ملخص:
يسلط هذا البحث الضوء على حق تمتع كل فرد بالحرية الشخصية للعيش بكرامة وعزة ودون تحكم من الآخرين، وتمثل ذلك في أدلة عديدة منها: حرية الاعتقاد، وإباحة أكل كل ما على الأرض مما لاضرر فيه، وحرية تعدد الزوجات، وحرية تناول طعام أهل الكتاب والزواج من نسائهم، وحرية التزين مما لانهي عنه، وقد جاءت السنة النبوية مؤكدة على هذه الحرية والتي من أبرزها حرية التعبير عن الرأي، فقد اهتم النبي صلى الله عليه وسلم بمنح هذا الحق لكل فرد، وتجلى ذلك واضحًا في نماذج عديدة منها: حثه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإبداء النصح للآخرين، وحرية المرأة في اختيار الزوج والطلاق عند تعسر الاستمرار، ومنح حق الاجتهاد لمن هو أهله، واحترام رأي المعارضة، والأخذ برأي النساء، وإقرار مبدأ الشورى، ومع هذا الاهتمام بحرية الرأي إلا أن هنالك ضوابط كفيله بحسن استخدامه، وحدودًا لا ينبغي تجاوزها، كتحريم الرأي مع وجود النص الشرعي، وضرورة كون الرأي نابع من علم وهدى، وأن لا يقصد به الهوى، وألا يترتب عليه مفسدة، ولا يصاحبه غيبة وتعريض وكذب .
مدخل:
كفل الله سبحانه للبشر حقوقًا وواجبات تعينهم على العيش بكرامة وعزة دون تحكم أحد من الآخرين، ومن هذه الحقوق الحرية البشرية والتي أكد عليها النبي صلى الله عليه وسلم في مواقف عديدة ، ومع هذا الاهتمام إلاَّ أنَّه حرص على عدم تحرير هذه الحريات من القيود والضوابط الكفيلة بحسن استخدامها، وتوجيهها إلى ما ينفع الناس ويرضي الخالق جل وعلا، فهناك حدود لا ينبغي الاجتراء عليها وإلا كانت النتيجة هي الخوض فيما يُغضب الله، أو يُلحق الضرر بالفرد والمجتمع على السواء، ويُخل بالنظام العام وحسن الآداب .
ولأجل تسليط الضوء على إقرار الإسلام المتمثل في تطبيقاته العملية بسنة النبي ﷺ لمبدأ حرية الرأي وفق الضوابط التي حددها كانت هذه الدراسة.
مشكلة البحث:
يعيش كثير من الناس تحت ضغط من الآخرين يمنعهم من إبداء رأيهم والتعبير عما يدور في صدورهم من أفكار، مما يكرههم على الرضا بما لايريدون، مع أن هذا الأمر قد كفلته الشريعة الإسلامية لهم وجعلته حقًا يتمتع به كل فرد، وقد يستخدم البعض هذا الحق في غير موضعه وهذه مشكلة كبرى تلحق بنفسه وبالآخرين الضرر الكبير، فجاء هذا البحث ليجيب عن بعض التساؤلات المهمة مثل:
هل الحرية بشكل عام لها أصل شرعي؟
هل أعطى النبي صلى الله عليه وسلم للناس حق التعبير عن الرأي؟
مالضوابط التي تحكم التعبير عن الرأي ؟
منهج البحث:
اعتمدت في هذا البحث على المناهج الآتية:
1ـ المنهج الاستقرائي: واستخدمته في استقراء نصوص السنة النبوية الدالة على حرية التعبير عن الرأي.
2ـ المنهج الوصفي التحليلي: واستخدمته في وصف الأساليب التي استعملها النبي صلى الله عليه وسلم في السماح للآخرين في التعبير عن رأيهم.
الدراسات السابقة:
بعد البحث عن الدراسا المشابهة لعنوان دراستي هذه وجدت ما يأتي:
1ـ بحث بعنوان: (حرية التعبير في الإسلام حقيقتها وضوابطها)، للدكتور نور الدين بوكرديد منشور على شبكة الإنترنت، وهو يتقارب في عنوانه مع بحثي إلا أن حدود بحثي هذا تختلف عنه، إضافة لما دونته من نماذج في السنة النبوية كثيرة لم يتطرق لها الباحث.
2ـ بحث بعنوان: (حرية الرأي في الإسلام)، لخالد بن عبدالله الخروصي، وهو بحث يتكلم عن الحريات بشكل عام ومنها حرية الرأي، إلا أن مباحث دراستي هذه وما فيها من نماذج لم يتطرق لها الباحث.
خطة البحث:
قسم هذا البحث بعد المقدمة إلى أربعة مباحث :
المبحث الأول : التعريف بحرية الرأي .
المبحث الثاني : التأصيل الشرعي للحرية .
المبحث الثالث : حرية التعبير عن الرأي في السنة النبوية .
المبحث الرابع : ضوابط حرية التعبير عن الرأي .
ثم خاتمة فيها أهم النتائج التي توصلت إليها .
المبحث الأول : التعريف بحرية الرأي.
أولا : تعريف الحرية:
1ـ الحريّة لغة : تأتي الحرية في اللغة على عدة معاني منها :
أـ نقيض العبودية : قال ابن منظور: “الـمـحرَّر: الذي جُعل من العبـيد حرّاً فأُعتق يقال: حَرَّ العبدُ يَحَرُّ حَرَارَةً، بالفتـح، أَي صارحرًّا”[1].
وقال الفيروز أبادي: “والحُر بالضم خلاف العبد”[2].
ب ـ الحُسن والكرم :
قال الرازي : “الحُرّةُ الكريمة يقال ناقة حُرّةٌ “[3].
ج ـ الخالص النقي :
قال الرازي : “وطين حُرٌّ لا رمل فيه ورملة حُرّةٌ لا طين”[4].
وقال ابن منظور : “ويقال: هو من حُرِّيَّة قومه أَي من خالصهم”[5].
د ـ التفرد لطاعة الله أو لخدمة الكنيسة :
قال ابن منظور: “و تَـحْرِيرُ الولد: أَن يفرده لطاعة اللَّه عزوجل وخدمة الـمسجد، وقوله تعالـى: (إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي) (آل عمران : 35)؛ قال الزجَّاج: هذا قول امرأَة عمران ومعناه جعلته خادماً يخدم فـي مُتَعَبَّداتك، وكان ذلك جائزاً لهم، وكان علـى أَولادهم فرضًا أن يطيعوهم فـي نذرهم، و الـمُـحَرَّرُ: النذيرة، وكان يفعل ذلك بنو إسرائيل، كان أحدهم ربما ولد له ولد فربما حَرَّرَه أَي جعله نذيرة فـي خدمة الكنـيسة ما عاش لا يسعه تركها فـي دينه”[6].
ه ـ الشرف والفضل :
قال ابن منظور: “و الـحُرُّ من الناس: أَخيارهم وأَفاضلهم، و حُرِّيَّةُ العرب: أَشرافهم، و الـحُرُّ: كلُّ شيء فاخِرٍ من شِعْرٍ أو غيره”[7].
2ـ الحرية في الإصطلاح:
عُرفت الحرية بأنها : “قدرة الفرد على عمل كل ما لايضر بالغير”[8].
أو هي: “أن يكون للفرد الحق أن يقول ويعمل ما يشاء مما لايضر بالغير”[9].
وعرفت كذلك بأنها: “القدرة على التصرف بملء الارادة والاختيار”[10]
ثانياً : تعريف التعبير:
1ـ لغة: قال ابن فارس: العين والباء والراء أصل صحيح واحد يدل على النُّفُوذِ وَالْمُضِيِّ فِي الشَّيْءِ، يُقال: عَبَرْتُ النَّهْرَ عُبُورًا، وَعَبْرُ النَّهْرِ: شَطُّهُ، وَيُقال: نَاقَةٌ عُبْرُ أَسْفَارٍ: لا يَزَالُ يُسَافَرُ عَلَيْهَا “[11].
ومن الكلمات الُمشتقة من هذاالأصل: “العبَّارة؛ لأنه ينتقل المعبِّر بها إلى مقصوده، ومنه: عَبَّر الرؤيا: أي فسّرها، والمِعْبَرُ: ما عُبِرَ به النهر من فُلْكٍ وغيره”[12].
2ـ والتعبير في الاصطلاح يعني:
“القدرة على النقد، وإبداء الرأي في صراحة ووضوح من غير حظر أو حجر في ذلك”[13].
إذن التعبير هو: الإفصاح عما في النفس بأي وسيلة كانت.
فطرق هذا التعبير إما أن يكون بالقول، وقد يكون بالفعل، وقد يكون بالسكوت أو الضحك والبكاء. والفعل: إما أن يكون بالمعاطاة، أو بالكتابة، أو بالإشارة[14].
ثالثاً: تعريف الرأي:
1ـ لغة: قال ابن فارس: “رأى أصل يدل على نظر وإبصار بعين أو بصيرة، فالرأي ما يراه الإنسان في الأمر، وجمعه الآراء”[15].
2ـ اصطلاحاً : “ما يتصوره الإنسان في عقله حول أمر ما”[16].
والرأي يشمل ما يراه الناظر في الأدلة الشرعية ممن هو أهل للنظر فيها ، وإبداء وجهة نظره في مسألة شرعية ، أو قد يكون رأياً يتعلق بمصالح دنيوية عامة بالمسلمين أو خاصة ، وقد يكون الرأي تقييماً لأشخاص أو مؤسسات أو دول أو أعمال أو مشاريع ونحو ذلك [17].
رابعًا: المقصود بحرية التعبير عن الرأي:
قال ابن عاشور هو: “التصريح بالرأي والاعتقاد في منطقة الإذن الشرعي”[18].
وعرفت حرية التعبير عن الرأي كذلك بـ: “أن يتمتع الإنسان بكامل حريته في الجهر بالحق، وإسداء النصيحة في أمر الدين أو الدنيا؛ فيما يحقق النفع ، ويصون مصالح الفرد والمجتمع، فيما يتعلق بالحاكم أو المحكوم”[19].
المبحث الثاني : التأصيل الشرعي للحرية:
تعد الحرية منحة إلهية، وحق طبيعي للإنسان ليمارس أعماله ويقوم بوظائفه وماهذا إلا نوع من تكريم الإنسان، قال تعالى: “وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ” (الإسراء : 70) وقد قرر الشارع الحكيم والمتمثل بالقرآن الكريم والسنة النبوية مبدأ الحرية في عدة مجالات، فمما ذكره الله سبحانه في القرآن ما يأتي:
أ ـ حرية الاعتقاد:
قال تعالى: “لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ”. ( البقرة : 256)
فقد تميز الدين الإسلامي بمبدأ حرية التدين فهو لايكره أحداً على الدخول في عقيدته، وفي هذا يتجلى احترام إرادة الإنسان وفكره وترك أمره لنفسه فيما يختص بالهدى والضلال في الاعتقاد.
قال ابن كثير في تفسير الآية الكريمة: “أي لا تكرهوا أحداً على الدخول في دين الإسلام فإنه بين واضح جلي دلائله وبراهينه لا يحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه، بل من هداه الله للإسلام وشرح صدره ونور بصيرته دخل فيه على بينة، ومن أعمى الله قلبه وختم على سمعه وبصره فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرها مقسورا “[20].
وقال سبحانه: ” وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ”(المائدة: 48).
بينت الآية الكريمة أن الله سبحانه لو شاء الله لجعل الناس جميعاً أمة واحدة أى خلقهم بلا اختيار فيهم، يولدون مهتدين على الطاعة المطلقة، ولكن الله تعالى شاء أن يجعلهم أحراراً مختلفي الرأى، منهم المؤمن ومنهم الكافر، منهم المهتدى ومنهم الضال، وكل منهم حسب اختياره وحسب مشيئته.
قال القرطبي في تفسير الآية: “(ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة) أي على ملة واحدة، (ولكن يضل من يشاء) بخذلانه إياهم، عدلًا منه فيهم. (ويهدي من يشاء) بتوفيقه إياهم، فضلًا منه عليهم، ولا يسأل عما يفعل بل تسألون أنتم”[21].
ب ـ إباحة أكل كل ما على الأرض لجميع الناس إن كان مُستطابا وغير ضار:
قال تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ”( البقرة :168) .
فهذا أمر بالإباحة والحل لما في الأرض إلا المحضور القليل والأمر في عمومه يفيد حرية الاستمتاع بطيبات الحياة.
قال ابن كثير: “فذكر ذلك في مقام الامتنان أنه أباح لهم أن يأكلوا مما في الأرض في حال كونه حلالا من الله طيبا، أي: مستطابا في نفسه غير ضار للأبدان ولا للعقول، ونهاهم عن اتباع خطوات الشيطان، وهي: طرائقه ومسالكه فيما أضل أتباعه فيه من تحريم البحائر والسوائب والوصائل ونحوها مما زينه لهم في جاهليتهم”[22].
ج ـ حرية تعدد الزوجات :
قال تعالى: “وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا” (النساء: الآية 3)
تثبت الآية الكريمة حرية الزواج وتعدد الزوجات للقادر والعادل ، ومع هذه الحرية فإنها مقيدة بحال فقد العدل بين الزوجات فيقتصر على واحدة فقط .
قال الشنقيطي: “عبر تعالى عن النساء في هذه الآية بما التي هي لغير العاقل في قوله : فانكحوا ما طاب لكم ، ولم يقل من طاب؛ لأنها هنا أريد بها الصفات لا الذوات. أي: ما طاب لكم من بكر أو ثيب، أو ما طاب لكم لكونه حلالا”[23].
د ـ حرية تناول طعام أهل الكتاب والزواج من نسائهم:
قال تعالى: “الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ” (المائدة :5).
الآية الكريمة دليل على حرية أكل طعام أهل الكتاب ، والزواج من العفيفات من نسائهم مع التقييد بإيتائهن أجورهن وهي المهور .
قال الطبري: “وذبائح أهل الكتاب من اليهود والنصارى وهم الذين أوتوا التوراة والإنجيل وأنزل عليهم ، فدانوا بهما أو بأحدهما “حل لكم” يقول : حلال لكم ، أكله دون ذبائح سائر أهل الشرك الذين لا كتاب لهم من مشركي العرب وعبدة الأوثان والأصنام . فإن من لم يكن منهم ممن أقر بتوحيد الله عز ذكره ودان دين أهل الكتاب، فحرام عليكم ذبائحهم “[24].
هـ حرية أخذ الزينة :
قال تعالى: “قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ” (الأعراف: 32).
قال القرطبي: “الزينة هنا الملبس الحسن، إذا قدر عليه صاحبه، وقيل: جميع الثياب “[25].
وقال ابن كثير: ” هي مخلوقة لمن آمن بالله وعبده في الحياة الدنيا، وإن شركهم فيها الكفار حسًا في الدنيا ، فهي لهم خاصة يوم القيامة، لا يشركهم فيها أحد من الكفار، فإن الجنة محرمة على الكافرين” [26].
ومن الأدلة التي تثبت مبدأ الحرية في السنة النبوية ما يأتي:
أـ عَنْ سَلْمَانَ قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنِ السَّمْنِ وَالْجُبْنِ وَالْفِرَاءِ، فَقَالَ: الْحَلاَلُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِى كِتَابِهِ وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِى كِتَابِهِ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ»[27].
قال المباركفوري : “وما سكت أي الكتاب عنه أي عن بيانه أو ما أعرض الله عن بيان تحريمه وتحليله رحمة من غير نسيان فهو مما عفا عنه أي عن استعماله وأباح في أكله وفيه أن الأصل في الأشياء الاباحة ويؤيده قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا)” ( البقرة :29)[28].
ب ـ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه عَنِ النَّبِىِّ r قَالَ: «تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالْقَطِيفَةِ وَالْخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِىَ رَضِىَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ»[29].
فهذا دعاء من النبي ﷺ على من لم يتحرر من عبودية المال المناقضة لعقيدة التوحيد.
قال الحافظ ابن حجر: “قوله عبد الدينار أي طالبه الحريص على جمعه القائم على حفظه فكأنه لذلك خادمه وعبده قال الطيبي قيل خص العبد بالذكر ليؤذن بانغماسه في محبة الدنيا وشهواتها كالاسير الذي لايجد خلاصا ولم يقل مالك الدينار ولا جامع الدينار لان المذموم من الملك والجمع الزيادة على قدر الحاجة”[30].
ج ـ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: « لاَ تَكُونُوا إِمَّعَةً تَقُولُونَ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا وَإِنْ أَسَاءُوا فَلاَ تَظْلِمُوا»[31].
هذا الحديث فيه نهي عن التقليد المجرد الذي لاحرية فيه لما فيه من تبعية مقيتة سلبية.
قال ابن الأثير: “الإمّعة بكسر الهمزة وتشديد الميم : الذي لا رَأى له، فهو يُتابِع كل أحد على رَأيه”[32].
قال المباركفوري: “وقال صاحب الفائق هو الذي يتابع كل ناعق ويقول لكل أحد أنا معك لأنه لا رأي له يرجع إليه ،ومعناه المقلد الذي يجعل دينه تابعا لدين غيره بلا رؤية ولا تحصيل برهان[33].
المبحث الثالث : حرية التعبير عن الرأي في السنة النبوية .
تعد حرية الرأي صفة فطرية وضرورية لكل البشر، قال ابن عاشور: “إن الحرية خاطر غريزي في النفوس البشرية، فيها نماء القوى الإنسانية، من تفكير وقول وعمل، وبها تنطلق المواهب العقلية متسابقة في ميادين الإبتكار والتدقيق، فلا يحق أن تسأم بقيد إلا قيداً يُدفع به عن صاحبها ضر ثابت، أو يجلب به نفع”[34].
أما النبي ﷺ فقد سمح لكل من شاء أن يقول ماشاء سواء من المؤمنين به أو المكذبين له، ولم يزجر ولم يعاقب أحداً على رأي عبَّر عنه، أو على اعتراض تقدم به [35].
ومن النماذج على حرية الرأي في السنة النبوية :
أولاً : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة أهم أعمدة حرية التعبير في الإسلام.
عن أَبي سَعِيدٍ الخدري قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ»[36].
قال النووي: “قوله ﷺ “فليغيره” فهو أمر إيجاب باجماع الأمة وقد تطابق على وجوب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر الكتاب والسنة وإجماع الأمة وهو أيضَا من النصيحة التي هي الدين ولم يخالف في ذلك إلا بعض الرافضة ولا يعتد بخلافهم… ثم إن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فرض كفاية إذا قام به بعض الناس سقط الحرج عن الباقين وإذا تركه الجميع أثم كل من تمكن منه بلا عذر ولا خوف ثم أنه قد يتعين كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو أولا يتمكن من إزالته إلا هو”[37].
وجعل النبي ﷺ النصيحة من الدين وهي من أبرز معالم حرية التعبير عن الرأي،
غَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ، قَالَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: «لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ»[38].
قال النووي: “أما نصيحة عامة المسلمين وهم من عدا ولاة الأمر فارشادهم لمصالحهم في آخرتهم ودنياهم وكف الأذى عنهم فيعلمهم ما يجهلونه من دينهم ويعينهم عليه بالقول والفعل وستر عوراتهم وسد خلاتهم ودفع المضار عنهم وجلب المنافع لهم وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر برفق واخلاص … وتخولهم بالموعظة الحسنة .. وغير ذلك من أحوالهم بالقول والفعل”[39].
ولا تتحقق النصيحة والدعوة والتعبير عن الرأي إلا بوسائل وطرق وأسباب للمسلم أن يسلكها؛ ليصل من خلالها لما يريد ولو كانت حادثة لم ينص عليها الشرع ؛ ما دامت معبّرة عن المراد وموصلة إليه، فكل ما دل على الحق والصدق والخبر الصحيح مما فيه نفع للناس في أمور دينهم ودنياهم؛ فإن الشرع يقره ويقبله، ويأمر به أحياناً ويجيزه أحياناً؛ بحسب ما يؤدي إليه من المصلحة.
ومما يندرج تحت الأمر بالمعروف والنصيحة حرية التكلم بالحق عند سلطان جائر
فعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ» أَو «أَمِيرٍ جَائِرٍ»[40].
فكانت كلمة الحق أفضل الجهاد لأنه يحتاج لشجاعة وإيمان وصبر وخاصة أمام السلطان الجائر، ولأنه يحمل الخير للكون جميعاً.
قال المباركفوري: “والمراد بـ (الكلمة) ما أفاد أمراً بمعروف أو نهيًا عن منكر من لفظ أو ما في معناه ككتابه ونحوها، (عند سلطان جائر) أي: ظالم، إنما صار ذلك أفضل الجهاد لأن من جاهد العدو كان متردداً بين رجاء وخوف لا يدري هل يَغلب أو يُغلب، وصاحب السلطان مقهور في يده فهو إذا قال الحق وأمره بالمعروف فقد تعرض للتلف وأهدف نفسه للهلاك فصار ذلك أفضل أنواع الجهاد من أجل غلبة الخوف”[41].
ثانياً : تخيير المرأة بالزواج :
للمرأة في الإسلام- ثيباً أو بكراً – كامل الحرية في اختيار من ترغب الزواج منه، ورفض من لا تريده، ولا حق لوليها- الأب، أو غيره- أن يجبرها على ما لا تريد، أو يكرهها على الزواج ممن لا ترغب، فإن فرض عليها شيء من ذلك، فلها رد هذا الزواج. فعن أبي هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُمْ أَنَّ النَّبِىَّ r قَالَ: «لاَ تُنْكَحُ الأَيِّمُ[42] حَتَّى تُسْتَأْمَرَ وَلاَ تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ»، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ إِذْنُهَا قَالَ: «أَنْ تَسْكُتَ»[43].
وقد خرج البخاري في صحيحه عَنْ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَامٍ الأَنْصَارِيَّةِ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهْىَ ثَيِّبٌ، فَكَرِهَتْ ذَلِكَ فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ r فَرَدَّ نِكَاحَهُ[44].
قال الحافظ ابن حجر: “ولهذا يحتاج الولي إلى صريح أذنها في العقد فإذا صرحت بمنعه أمتنع اتفاقًا والبكر بخلاف ذلك والأذن دائر بين القول والسكوت بخلاف الأمر فإنه صريح في القول وإنما جعل السكوت أذنا في حق البكر لأنها قد تستحي أن تفصح”[45].
ولذا كان من حق الفتاة أن تختار الكفؤ المناسب لها، ولا يجوز لأوليائها أن يُكرهوها على مَن لا ترغب في مشاركته حياتها الزوجية.
فكانت تختار زوجها كما تحب، حتى إنها كانت في بعض الأحيان تطلب الزواج ممن تراه صالحًا؛ كما حدث في قصة المرأة التي عرضت نفسها على الرسول r فعن ثَابِت الْبُنَانِيَّ قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ أَنَسٍ وَعِنْدَهُ ابْنَةٌ لَهُ قَالَ أَنَسٌ رضي الله عنه: “جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ r تَعْرِضُ عَلَيْهِ نَفْسَهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَكَ بِي حَاجَةٌ ؟ فَقَالَتْ بِنْتُ أَنَسٍ: مَا أَقَلَّ حَيَاءَهَا وَاسَوْأَتَاهْ وَاسَوْأَتَاهْ، قَالَ: هِيَ خَيْرٌ مِنْكِ رَغِبَتْ فِي النَّبِيِّ r فَعَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا”[46].
ثالثاً : تخيير المرأة بالطلاق :
خيَّر رسول الله ﷺ نساءه بالطلاق مانحاً إياهن الحرية الكاملة بذلك، فعن عَائِشَةَ رضى الله عنها قَالَتْ: “خَيَّرَنَا رَسُولُ اللَّهِ r فَاخْتَرْنَا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَلَمْ يَعُدَّ ذَلِكَ عَلَيْنَا شَيْئاً”[47].
قال النووي: “في هذه الأحاديث دلالة لمذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد وجماهير العلماء أنَّ من خيَّر زوجته فاختارته لم يكن ذلك طلاقًا ولا يقع به فرقة”[48].
رابعاً: الاجتهاد :
كما جعل النبي ﷺ من اجتهد برأيه مأجور إن أصاب أو أخطأ فإن أخطأ فله أجر واحد وإن أصاب فله أجران.
فعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : “إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ”[49].
فهذا الحديث يقرر حرية الرأي حتى في أمر الدين طالما صدر من أهله وكان يقصد به إصابة الحق، فحينئذ يؤجر صاحب الرأي.
قال الحافظ ابن حجر: “إنَّ أهل الأصول قالوا يجب على المجتهد أن يُجدد النظر عند وقوع النازلة ولا يعتمد على ما تقدم له لإمكان أن يظهر له خلاف غيره .. وقوله فأصاب أي: صادف ما في نفس الأمر من حكم الله تعالى، قوله ثم أخطأ: أي ظن أن الحق في جهة فصادف أن الذي في نفس الأمر بخلاف ذلك فالأول له أجران أجر الاجتهاد وأجر الإصابة والآخر له أجر الاجتهاد فقط”[50].
خامساً : احترام المعارضة:
فسح النبي ﷺ المجال للمعارضة من المنافقين بالتعبير عن رأيهم بحرية، وكان عليه الصلاة والسلام يتسامح معهم ويستغفر لهم، فقد كانوا يتجاوزون الحد في التطاول والاعتراض على بعض أعماله، ولم يكن نبي الرحمة يعاقبهم حتى لا ييتخذه بعض أولي الأمر مسوغًا لمنع الناس من إبداء رأيهم، وقد تعدت حرية الرأي للمنافين للتآمر وتدبير الخطط، ولم يتدخل الوحي الإلهي إلا بعد أن بلغ السيل الزبا، فكانوا يدخلون على النبي ﷺ لتقديم فروض الطاعة ثم يخرجون يكذبون عليه ويتآمرون ضده، قال تعالى:﴿وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُواْ مِنْ عِندِكَ بَيّتَ طَآئِفَةٌ مّنْهُمْ غَيْرَ الّذِي تَقُولُ وَاللّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكّلْ عَلَى اللّهِ﴾ (النساء: الآية 81).
وهاهو زعيم المنافقين عبد الله بن أبي يتحدث بحرية قائلاً : أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ، فَبَلَغَ النَّبِىَّ r فَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِى أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ، فَقَالَ النَّبِىُّ r: “دَعْهُ لاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّداً يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ”[51].
ومما يدل كذلك على احترام النبي ﷺ للمعارضة ما حدث في صلح الحديبية فقبل تسجيل بنودها ظهرت بين المسلمين معارضة شديدة لهذه الاتفاقية، وكان من أشد المعارضين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فَقَالَ للنبي r : “أَلَسْتَ نَبِىَّ اللَّهِ حَقًّا؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: أَلَسْنَا عَلَى الْحَقِّ وَعَدُوُّنَا عَلَى الْبَاطِلِ؟ قَالَ: بَلَى، قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِى الدَّنِيَّةَ فِى دِينِنَا إِذاً؟ قَالَ: إِنِّى رَسُولُ اللَّهِ، وَلَسْتُ أَعْصِيهِ وَهْوَ نَاصِرِى، قُلْتُ: أَوَلَيْسَ كُنْتَ تُحَدِّثُنَا أَنَّا سَنَأْتِى الْبَيْتَ فَنَطُوفُ بِهِ؟ قَالَ: بَلَى، فَأَخْبَرْتُكَ أَنَّا نَأْتِيهِ الْعَامَ؟ قَالَ: قُلْتُ لا، قال: فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَّوِّفٌ بِهِ”[52].
وبهذا يتضح مدى احترام النبي r للمعارضة النزيهة والتي بها كفل حرية الرأي في المجتمع ولو كان هذا الرأي نقداً لحاكم؛ لأن من حق المسلم أن يبين وجهة نظره في جو من الأمن دون تسلط يخنق حرية الكلمة.
سادساً: احترام رأي النساء:
ثبت في السُّنة الصحيحة أن لزوجات النبي ﷺ آراء ومراجعات كان يحترمها ويترك لهن الحرية في ابدائها، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قَالَ: وَاللَّهِ إِنْ كُنَّا فِى الْجَاهِلِيَّةِ مَا نَعُدُّ لِلنِّسَاءِ أَمْراً، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِنَّ مَا أَنْزَلَ وَقَسَمَ لَهُنَّ مَا قَسَمَ، قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا فِى أَمْرٍ أَتَأَمَّرُهُ إِذْ قَالَتِ امْرَأَتِى لَوْ صَنَعْتَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فَقُلْتُ لَهَا مَالَكِ وَلِمَا هَا هُنَا فِيمَا تَكَلُّفُكِ فِى أَمْرٍ أُرِيدُهُ، فَقَالَتْ لِى عَجَباً لَكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ مَا تُرِيدُ أَنْ تُرَاجَعَ أَنْتَ، وَإِنَّ ابْنَتَكَ لَتُرَاجِعُ رَسُولَ اللَّهِ r حَتَّى يَظَلَّ يَوْمَهُ غَضْبَانَ، فَقَامَ عُمَرُ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ مَكَانَهُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ فَقَالَ لَهَا يَا بُنَيَّةُ إِنَّكِ لَتُرَاجِعِينَ رَسُولَ اللَّهِ r حَتَّى يَظَلَّ يَوْمَهُ غَضْبَانَ، فَقَالَتْ حَفْصَةُ وَاللَّهِ إِنَّا لَنُرَاجِعُهُ[53].
فبالنظر إلى هذا الهدي النبوي ندرك مدى المساحة التي منحها النبي ﷺ لنسائه في إبداء أرائهن بحرية بعيدة عن الخوف والتسلط، وهذا ما قرره النبي ﷺ بقوله وفعله لإرشاد المسلمين من بعده إلى احترام رأي المرأة، كيف لا وقد سمع رأي أم سلمة رضي الله عنها في صلح الحديبية عندما امتنع الصحابة عن نحر هديهم فقال لهم: «قُومُوا فَانْحَرُوا، ثُمَّ احْلِقُوا»، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ ، فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِىَ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا نَبِىَّ اللَّهِ أَتُحِبُّ ذَلِكَ؟ اخْرُجْ ثُمَّ لاَ تُكَلِّمْ أَحَداً مِنْهُمْ كَلِمَةً حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ، فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَداً مِنْهُمْ، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ نَحَرَ بُدْنَهُ، وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ، قَامُوا فَنَحَرُوا[54].
ونرى أم سلمة رضي الله عنها في شجاعة أدبية تُخاطب رسول الله r وكأنها تتطلع إلى حق جديد، تطمَح أن يكون مُخبأً بين أسطُر الشريعة الغَرَّاء من فيض الحقوق التي انهالت عليها وعلى نساء عصرها من المُهاجِرات والأنصاريات، قائلة له r ” يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَنَا لا نُذْكَرُ فِي الْقُرْآنِ كَمَا يُذْكَرُ الرِّجَالُ؟ قَالَتْ: فَلَمْ يَرُعْنِي مِنْهُ يَوْمًا إِلاّ وَنِدَاؤُهُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَالَتْ وَأَنَا أُسَرِّحُ رَأْسِي فَلَفَفْتُ شَعْرِي ثُمَّ دَنَوْتُ مِنَ الْبَابِ فَجَعَلْتُ سَمْعِي عِنْدَ الْجَرِيدِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ…) ( الأحزاب : 35) [55].
كذلك لم تجد المرأة غضاضة في المطالبة بحقوقها حين يتقاعس زوجها عن أداء حقها في النفقة ، فعن عائشة رضي الله عنها أن هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ قَالَتْ : “يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، وَلَيْسَ يُعْطِينِى مَا يَكْفِينِى وَوَلَدِى، إِلاَّ مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهْوَ لاَ يَعْلَمُ فَقَالَ: خُذِى مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ”[56].
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : “واستدل بهذا الحديث على جواز ذكر الإنسان بما لا يعجبه إذا كان على وجه الاستفتاء والاشتكاء ونحو ذلك وهو أحد المواضع التي تباح فيها الغيبة، وفيه جواز سماع كلام الأجنبية عند الحكم والإفتاء عند من يقول أن صوتها عورة”[57].
دلَّ هذا كله على أن النبي r رفع قدر المرأة ومنزلتها ووضعها الاجتماعي، ورفع عنها قيد العبودية الذي كبَّلها لمئات السنين، ومنحها قيمتها بوصفها إنسانة لها حقوقها الثابتة وسط مجتمعها، وجعل من حقها التعبير عن رأيها والدفاع عن حقوقها وصارت المرأة برسالة النبي r مكوناً حيوياً في المجتمع .
سابعاً: إقرار مبدأ الشورى:
يعد إقرار مبدأ الشورى من قبل نبي الرحمة محمد ﷺ من أبرز معالم الحرية في التعبير عن الرأي، وقد استعمل النبي صلى الله عليه وسلم أسلوب الاستشارة مع أصحاب الرأي عند حاجته لاتخاذ القرارات الحازمة والمهمة من باب فتح المجال للتعبير عن الرأي، وهذا الأسلوب نابع من توجيه المولى سبحانه له في قوله: ” لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْر”ِ (آل عمران:159).
حتَّى قال أبو هريرة رضي الله عنه: “ما رأيت أحدًا أكثر مُشاورةً لأصحابه مِن رسول الله ﷺ [58]ومن صور تطبيق النبي ﷺ لمبدأ الشورى :
1ـ النداء للصلاة:
ومن أمثلة استخدامه صلى الله عليه وسلم للمشورة، ما كان في مشاورة أصحابه في النداء للصلاة، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَشَارَ النَّاسَ لِمَا يُهِمُّهُمْ إِلَى الصَّلَاةِ، فَذَكَرُوا الْبُوقَ، فَكَرِهَهُ مِنْ أَجْلِ الْيَهُودِ، ثُمَّ ذَكَرُوا النَّاقُوسَ، فَكَرِهَهُ مِنْ أَجْلِ النَّصَارَى، فَأُرِيَ النِّدَاءَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَطَرَقَ الْأَنْصَارِيُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلًا، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «بِلَالًا بِهِ، فَأَذَّنَ»[59].
قال ابن رجب: “وفي هذا دليل على استحباب التشاور في مصالح الدين والاهتمام بها، فلما تشاوروا أشار بعضهم بالناقوس كفعل النصارى، وأشار بعضهم بالبوق كفعل اليهود، فقال عمر: أولا تبعثون رجلا ينادي بالصلاة”[60].
2ـ في غزوة بدر:
وفي أمر القتال شاور أصحابه ابتداء من غزوة بدر في الخروج، فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: “لَمَّا سَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَدْرٍ خَرَجَ فَاسْتَشَارَ النَّاسَ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ اسْتَشَارَهُمْ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ عُمَرُ، فَسَكَتَ”، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: إِنَّمَا يُرِيدُكُمْ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَاللهِ لَا نَكُونُ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى: “اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ”، وَلَكِنْ وَاللهِ لَوْ ضَرَبْتَ أَكْبَادَهَا حَتَّى تَبْلُغَ بَرْكَ الْغِمَادِ لَكُنَّا مَعَكَ[61].
قال أبو العباس القرطبي: ” ومشاورة النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه حين بلغه إقبال أبي سفيان، وإعراضه عن تكليم المهاجرين إنما كان ليستخرج ما عند الأنصار من خروجهم معه للحرب، وذلك: أنهم إنما كانوا بايعوه ليمنعوه من الأحمر والأسود، ولم يأخذ عليهم أن يخرجوا معه، فأراد أن يعلم ما عندهم من ذلك” [62].
3ـ في غزوة أحد:
عندما عَلِم النبي ﷺ أنَّ قريشًا قد جاءت لحربه ووصلت إلى مشارف المدينة، فاستشار أصحابه، وكان رأيه ﷺ الدِّفاعَ في المدينة عن المدينة، ولكن أغلبيَّة المسلمين – وخاصَّةً مَن فاتَهم القِتالُ في بدر – أرادوا الخروج إلى أُحُد ومُنازَلة المُشركين هناك، فوافَق النبيُّ ﷺ على رأي الأغلبيَّة، وقرَّر مُغادَرة المدينة والخروج إلى أُحُد، فكانتْ وقعة أُحُد.
فقد روى الإمام أحمد في مسنده أن النبي ﷺ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: «لَوْ أَنَّا أَقَمْنَا بِالْمَدِينَةِ فَإِنْ دَخَلُوا عَلَيْنَا فِيهَا قَاتَلْنَاهُمْ» ، فَقَالَوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا دُخِلَ عَلَيْنَا فِيهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَكَيْفَ يُدْخَلُ عَلَيْنَا فِيهَا فِي الْإِسْلَامِ؟ – قَالَ عَفَّانُ فِي حَدِيثِهِ: فَقَالَ: «شَأْنَكُمْ إِذًا» – قَالَ: فَلَبِسَ لَأْمَتَهُ، قَالَ: فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ: رَدَدْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْيَهُ، فَجَاءُوا ، فَقَالَوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، شَأْنَكَ إِذًا، فَقَالَ: «إِنَّهُ لَيْسَ لِنَبِيٍّ إِذَا لَبِسَ لَأْمَتَهُ أَنْ يَضَعَهَا حَتَّى يُقَاتِلَ»[63].
المبحث الرابع : ضوابط حرية التعبير عن الرأي:
مع اهتمام الإسلام بحرية الرأي والتعبير إلاَّ أنَّه حرص على عدم تحريرها من القيود والضوابط الكفيلة بحسن استخدامها، وتوجيهها إلى ما ينفع الناس ويرضي الخالق جل وعلا، فهناك حدود لا ينبغي الاجتراء عليها وإلا كانت النتيجة هي الخوض فيما يُغضب الله، أو يُلحق الضرر بالفرد والمجتمع على السواء ، ويُخل بالنظام العام وحسن الآداب[64].
ومن أهم هذه الضوابط ما يأتي :
1ـ لا رأي مع وجود النص الشرعي :
كل أمر جاء الشرع بحكمه بدليل من الأدلة، سواء كان متعلقاً بالعبادات أو المعاملات أو العقوبات أو العلاقات الشخصِيَّة، فهذا ليس للإنسان فيه إلا أن يعمل بمقتضى الدليل ويتفقَّه فيه، قال تعالى: ” وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ” (الأحزاب :36).
ودين المسلمين مبني على اتباع كتاب الله وسنة رسوله ﷺ وإجماع الأمة، وهي الأصول المعصومة التي لا يجوز تجاوزها أو الخروج عنها، قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِه” (الحجرات:1).
قال الحافظ ابن كثير في معنى الآية : “هذه آداب أدب الله بها عباده المؤمنين فيما يعاملون به الرسول ﷺ من التوقير والاحترام والتبجيل والإعظام، فقال:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِه)، أي: لا تسرعوا في الأشياء بين يديه، أي : قبله، بل كونوا تبعًا له في جميع الأمور”[65].
فقد أخر معاذ رضي الله عنه رأيه بعد النظر إلى القرآن والسنة .
وأما ما لم يبين حكمه والموقف منه بعينه في الشرع؛ فإن للمسلم أن يتخذ فيه رأياً يبديه لا يتعارض مع الضوابط العامَّة لإبداء الرأي. وذلك كطريقة تنفيذ ما أمر الله به وسكت عن طريقة تنفيذه، أو ما لم يرد به نص محكم .
2ـ الرأي يجب أن يكون نابعاً من علم ومعرفة لا من جهل وهوى :
ذمَّ الله تعالى من يقول بلا علم ، فقال: “وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ” (النحل :116).
قال الشاطبي: “الاجتهاد في الشريعة ضربان: أحدهما المعتبر شرعاً … والثاني غير المعتبر، وهو الصادر عمن ليس بعارف بما يفتقر الاجتهاد إليه؛ لأن حقيقته أنه رأي بمجرد التشهي والأغراض، وخبط في عماية، واتباع للهوى، فكل رأي صدر على هذا الوجه فلا مرية في عدم اعتباره؛ لأنه ضد الحق الذي أنزل الله، كما قال تعالى: “وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُم”(المائدة : 49)[67].
وهذا كما يكون في أحكام الشرع فهو في كل علم، فليس لأحدٍ أن يتناوله بغير إتقان له، وقد ذم الله تعالى من يتبع الظن: “وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَناًّ إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئاً “(يونس :36).
والسبب في هذا أن الرأي المعتبر هو المبني على العلم والتثبت، وأما ما لم يُبن عليهما فهو محض ظن لا يغني عن الحق شيئاً، ومعلوم أن للخيالات والأوهام رواداً لا يعبأ بهم في مجال الفكر، وإذا أريد قياس الرأي ومعرفة مكانته استند الناظر إلى ما استمد منه؛ هل هو العلم والتثبت، أو بني على المصالح الشخصية والعصبيات الجاهلية ومحض الهوى.
3ـ أن يكون القصد من الرأي إرادة الحق والخير :
فحرية الرأي لا تعني فتح المجال لمثيري الفتن كي يبذروا بذور الفرقة والشقاق في المجتمع الإسلامي تحت ستار الحقوق والحريات.
وهذا من معنى الإخلاص وحسن الإرادة التي هي مناط خيرية العمل وصلاحه وقبوله.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : “وسبب الفرق بين أهل العلم وأهل الأهواء مع وجود الاختلاف في قول كل منهما: أن العالم قد فعل ما أمر به من حسن القصد والاجتهاد .. بخلاف أصحاب الأهواء فإنهم: (إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنفُسُ) (النجم: 23)، ويجزمون بما يقولون بالظن والهوى .. فلم يصدر عنهم من الاجتهاد والقصد ما يقتضي مغفرة ما لم يعلموه فكانوا ظالمين شبيهاً بالمغضوب عليهم أو جاهلين شبيهاً بالضالين، فالمجتهد الاجتهاد العلمي المحض ليس له غرض سوى الحق وقد سلك طريقه، وأما متبع الهوى المحض فهو من يعلم الحق ويعاند عنه، وثم قسم آخر وهو غالب الناس، وهو أن يكون له هوى وله في الأمر الذي قصد إليه شبهة فتجتمع الشهوة والشبهة … فالمجتهد المحض مغفور له أو مأجور، وصاحب الهوى المحض مستوجب للعذاب، وأما المجتهد الاجتهاد المركب على شبهة وهوى فهو مسيئ، وهم في ذلك على درجات بحسب ما يغلب”[68].
4ـ أن يدرك صاحب الرأي مآل قوله من المصلحة أو المفسدة:
فهذا ضابط لا بد منه؛ حتى لا تكون حرية الرأي سببا للفساد، وقد نهى القرآن عن سب آلهة المشركين؛ لعدم استفزازهم بما يدفعهم إلى سب مقدسات المسلمين، قال تعالى: ﴿ وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ (الأنعام: الآية 108). قال ابن كثير: “قوله تعالى ناهيا لرسوله ﷺ والمؤمنين عن سب آلهة المشركين، وإن كان فيه مصلحة، إلا أنه يترتب عليه مفسدة أعظم منها، وهي مقابلة المشركين بسب إله المؤمنين، وهو الله لا إله إلا هو”[69].
لذا لما أراد عمر رضي الله عنه ضرب عنق عبد الله بن أبي قال له النَّبِىُّ r: “دَعْهُ لاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّداً يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ “[70].
وعليه؛ فإنه لا يسوغ لصاحب رأي ولا لمفت أو مفكر أن يقرر رأياً مهما كان صواباً إذا ترتب على ذلك مفسدة أعظم، أو كان مثيراً لفتنة وفي أخبار الصحابة وقائع تؤكد استشعار الصّحابة – رضي الله عنهم – لهذا الأصل، فقد نصح عبد الرحمن بن عوف عمر بن الخطاب رضي الله عنهما عندما غضب وأراد أن يحذر القوم بعد سماعه لمقوله “مَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِى بَكْرٍ إِلاَّ فَلْتَةً” نصحه قائلًا: “يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لاَ تَفْعَلْ فَإِنَّ الْمَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعَاعَ النَّاسِ وَغَوْغَاءَهُمْ، فَإِنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَغْلِبُونَ عَلَى قُرْبِكَ حِينَ تَقُومُ فِى النَّاسِ، وَأَنَا أَخْشَى أَنْ تَقُومَ فَتَقُولَ مَقَالَةً يُطَيِّرُهَا عَنْكَ كُلُّ مُطَيِّرٍ، وَأَنْ لاَ يَعُوهَا، وَأَنْ لاَ يَضَعُوهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا، فَأَمْهِلْ حَتَّى تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ فَإِنَّهَا دَارُ الْهِجْرَةِ وَالسُّنَّةِ، فَتَخْلُصَ بِأَهْلِ الْفِقْهِ وَأَشْرَافِ النَّاسِ، فَتَقُولَ مَا قُلْتَ مُتَمَكِّناً، فَيَعِى أَهْلُ الْعِلْمِ مَقَالَتَكَ، وَيَضَعُونَهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا، فَقَالَ عُمَرُ أَمَا وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لأَقُومَنَّ بِذَلِكَ أَوَّلَ مَقَامٍ أَقُومُهُ بِالْمَدِينَةِ[71].
5ـ أن لايصاحب الرأي غيبة أو سخرية أو كذب أو تجريح :
قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ”(الحجرات : 12)
فليس من حرية التعبير الخوض في أعراض الناس، وليس من حرية التعبير أيضًا أن يغتاب ويمشي بالنميمة التي يفسد للناس ودهم، كما نهي الله عن السخرية من الناس أو التنابز بالألقاب ولا يعد هذا من حرية التعبي، قال تعالى: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ”.(الحجرات: 11).
كما لا يجوز اتخاذ حرية التعبير وسيلة للخوض في أعراض الناس والطعن فيها وقذفهم وإذاعة أسرارهم أو التشهير بهم، قال تعالي: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ (النور: 19)
وقال تعالى: ” إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ” (النور: ا23)
وقال النبي ﷺ: “فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ حَرَّمَ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ، إِلاَّ بِحَقِّهَا، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِى بَلَدِكُمْ هَذَا، فِى شَهْرِكُمْ هَذَا، أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ”[72].
وقال : ” سِبَابُ الْمُسْلِم فُسُوقٌ وَقِتالُهُ كُفْرٌ”[73].
فالحرية التي ليس عليها ضوابط ولا تقيد بحدود وتمس مشاعر الناس وتؤذيهم في أخلاقهم وأعراضهم في دينهم ودنياهم؛ ما هي إلا وسيلة من وسائل الذل والانحطاط، تنفر منها الطباع السليمة، وتأباها الأخلاق القويمة.
6ـ التلطف واختيار أحسن الألفاظ :
إذا كان الرأي يتعلق بأشخاص أو هيئات ومؤسسات ونحوها فلابد من الاحترام في طرح وجهة النظر؛ لتكون أدعى للقبول، وأوفقَ لمراد الله تعالى حيث يقول تعالى: “وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ” (الإسراء : 53).
قال ابن كثير رحمه الله : “أمر تعالى رسوله ﷺ أن يأمر عباد الله المؤمنين، أن يقولوا في مخاطباتهم ومحاوراتهم الكلام الأحسنَ والكلمة الطيبة؛ فإنه إذ لم يفعلوا ذلك، نزغ الشيطان بينهم، وأخرج الكلام إلى الفعال، ووقع الشر والمخاصمة والمقاتلة، فإن الشيطان عدو لآدم وذريته..”[74].
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: “دَخَلَ رَهْطٌ مِنَ اليَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكُمْ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَفَهِمْتُهَا فَقُلْتُ: وَعَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ”[75].
قال النووي في قوله إن الله يحب الرفق في الأمر كله: “هذا من عظيم خلقه صلى الله عليه وسلم وكمال حلمه وفيه حث على الرفق والصبر والحلم وملاطفة الناس ما لم تدع حاجة إلى المخاشنة”[76].
7ـ استعمال الوسائل المشروعة في التعبير عن الرأي:
لا يجوز بحال أن تُسلكَ سبيلٌ غيرُ مشروعةٍ للتعبير عن حق؛ كمن يستعمل المحرمات بقصد أن يتوب الناس مثلاً، وليس نبل المقصد وحسن الهدف مسوغاً لمعصية الله ورسوله ومخالفة قواعد الشريعة، فإن ما خالفها ضررٌ وفساد، ولا يترتب عليه مصلحة “وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً”(الأحزاب : الآية 36).. ومر معنا أن النبي ﷺ كره استعمال الناقوس للإعلام بدخول وقت الصلاة – قبل الأمر بالأذان – لما فيه من مشابهة النصارى مع كون الهدف هو الدعوة إلى العبادة والاجتماع لها.
وأخيراً أود الإشارة إلى ما جاء في قرار مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي [77] أن من أهم الضوابط الشرعية لممارسة حرية التعبير عن الرأي:
“أـ عدم الإساءة للغير بما يمس حياته أو عرضه أو سمعته أو مكانته الأدبية مثل الانتقاص والازدراء والسخرية، ونشر ذلك بأي وسيلة كانت.
ب ـ الموضوعية ولزوم الصدق والنزاهة والتجرد عن الهوى.
ج ـ الالتزام بالمسؤولية والمحافظة على مصالح المجتمع وقيمه.
د ـ أن تكون وسيلة التعبير عن الرأي مشروعة، فلا يجوز التعبير عن الرأي ولو كان صواباُ بوسيلة فيها مفسدة، أو تنطوي على خدش الحياء أو المساس بالقيم، فالغاية المشروعة لا تبرر الوسيلة غير المشروعة.
ه ـ أن تكون الغاية من التعبير عن الرأي مرضاة الله تعالى وخدمة مصلحة من مصالح المسلمين الخاصة أو العامة.
وـ أن تؤخذ بالاعتبار المآلات والآثار التي قد تنجم عن التعبير عن الرأي، وذلك مراعاة لقاعدة التوازن بين المصالح والمفاسد، وما يغلب منها على الآخر.
زـ أن يكون الرأي المعبّر عنه مستنداً إلى مصادر موثوقة وأن يتجنب ترويج الإشاعات التزاماً بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الحجرات : 6].
ح ـ أن لا تتضمن حرية التعبير عن الرأي أي تهجم على الدين أو شعائره أو شرائعه أو مقدساته.
طـ ـ أن لا تؤدي حرية التعبير عن الرأي إلى الإخلال بالنظام العام للأمة وإحداث الفرقة بين المسلمين.
الخاتمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، هذا ما يسره الله لي من الحديث عن حرية التعبير عن الرأي في ضوء سنة المصطفى عليه أفضل الصلاة والتسليم وقد توصلت إلى النتائج الآتية :
1ـ كفل الإسلام حرية التعبير عن الرأي وجعلها من حقوق الإنسان .
2ـ نص الشارع الحكيم المتمثل بالقرآن الكريم والسنة النبوية المطهره على مبدأ الحرية في مواقف متعددة .
3ـ حوت السنة النبوية على نماذج متعددة في في إثبات حرية التعبير عن الرأي كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصيحة للمسلمين، وإقرار مبدأ الشورى، واحترام رأي المرأة، وغيرها.
4ـ لم يترك الإسلام حرية التعبير بلاقيود أو ضوابط بل جعل لها ضوابط تحميها وتصونها من الخلل والفساد المتوقع في حال عدم وجودها، كتحريم الرأي مع وجود النص الشرعي، وضرورة كون الرأي نابع من علم وهدى، وأن لا يقصد به الهوى، وألا يترتب عليه مفسدة، ولا يصاحبه غيبة وتعريض وكذب .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
[1] ابن منظور، محمد بن مكرم المصري، لسان العرب ، ط1، (بيروت: دار صادر)، 4/181، مادة (حرر).
[2] الفيروز أبادي، محمد بن يعقوب ، القاموس المحيط ، (بيروت: مؤسسسة الرسالة )، ص 478، مادة (حر).
[3] الرازي، محمد بن أبي بكر بن عبد القادر ، مختار الصحاح ، (بيروت: مكتبة لبنان ناشرون)، 1415هـ ، ص 55، مادة (حرر).
[4] المصدر السابق ، ص55.
[5] ابن منظور ، لسان العرب ، 4/182، مادة (حرر)
[6] ابن منظور ، لسان العرب ، 4/181، مادة (حرر).
[7] ابن منظور ، لسان العرب ، 4/182، مادة (حرر).
[8] أبو عجوة، محمد نجيب، المجتمع الإسلامي دعائمه وآدابه في ضوء القرآن الكريم، (القاهرة: مكتبة مدبولي،2000م) ، ص 174.
[9] الشيباني، عمر محمد، من أسس التربية الإسلامية ، (بيروت: دار النهضة العربية، 1982م )، ص281.
[10] قلعجي، محمد رواس، وقنيبي، حامد صادق، معجم لغة الفقهاء، ط2، (بيروت: دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع، 1988م) ، ص179.
[11] ابن فارس، أحمد بن فارس بن زكريا ، معجم مقاييس اللغة ، ط2، (بيروت: دار الجيل، 1420هـ) ، 4/207.
[12] ابن منظور ، لسان العرب، 4/529.
[13] عبد العزيز، أمير، حقوق الإنسان في الإسلام، (القاهرة: دار السلام، 1997م)، ص133.
[14] ينظر: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، الموسوعة الفقهية الكويتية، ط2، (الكويت: دارالسلاسل، 1427هـ)، 12/214.
[15] ابن فارس ، معجم مقاييس اللغة ، 2/472، مادة (رأى).
[16] ) ابن القيم ، محمد بن أبي بكر، إعلام الموقعين عن رب العالمين، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1991م)، 1/66.
[17] الدخيل، محمد بن عبد الله بن سليمان ، حق التعبير عن الرأي دراسة شرعية تأصيلية، بحث منشور في موقع رياض العلم، ص3ـ4.
[18] ابن عاشور، محمد الطاهر، مقاصد الشريعة الإسلامية، (قطر: وزارة الأوقاف:2004 م)، 3/380.
[19] سليمان العقيل ، حقوق الإنسان في الإسلام ، ص54.
[20] ابن كثير، عماد الدين إسماعيل بن عمر القرشي ، تفسير القرآن العظيم، (الرياض: دار طيبة ، 1320هـ) ، 1/682.
[21] القرطبي، محمد بن أحمد، الجامع لأحكام القرآن الكريم، ط2، (القاهرة: دار الكتب المصرية، 1964م)، 10/172.
[22] ) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 1/ 478.
[23] ) الشنقيطي، محمد الأمين بن محمد المختار، أضواء البيان، (جدة: مجمع الفقه الإسلامي، د.ت)، 1/ 233.
[24] الطبري، محمد بن جرير بن يزيد ، جامع البيان في تأويل القرآن ، (بيروت: مؤسسة الرسالة، 1320هـ) ، 9/593.
[25] القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 7/176.
[26] ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 3/408.
[27] رواه الترمذي، محمد بن عيسى السلمي ، سنن الترمذي، (بيروت: دار إحياء التراث، د.ت)، كتاب اللباس، باب ما جاء في لبس الفراء، 4/ 220، رقم (1726)، وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعاً إلا من هذا الوجه وكأن الحديث الموقوف أصح وسألت البخاري عن هذا الحديث فقال ما أراه محفوظًا.
ورواه ابن ماجه، محمد بن يزيد القزويني ، سنن ابن ماجه ، تح : محمد فؤاد عبد الباقي ، (بيروت: دار الفكر،د.ت)، كتاب الأطعمة، باب أكل الجبن والسمن، 2/1117، رقم (3267)، وصححه الحاكم، محمد بن عبد الله بن محمد النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1990م)، 4/129، رقم (7115).
[28] المباركفوري، محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم ، تحفة الأحوذي، (بيروت: دار الكتب العلمية، د.ت)، 5/324.
[29] رواه البخاري، محمد بن إسماعيل الجعفي ، صحيح البخاري ، تحقيق : مصطفى ديب البغا ، ط3، (بيروت: دار ابن كثير، 1407هـ)، كتاب الرقاق، باب ما يتقى من فتنة المال، 5/2364، رقم (6071).
[30] ابن حجر، أحمد بن علي العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري، (بيروت: دار المعرفة، 1379هـ)،11/254.
[31] رواه الترمذي ، سنن الترمذي، كتاب البر والصلة ، باب ما جاء في الإحسان والعفو ، رقم (2007)، وقال :هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه 4/ 364
[32] ابن الأثير، أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري، النهاية، ( بيروت: المكتبة العلمية، 1399هـ)، 1/67.
[33] المباركفوري ، تحفة الأحوذي، 6/123.
[34] ابن عاشور، محمد الطاهر، أصول النظام الاجتماعي في الإسلام ، (تونس: الشركة التونسية للتوزيع، د.ت) ، ص162.
[35] الصلابي، علي محمد، الحريات من القرآن الكريم ، (بيروت: دار ابن حزم، 2013م)، ص81.
[36] رواه مسلم ، مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري ، صحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث، بيروت، كتاب الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان، رقم 1/69، (49).
[37] النووي ، محيي الدين يحيى بن شرف، المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، ط2، ( بيروت: دار إحياء التراث، 1392ه)، 2/ 22ـ23.
[38] رواه مسلم، صحيح مسلم، كتاب الإيمان ، باب بيان أن الدين النصيحة، 1/74، رقم (55).
[39] النووي ، المنهاج، 2/39.
[40] رواه أبو داود، سليمان بن الأشعث السجستاني الأزدي ، سنن أبي داود، (بيروت: دار الفكر، د.ت)، كتاب الملاحم، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، 4/124، رقم (4344).
والترمذي ، سنن الترمذي، كتاب الفتن، باب ما جاء أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر، 4/471، رقم (2174).
وابن ماجة، سنن ابن ماجه، كتاب الفتن، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، 2/ 329، رقم (4011).
[41] محمد أبادي، أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم أبادي، عون المعبود على شرح سنن أبي داود، ط2، (بيروت: دار الكتب العلمية ، 1415هـ )، 11/335.
[42] الأيم: هي الثيب التي فارقت زوجها بموت أو طلاق . (انظر: ابن حجر، فتح الباري، 9/192).
[43] رواه البخاري، صحيح البخاري، كتاب النكاح ، باب لا ينكح الأب وغيره البكر والثيب إلا برضاها، رقم (4843) 5/1974.
ومسلم ، صحيح مسلم، كتاب النكاح، باب استئذان الثيب في النكاح بالنطق والبكر بالسكوت، رقم (1419) 2/1036.
[44] رواه البخاري، صحيح البخاري، كتاب النكاح ، باب إذا زوج ابنته وهي كارهة فنكاحه مردود ، رقم (4845)، 5/1974.
[45] ابن حجر ، فتح الباري، 9/192.
[46] رواه البخاري ، صحيح البخاري، كتاب النكاح، باب عرض المرأة نفسها على الرجل الصالح ، رقم (4828)، 5/1967.
[47] رواه البخاري، صحيح البخاري، كتاب الطلاق ، باب من خيَّر أزواجه ، رقم (4962) 5/2015
ومسلم ، صحيح مسلم، كتاب الطلاق ، باب بيان أن تخيير امرأته لا يكون طلاقاً إلا بالنية ، رقم (1477) 2/1103.
[48] النووي ، المنهاج، 10/79.
[49] رواه البخاري، صحيح البخاري، كتاب الاعتصام بالكتاب، باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ، رقم (6919) 6/2676.
ومسلم، صحيح مسلم، كتاب الأقضية، باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ، 3/13421، رقم (1716).
[50] ابن حجر، فتح الباري، 13/ 319.
[51] رواه البخاري، صحيح البخاري، كتاب المناقب ، باب ما ينهى من دعوى الجاهلية ، 3/1296، رقم (3330).
[52] رواه البخاري، صحيح البخاري، كتاب الشروط ، باب الشروط في الجهاد والمصالحة ، 2/974، رقم (2581).
[53] رواه البخاري، صحيح البخاري ، كتاب التفسير ، باب تبتغي مرضاة أزواجك ، 4/1866، رقم (4629).
ومسلم ، صحيح مسلم ، كتاب الطلاق ، باب في الإيلاء واعتزال النساء وتخييرهن، 2/1108، رقم (1479).
[54] رواه البخاري ، صحيح البخاري ، كتاب الشروط ، باب الشروط في الجهاد والمصالحة ، 2/974، رقم (2581).
[55] رواه النَّسائي، أحمد بن شعيب، السنن الكبرى، (بيروت: مؤسسة الرسالة، 2001م)، كتاب عمل اليوم والليلة، باب قوله تعالى: “إن المسلمين والمسلمات”، 6/280، رقم (11405). و أحمد، أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني ، المسند ، (القاهرة: مؤسسة قرطبة، د.ت) ، 6/301، رقم (26617).
قال الحافظ ابن حجر: حديث حسن. ( ابن حجر، أحمد بن علي، موافقة الخبر الخبر في تخريج أحاديث المختصر، (الرياض: مكتبة الرشد، 1993م)، 2/ 21) .
[56] رواه البخاري، صحيح البخاري، كتاب النفقات، باب إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ بغير علمه ما يكفيها وولدها، رقم (5049) 5/2052.
ورواه مسلم، صحيح مسلم، كتاب الأقضية باب قضية هند، 3/1338، رقم (1714).
[57] ابن حجر، فتح الباري، 9/ 509 .
[58] ) رواه ابن حبان ، رقم (4872) 11/216، والبيهقي في سننه، رقم (13082) 7/45، وقال الحافظ ابن حجر: “وهذا القدر حذفه البخاري لإرساله لأن الزهري لم يسمع من أبي هريرة” (فتح الباري، 5/334)
[59] رواه ابن ماجه، سنن ابن ماجه، 1/233، الحديث (707) ، والحديث روي من طريق آخر في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما بلفظ : ” كَانَ المُسْلِمُونَ حِينَ قَدِمُوا المَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلاَةَ لَيْسَ يُنَادَى لَهَا، فَتَكَلَّمُوا يَوْمًا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اتَّخِذُوا نَاقُوسًا مِثْلَ نَاقُوسِ النَّصَارَى، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ بُوقًا مِثْلَ قَرْنِ اليَهُودِ، فَقَالَ عُمَرُ: أَوَلاَ تَبْعَثُونَ رَجُلًا يُنَادِي بِالصَّلاَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا بِلاَلُ قُمْ فَنَادِ بِالصَّلاَةِ»
رواه البخاري، صحيح البخاري، كتاب الأذان، باب بدء الأذان،1/124، الحديث (604).
ومسلم، صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب بدء الأذان، 1/285، الحديث (377).
[60] ابن رجب، عبد الرحمن بن أحمد، فتح الباري شرح صحيح البخاري، (المدينة المنورة: مكتبة الغرباء الأثرية، د.ت)، 5/186.
[61] رواه أحمد، المسند، 19/79، الحديث (12022)، وإسناده صحيح. ويشهد له ما رواه ابن مسعود رضي الله عنه قال: شَهِدْتُ مِنَ المِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ مَشْهَدًا، لَأَنْ أَكُونَ صَاحِبَهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا عُدِلَ بِهِ، أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَدْعُو عَلَى المُشْرِكِينَ، فَقَالَ: لاَ نَقُولُ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى: اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ، وَلَكِنَّا نُقَاتِلُ عَنْ يَمِينِكَ، وَعَنْ شِمَالِكَ، وَبَيْنَ يَدَيْكَ وَخَلْفَكَ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْرَقَ وَجْهُهُ وَسَرَّهُ.
رواه البخاري، صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب قوله تعالى إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم، 5/73، الحديث (3952).
[62] القرطبي، أحمد بن عمر، المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، (دمشق: دار ابن كثير، 1996م)، 3/626.
[63] رواه الإمام أحمد، المسند، رقم (14829) 3/351، والدارمي، عبد الله بن عبد الرحمن، سنن الدارمي، تحقيق: حسين سليم أسد، (بيروت: دار الكتاب العربي، 1407هـ)، 2/173، رقم (2159). وقال محققه: إسناده صحيح على شرط مسلم.
[64] سليمان الحقيل ، حقوق الإنسان في الإسلام، ص 54 .
[65] ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 7/364.
[66] رواه أبوداد ، سنن أبي داود، كتاب الأقضية ، باب اجتهاد الرأي في القضاء ، رقم (3592)، 3/303.
والترمذي، سنن الترمذي، كتاب الأحكام ، باب ماجاء في القاضي كيف يقضي (1327)، 3/616، وقال : هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه وليس إسناده عندي بمتصل. و رواه أحمد في مسنده، 5/230، (22060).
[67] الشاطبي، الموافقات، 4/167.
[68] ابن تيمية ، القواعد النورانية الفقهية ، ص 151 ، 152 .
[69] ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 3/314.
[70] رواه البخاري، صحيح البخاري ، كتاب المناقب، باب ما ينهى من دعوى الجاهلية، رقم (3330) 3/1296.
[71] رواه البخاري، صحيح البخاري، كتاب المحاربين، باب رجم الحبلى في الزنا إذا أحصنت، رقم (6442)، 6/2503.
[72] رواه البخاري، صحيح البخاري، كتاب الحدود ، باب ظهر المؤمن حمى إلا في حد أو حق ، رقم (6403) 6/2490
[73] رواه البخاري، صحيح البخاري، كتاب الإيمان ، باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله، رقم (48)1/27
ومسلم، صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب قول النبي ﷺ سباب المسلم فسوق،1/81، رقم (64).
[74] ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 5/86 .
[75] رواه البخاري، صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب الرفق في الأمر كله، 8/12، رقم (6024).
ومسلم، صحيح مسلم، كتاب السلام، باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام، 4/1706، رقم (2165)
[76] النووي، المنهاج، 14/145.
[77] ) المنعقد في دورته التاسعة عشرة في إمارة الشارقة (دولة الإمارات العربية المتحدة) من 1 إلى 5 جمادى الأولى 1430هـ، الموافق 26-30 نيسان (إبريل) 2009م .
للاطلاع على المصادر والمراجع وقراءة البحث كاملاً اضغط هنا