَّ شَجَراً مُثْمِراً، وَلاَ تُخَرِّبَنَّ عَامِراً، وَلاَ تَعْقِرَنَّ شَاةً وَلاَ بَعِيراً، إِلاَّ لِمَأْكُلَةٍ، وَلاَ تَحْرِقَنَّ نَحْلاً، وَلاَ تُفَرِّقَنَّهُ، وَلاَ تَغْلُلْ، وَلاَ تَجْبُنْ” ([129]) والشريعة الإسلامية لا تقر نهب الأموال وسلبها ، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: « لاَ يَزْنِى الزَّانِي حِينَ يَزْنِى وَهْوَ مُؤْمِنٌ ، وَلاَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهْوَ مُؤْمِنٌ ، وَلاَ يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهْوَ مُؤْمِنٌ ، وَلاَ يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهْوَ مُؤْمِنٌ » ([130]).
قال الحافظ ابن حجر : “والنُهبى بضم النون فعلى من النهب وهو أخذ المرء ما ليس له جهارا ونهب مال الغير غير جائز ومفهوم الترجمة”([131])
4ـ النهي عن المُثلة والتعذيب بالنار :
حرّم الإسلام المُثلة في القتال تكريماً للإنسان وصيانة له من انتهاك حرمة جثته بعد القتل كتقطيع بعض أعضائه ونحوه . ففي الحديث ” اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تَمْثُلُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا” ([132])
وعن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ الأَنْصَارِيَّ قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ النُّهْبَى وَالْمُثْلَةِ .([133])
قالل ابنُ تيميةَ :” فَأَمَّا التَّمْثِيلُ فِي الْقَتْلِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْقِصَاصِ” ([134])
وأما التعذيب بالنار فقد ثبت نهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فعَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ عَلِيًّا – رضى الله عنه – حَرَّقَ قَوْماً ، فَبَلَغَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ لَوْ كُنْتُ أَنَا لَمْ أُحَرِّقْهُمْ ، لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ » وَلَقَتَلْتُهُمْ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: « مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ ».([135])
و عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – أَنَّهُ قَالَ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى بَعْثٍ فَقَالَ:« إِنْ وَجَدْتُمْ فُلاَناً وَفُلاَناً فَأَحْرِقُوهُمَا بِالنَّارِ » ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ أَرَدْنَا الْخُرُوجَ :« إِنِّى أَمَرْتُكُمْ أَنْ تُحْرِقُوا فُلاَناً وَفُلاَناً ، وَإِنَّ النَّارَ لاَ يُعَذِّبُ بِهَا إِلاَّ اللَّهُ ، فَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمَا فَاقْتُلُوهُمَا ».([136])
5ـ التعامل مع الأسرى :
كانت معاملة النبي صلى الله عليه وسلم للأسرى نموذجاً في البر والرحمة والإحسان ، مصداقاً لقوله تعالى : “وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا” ([137])
قال الطبري : ” لقد أمر الله بالأسراء أن يحسن إليهم” .([138])
قال ابن قدامة: وجملته أن من أسر من أهل الحرب على ثلاث أضرب، أحدها، ( النساء والصبيان )، فلا يجوز قتلهم، ويصيرون رفيقاً للمسلمين بنفس السبي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النساء والولدان، وكان عليه الصلاة والسلام يسترقّهم إذا سباهم . والثاني، ( ارجال من أهل الكتاب والمجوس الذين يقرّون بالجزية ) ، فيتخير الإمام فيهم بين أربعة أشياء، القتل، والمن بغير عوض، والمفاداة بهم، واسترقاقهم . والثالث، ( الرجال من عبدة الأوثان وغيرهم ممن لا يقرّ بالجزية ) ، فيتخير الإمام فيهم بين ثلاثة أشياء، القتل، أو المن، والمفاداة، ولا يجوز استرقاقهم.([139])
فقد عامل الإسلام الأسرى معاملة إنسانية رحيمة ، فعن أَبِى مُوسَى – رضى الله عنه – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « فُكُّوا الْعَانِىَ – يَعْنِى الأَسِيرَ – وَأَطْعِمُوا الْجَائِعَ وَعُودُوا الْمَرِيضَ » .([140])
وبهذه المعاملة الحسنة تلين النفوس وتصبح أكثر استعدادا لقبول الإسلام بصدر رحب لما يجده الأسير من الكرم والأدب والإحسان .
الخاتمة
في ختام هذه الدراسة المتواضعة نخلص إلى أهم النتائج والتوصيات الآتية :
أولاً : نتائج الدراسة :
1ـ إن الهدف من الجهاد في الإسلام هو إعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى وإعزاز دينه ورفع راية الحق ومطاردة الباطل، ، فإذا أريد به شيء دون ذلك من حظوظ الدنيا، فإنه لا يسمى جهاداً .
2ـ براءة الإسلام مما ينسب إليه من قبل أعدائه من الغلو والتعصب والعنف، فهو دين يدعو إلى الاعتدال والسلام ونبذ جميع أشكال العدوان والإرهاب بكافة مجالاته المختلفة .
3ـ محاولة الغرب والصهاينة والمستشرقين الفاشلة بتشويه صورة الإسلام وذلك عن طريق التلاعب ببعض المفاهيم الإسلامية كالجهاد وإدخاله بمعنى الإرهاب الإسلامي .
4ـ نهت الشريعة الإسلامية عن قتل الأنفس المعصومة أو الاعتداء عليها ومن هذه الأنفس المعصومة أهل الذمة والمستأمنين فلا يجوز قتلها أو الاعتداء عليها طالما لم ينقضوا العهد الذي بين المسلمين وبينهم.
5ـ بينت الشريعة الإسلامية أن جهاد الطلب موكول إلى ولي الأمر، فلا بد من أخذ إذنه في هذا الأمر قبل البدء في القتال .
6ـمن سماحة الدين الإسلامي ويسره، أنه دين الأخلاق في جميع المجالات حتى في القتال فإنه ينهى عن الظلم وعن قتل النساء والأطفال والشيوخ والزمن وأرباب الصوامع أثناء القتال وبعده.
7ـ إن أصحاب الفرق الضالة يتمسكون بأفكار مغلوطة في فهم النصوص تنبع من جهلهم في علوم الدين بغية تحقيق أهوائهم وتحقيق مصالحهم .
ثابا : توصيات الدراسة :
1ـ إقامة مؤتمرات عالمية تهدف إلى محاربة الإرهاب من قبل علماء متخصصين لمواجهة هذا الفكر ومجابهته بالحجج القوية والمقنعة من الكتاب والسنة النبوية .
2ـ تكثيف الحملات الوعظية في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية لبيان سماحة الإسلام وتجريمه للإرهاب.
3ـ استخدام مبدأ الحوار أولاً مع الفئة الضالة فإنه أجدر من مقاتلتهم متى ما استطعنا ذلك لأن تطبيق هذا المبدأ هو خير وسيلة لإقناعهم نحو تغيير سلوكهم للأفضل، فالبعض منهم غرر به لقلة علمه واطلاعه وفي محاورته من أهل الاختصاص أمل في رجوعه إلى الصواب ، فإن لم ينفع الحوار فلابد من اتخاذ أسلوب الحزم معهم .
[1] ) النحل : 125
[2] ) الفيروز أبادي ، مجد الدين محمد بن يعقوب ، القاموس المحيط ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، ط3 ،1413هـ ، ص: 351
[3] ) ابن منظور ، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ، لسان العرب،دار المعارف ، بيروت ،1390هـ ، 1/708
[4] ) التوبة : 79)
[5] )الرازي ، محمد بن أبي بكر ، مختار الصحاح ، مكتبة الرشد للنشر ، الرياض ، ط1 ، 1425هـ ، ص: 153
[6] )التوبة :79
[7] ) ابن فارس ، أبو الحسين بن أحمد ، معجم مقاييس اللغة ، معهد المخطوطات العربية ، الكويت ،ط1، 1405هـ ،1/486
[8] ) عبد الباقي ، محمد فؤاد ، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم ، دار الكتب المصرية ، القاهرة ،ط2 ، 1363هـ ، ص533ـ536
[9] ) ابن الهمام ، محمد بن عبد الواحد ، شرح فتح القدير ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، 5/187
[10] ) العدوي ، علي الصعيدي ، حاشية العدوي ، مطبعة مصطفى البابي الحلبي ، القاهرة ،1357هـ ، 2/2
الدردير ، أبو البركات أحمد بن محمد بن أحمد ، حاشية الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك ، مطبعة عيسى البابي الحلبي ، القاهرة ،3/9 .
[11] ) القسطلاني ، أحمد بن محمد ، إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري ، دار إحياء التراث العربي للنشر ،بيروت،1285هـ /5/31.
[12] ) ابن قدامة ، أبو محمد عبد الله ، عمدة الفقه ، تحقيق : أحمد محمد عزوز، المكتبة العصرية للنشر ، بيروت ، ط1 ، 1422هـ ، ص:166.
[13]) ابن رشد ، محمد بن أحمد ، المقدمات الممهدات ، تحقيق : محمد حجي ، دار الغرب الإسلامي ، بيروت ،1408هـ ،1/342 .
[14] ) ابن تيمية ، أحمد بن عبد الحليم ، العبودية ، المكتب الإسلامي ، بيروت ، ط2 ،1389هـ ، ص: 106
[15] ) الجرجاني ، علي بن محمد ، التعريفات، تحقيق: إبراهيم الأبياري، دار النهضة للنشر والطباعة ، القاهرة ، ط1 ،1405هـ ،ص:71
[16] ) الرازي ، مختار الصحاح ، ص:295
[17] ) الفيروز أبادي ، القاموس المحيد ،1/118
[18] ) ابن منظور ، لسان العرب ، 1/436
[19] ) مجمع اللغة العربية ، المعجم الوسيط ، المكتبة العلمية ، طهران ، ص: 390
[20] ) الهواري ، عبد الرحمن بن رشدي ، التعريف بالإرهاب وأشكاله ، أعمال ندوة الإرهاب والعولمة ، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية ، الرياض ، ص:15
[21] ) البقرة :40
[22]) الطبري ، محمد بن جرير ، جامع البيان عن تأويل آي القرآن ، دار الفكر ، بيروت ، 1405هـ ،1/251
[23] ) الأعراف :154
[24] ) حوى ، سعيد ، الأساس في التفسير ، دار السلام للطباعة والنشر ، القاهرة ،1405هـ 4/2017
[25] ) الأنبياء :90
[26] ) القرطبي ، محمد بن أحمد ، الجامع لأحكام القرآن ، دار عالم الكتب ، الرياض،1424هـ ،11/336
[27] )الأنفال :60
[28] ) الطبري ، جامع البيان ، 10/32
[29] ) ابن كثير ، إسماعيل ، تفسير القرآن العظيم ، دار طيبة للنشر ، الرياض ، ط2 ، 1420هـ ،3/399
[30] ) المائدة :33
[31] ) ابن كثير ، تفسير القرآن العظيم ، 3/399
[32] ) المائدة : 33
[33] ) رابطة العالم الإسلامي ، قرارات المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة ،1422هـ ، ص: 3
[34] ) الأعراف :85
[35] ) بيان مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر بشأن ظاهرة الإرهاب ، القاهرة ،1422هـ
[36] ) المائدة : 33
[37] ) الأعراف :85
[38] ) القرطبي ، الجامع لأحكام القرآن ،2/226
[39] ) البقرة :205
[40] ) القرطبي ، الجامع لأحكام القرآن ،1/46
[41] ) الشوكاني، محمد بن علي ، فتح القدير، مكتبة الرشد ، الرياض ، ط3 ، 1424هـ ، 1/517
[42] ) النساء : 29ـ30
[43] ) القرطبي ، الجامع لأحكام القرآن 5/156
[44] ) المائدة :32
[45] ) الزمخشري ، أبو القاسم جار الله محمود بن محمد، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، دار الكتب العلمية ،بيروت ، 1415هـ ،1/614
[46] ) النساء : 93
[47] ) الطبري ، جامع البيان ،5/215
[48] ) رواه مسلم في صحيحه ، كتاب الأدب ، باب النهي عن الإشارة بالسلاح إلى مسلم ، رقم (2616) ،4/2020
[49] ) رواه أبو داود في سننه ، كتاب الأدب ، باب من يأخذ الشيء على المزاح ، رقم (5004) ،4/301 وصححه الألباني.
[50] ) رواه الترمذي في سننه ، كتاب الفتن ، باب ما جاء النهي عن تعاطي السيف مسلولاً ، رقم (2163) ، وقال : حسن غريب ، 4/464 وصححه الألباني.
[51] ) ابن حجر ، الحافظ أحمد بن علي العسقلاني ، فتح الباري بشرح صحيح البخاري ، تحقيق : محمد بن الجميل ، مكتبة الصفا للنشر ، القاهرة ، ط1 ، 1442هـ ، 13/28
[52] ) رواه البخاري في صحيحه ، كتاب الديات ، باب قول الله تعالى: أن النفس بالنفس ، رقم (6484) ، 6/2521
ومسلم في صحيحه ، كتاب القسامة ، باب ما يباح به دم المسلم ، رقم (1676) ،3/1302
[53] ) رواه مسلم في صحيحه ، كتاب الإمارة ، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين، رقم (1848) ، 3/1476
[54] ) رواه الترمذي في سننه ، كتاب الديات ، باب ما جاء في تشديد قتل المؤمن ، رقم (1395) ،4/ 16 وصححه الألباني .
[55] ) رواه مسلم في صحيحه ، كتاب الجهاد ، باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث ووصيته إياهم بآداب الغزو وغيرها ، رقم (1731) ،3/1357
[56] رواه البخاري في صحيحه ، كتاب الجزية والموادعة، باب إثم من قتل معاهداً بغير جرم ، رقم (2995) ، 3/1155
[57] ) الجزائري، أبو بكر ، منهاج المسلم ، مكتبة العلوم والحكم للنشر ، المدينة المنورة ، 2004م ، ص: 285
[58] ) ابن قدامة ، أبو محمد عبد الله بن أحمد ، المغني ، تحقيق : عبد الله التركي ، عبد الفتاح الحلو ، دار عالم الكتب ، الرياض ، ط4 ، 1419هـ ،13/157
[59] ) المائدة : 33
[60] ) رواه البخاري في صحيحه ، كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة ، باب لم يسق المرتدون المحاربون حتى ماتوا ، (6419) ، 6/2495
[61] ) ابن حجر ، فتح الباري ، 12/111
[62] ) المائدة :34
[63] ) سيد سابق ، فقه السنة ، دار الكتاب العربي ، بيروت ،ط2، 1392هـ ،2/481 ، وانظر : وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ، الموسوعة الفقهية الكويتية ،ط2 ، مطبعة ذات السلاسل ، الكويت، 1410 هـ ، 17/134
[64] ) الطبري ، جامع البيان ، 6/211
[65] ) الأنعام : 82
[66] ) الطبري ، جامع البيان ،1/237
[67] ) ابن تيمية ، أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ، العبودية ، المكتب الإسلامي ، بيروت ، ط2 ، 1389هـ ، ص:38
[68] ) العنكبوت : 45
[69] ) الطبري ، جامع البيان ، 2/ 172
[70] ) الذاريات :19
[71] ) رواه البخاري في صحيحه ، كتاب النكاح ، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم من استطاع منكم الباءة فليتزوج، رقم (4778)، 5/ 1950
ومسلم في صحيحه ، كتاب النكاح ، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ، رقم (1400) ،2/1018
[72] ) البقرة : 197
[73] )السرخسي ، محمد بن أحمد ، دار المعرفة للنشر ، بيروت ، ط2 ، 9/ 2ـ3
[74] ) الدردير ، الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك ، 2/267
[75] ) النووي ، أبو زكريا يجبى بن شرف ، روضة الطالبين وعمده المفتين، إشراف : زهير الشاوش، المكتب الإسلامي، بيروت، ط3، 1412ه، 10/208
[76] ) ابن قدامة ، المغني ، 9/196
[77] ) التوبة : 122
[78] ) القرطبي ، الجامع لأحكام القرآن ، 8/293
[79]) النساء :95
[80] ) الفخر الرازي ، محمد بن أبي بكر ، التفسير الكبير ، مكتبة الإعلام الإسلامي ، بيروت ، 1311هـ ،11/9
[81] ) آل عمران : 104
[82] ) السرخسي ، المبسوط ،9/2
[83] ) رواه مسلم في صحيحه ، كتاب الإمارة ، باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله ، رقم (1896) ،3/1507
[84] ) رواه البخاري في صحيحه ، كتاب الجهاد ، باب فضل من جهز غازياً أو خلفه خيراً ، رقم (2688) ، 3/1045
ومسلم في صحيحه ، كتاب الإمارة ، باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله ، رقم (1895) ، 3/1506
[85] ) القادري ، عبد الله بن أحمد ، الجهاد في سبيل الله حقيقته وغايته ، دار المنارة للنشر، جدة ، ط1، 1405هـ ،1/61ـ62
[86] ) ابن قدامة ، المغني ،9/169
[87] ) الكاساني ، علاء الدين أبي بكر بن مسعود، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، دار الكتاب العربي ، بيروت،ط2 ، 1402هـ ،7/98
[88] ) القادري الجهاد في سبيل الله حقيقته وغايته ، 1/62
[89] ) ابن الهمام ، شرح فتح القدير ، 5/190
[90] ) الكاساني ، بدائع الصنائع ، 7/ 98
[91] ) ابن الهمام ، شرح فتح القدير ،5/190
[92] ) التوبة : 41
[93] ) رواه مسلم في صحيحه ، كتاب الإمارة ، باب ذم من مات ولم يغزو ، رقم (1910) ، 3/1517
[94] ) ابن الهمام ، شرح فتح القدير ، 5/189
[95] ) المرجع السابق ،5/189
[96] ) النووي ، يحيى بن شرف ، المجموع شرح المهذب ، دار الفكر للطباعة والنشر ، القاهرة ،19/269
[97] )التوبة : 38ـ39
[98] ) رواه البخاري في صحيحه ، كتاب الجهاد والسير ، باب فضل الجهاد والسير ، رقم (2631) ،3/1025
[99] ) التوبة : 41
[100] ) النووي ، المجموع شرح المهذب ،19/269
[101] ) البعلي ، علاء الدين أبو الحسن ، الاختيارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ، المؤسسة السعدية ، الرياض ،ص:534
[102] ) الزركشي ، أبو عبد الله محمد بن عبد الله شرح الزركشي على متن الخرقي ،تحقيق : عبد الملك بن دهيش ، دار خضر للطباعة والنشر ، بيروت ، ط1،1415هـ ، 4/126
[103] ) التوبة : 41
[104] ) القرطبي ، الجامع لأحكام القرآن ،8/151ـ152
[105] ) ابن قدامة ، المغني ، 13/8
[106] ) الأنفال : 15 ـ 16
[107] ) الأنفال :45
[108] ) رواه البخاري في صحيحه ، كتاب الوصايا ، باب قول الله تعالى : إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما ، رقم (2615)، 3/1017
[109] ) رواه البخاري في صحيحه ، كتاب الجهاد والسير ، باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا ، رقم (2655) ، 3/ 1034
ومسلم في صحيحه ، كتاب الإمارة ، باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا ، رقم (1904) ،3/1512
[110] )النووي ، يحيى بن شرف ، المنهاج في شرح مسلم بن الحجاج ، بيروت : دار إحياء التراث ، 1392 هـ ، ط2 ، 13/49
[111] ) رواه البخاري في صحيحه ، كتاب الجهاد والسير ، باب فضل من أسلم على يديه رجل ، رقم (2847) ، 3/1096
[112] ) البعلي ، الاختيارات الفقهية من فتاوى ابن تيمية ، ص: 535
[113] ) ابن تيمية ، أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ، مجموع فتاوى ابن تيمية ، جمع وترتيب: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم ، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف ، المدينة المنورة ،ط1، 1424ه ، 28/390
[114] ) ابن قدامة ، المُغني ، 13/16
( [115] البهوتي ، منصور بن يونس ، شرح منتهى الإرادات دقائق أولي النهى لشرح المنتهى، تحقيق : عبد الله التركي، مؤسسة الرسالة ، بيروت، ط1 ، 1421هـ ،3/45ـ46
،ج 3،ص: 45 -46.
[116] ) اللالكائي، أبو القاسم هبة الله بن الحسن : شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، تحقيق : أحمد حمدان، دار طيبة للنشر والتوزيع، الرياض، ،1/178
[117] ) أبو العز، علي بن محمد : شرح العقيدة الطحاوية، حققه وخرج أحاديثه وعلق عليه : بشير محمد عيون، المكتبة ١لعلمية، بيروت، ، ط1 ، 1405 هـ ،ص: 555 .
[118] )الأنفال : 15ـ16
[119] ) رواه البخاري في صحيحه ، كتاب الوصايا ، باب قول الله تعالى : إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما ، رقم (2615)، 3/1017
[120] ) الطبري ، جامع البيان ، 9/203
[121] ) ابن النحاس ، أبو زكريا أحمد بن إبراهيم ، مشارع الأشواق إلى مصارع العشاق ومثير الغرام إلى دار السلام ، تحقيق : إدريس علي ، محمد اسطنبولي ، دار البشائر الإسلامية ، بيروت ، ط3 ، 1423هـ ،1/569
[122] ) البقرة : 190
[123] ) رواه أبو داود في سننه ، كتاب الجهاد ، باب في قتل النساء ، رقم (2669) ،3/53 وصححه الألباني
[124] ) رواه مسلم في صحيحه ، كتاب الجهاد ، باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث ووصيته إياهم بآداب الغزو وغيرها ، رقم (1731) ،3/1357
[125] ) رواه الإمام أحمد في مسنده ، رقم (15627)،3/435 قال الشيخ شعيب الأرناؤوط في تحقيقه للمسند : حكم حديث :مسند الإمام أحمد بن حنبل – حديث رقم 15627
قال الشيخ شعيب الأرناؤوط : رجاله ثقات رجال الشيخين ، لكن سماع الحسن من الأسود بن سريع لا يثبت عند بعضهم .
وصححه الحاكم ، محمد بن عبد الله النيسابوري ،المستدرك على الصحيحين ، تحقيق : مصطفى عبد القادر عطا ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1411هـ ، رقم (2566) ، ووافقه الذهبي ، 2/133
[126] ) انظر : التميمي ، مبارك بن علي ، تسهيل المسالك إلى هداية السالك إلى مذهب الإمام مالك ، تحقيق : عبد الحميد بن مبارك ، دار ابن حزم ، بيروت ، ط2 ، 1422هـ ،4/1103. الحجاوي ، أبو النجا موسى بن أحمد المقدسي ، الاقناع لطالب الانتفاع ، تحقيق : عبد الله التركي ،دار عالم الكتب ،الرياض، ط2، 1419هـ 2/73. الخرشي ، محمد بن عبد الله بن علي ، حاشية الخرشي على مختصر سيدي خليل ، ضبط وتخريج : زكريا عميرات ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط1،1417هـ ،4/13
[127] ) البقرة : 205
[128] الشوكاني ، فتح القدير ، 1/208
[129] ) رواه الإمام مالك في الموطأ ، كتاب الجهاد ، باب النهي عن قتل النساء والولدان في الغزو ، رقم (982) ،دار الكتاب العربي ،بيروت ، 1988م ، 4/253. وهذا الأثر روي من طرق عديدة ضعيفة إلا مارواه ابن أبي شيبة من طريق قيس بن أبي حازم البجلي قال بعث أبو بكر جيشاً إلى الشام. ينظر المصنف ، رقم (33681) ، 6/ 541. وهذه الطريق صحيحة.
[130] ) رواه البخاري في صحيحه ، كتاب المظالم ، باب النهبى بغير إذن صاحبه ، رقم (2343) ، 2/875
[131] ) ابن حجر ، فتح الباري ، 5/120
[132] ) رواه مسلم في صحيحه ، كتاب الجهاد ، باب تأمير الإمام الأمراء على البعوث ووصيته إياهم بآداب الغزو وغيرها ، رقم (1731) ،3/1357
[133] ) رواه البخاري في صحيحه ، كتاب المظالم ، باب النهبى بغير إذن صاحبه ، رقم (2342)،2/875
[134] ) ابن تيمية ، مجموع فتاوى ابن تيمية ، 28/314
[135] ) رواه البخاري في صحيحه ، كتاب الجهاد والسير ، باب لا يعذب بعذاب الله ، رقم الحديث (2854) ، 3/1098
[136] ) رواه البخاري في صحيحه ، كتاب الجهاد والسير ، باب لا يعذب بعذاب الله ، رقم الحديث (2853) ، 3/1089
[137] ) محمد :8
[138] ) الطبري ، جامع البيان ، 29/209
[139] ) ابن قدامة ، المغني ،13/44
[140] ) رواه البخاري في صحيحه ، كتاب الجهاد والسير ، باب فكاك الأسير ، رقم (2881) ، 3/1109
للاطلاع على المصادر والمراجع وقراءة البحث كاملاً اضغط هنا