ملخص

يُعد تخريج الحديث النبوي من أهم ما يحتاجه طالب العلم، ففيه يعرف مواضع الحديث، وطرقه، ودرجته من القبول أو عدمه، والوقوف على علله وألفاظه، لذا كانت هناك طرق عديدة لتخريج الحديث تأخذ وقتًا وجهدً كبيرين، إلا أنه بعد الطفرة التكنولوجية الحديثة أصبحت البرامج التقنية بما تحويه من مميزات هائلة ثروةً علمية يصعب الاستغناء عنها ، وقد نالت السنة النبوية اهتمامًا تقنيًا كبيرًا ؛لما لها من مكانة كبيرة لدى المسلمين، وكان لخدمة التخريج حظًا وافرًا في كثير من تلك البرامج حتى غدت من أهم الوسائل المعينة التي يُهتدى بها إلى أيسر الطرق في تخريج ودراسة أسانيد الأحاديث النبوية، يُسلط هذا البحث على أبرز تلك الوسائل التقنية، ويَعرض إيجابياتها وسلبياتها، كما أنه يؤصِّل استخدام التقنيات منذ عهد النبوة، ومن أبرز نتائج البحث أن للوسائل التقنية أهمية كبيرة في المساعدة على تخريج الأحاديث النبوية، وأن العلاقة بين الدين والآلة علاقة أزلية وثيقة ،للوسائل التقنية  سلبيات لابد من التنبه لها.

المقدمة:

تضافرت جهود أئمة الإسـلام على تمييز صحيح السـنة من سقيمها ، واشتدَّ سـاعد الجد في تحرير وتطبيق قوانين المصطلح، وترميم ما يحتاج منها إلى ترميم، وبناء ما يحتاج منها إلى بناء، إلى أنْ بـرز في ذلك أئمة جهابذة أفذاذ لتنقيح ما أُدخل على حديث رسـول الله صلى الله عليه وسلم مما ليس منه، فنفوا عنه تحـريف الجاهلين، وانتحال المبطلين، وبذلك تطور منهج النقد وازداد وضوحاً حتى بلغ ذروته، وَقَدْ عُدَّ معرفة ما يثبت من الحديث مما لا يثبت شرطاً في المجتهد والمفتي، قال عبد الرحمن بن مهدي: “لا يجوز أنْ يكون الرجلُ إماماً، حتَّى يعلمَ ما يصح مما لا يصح، وحتَّى لا يحتج بكلِّ شيءٍ، وحتَّى يعلمَ بمخارجَ العلم”.([1])

 ومما لا يخفى فإن هناك طرقًا عديدة لتخريج الحديث النبوي سلكها كثير من العلماء وطلبة العلم، إلا أن الأمر ازداد تطورًا في العصر الحاضر مع التقدم التكنولوجي، والانفجار المعرفي، وظهور التقنيات الحديثة، فتمت خدمة كتب السنة النبوية خدمة كبيرة مما سهل الوصول للحديث النبوي بأسرع الطرق وبأقل جهد، وإنني من خلال تدريسي لمادة تخريج الحديث الشريف وجدت ميلا كبيرا لدى الطلاب لمعرفة الوسائل التقنية والبرمجيات الحديثة الخادمة للسنة النبوية والتي سأسلط الضوء على أبرزها في هذا البحث.

مشكلة الدراسة:

لما كان للوسائل التقنية من خدمة كبيرة على السنة النبوية، وعلى البحث العلمي جاءت هذه الدراسة للإجابة عن الأسئلة الأتية: هل الوسائل التعليمية لها أصل شرعي؟ ما أبرز الوسائل التقنية التي تخدم تخريج الحديث النبوي؟ ما مميزات الوسائل التقنية؟ وما سلبيات استخدام الوسائل التقنية؟

أهمية الدراسة:

إن التعرف على الوسائل المعينة في تخريج الحديث له فوائد عديدة لكل طالب شرعي فبواسطتها يهتدي إلى أيسر الطرق الآلية في تخريج ودراسة أسانيد الأحاديث النبوية.، وبه يعرف طرق الحديث، ودرجته وحكمه، ومعرفة الفروق بين الروايات، وأسماء المبهمين والمهملين من الرجال، فلا يسوغ لطالب العلم أن يستشهد بأي حديث إلا بعد معرفة من رواه من العلماء المصنفين ومعرفة درجته من حيث القبول أو عدمه.

الدراسات السابقة:

بعد البحث عن دراسات مشابهة لهذه الدراسة وجدت ما يأتي:

1ـ بحث بعنوان: أثر استخدام المكتبة الشاملة في خدمة السنة النبوية، للدكتور محمد علي أحمد العمر، وهو بحث منشور على شبكة الألوكة الشرعية، تكلم فيه الباحث عن خدمة المكتبة الشاملة للسنة النبوية، وطريقة تخريج الحديث النبوي عن طريقها، وهو بحث محدود في برنامج المكتبة الشاملة فحسب كما هو واضح.

2ـ بحث بعنوان: التقنية الحديثة في خدمة السنة والسيرة النبوية، للدكتور إبراهيم بن حماد بن سلطان الريس، منشور على شبكة الألوكة الشرعية، تحدث فيه صاحية عن دور البرامج الحديثة في خدمة السنة النبوية، ولم يخص البرامج الخادمة لعملية التخريج كما هو محور بحثي الرئيسي.

2ـ كتاب بعنوان: الموسوعة الحديثية الشاملة بين الواقع والمأمول، للدكتور زهير بن ناصر الناصر، إصدار مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في المدينة المنورة، وهو كتاب موسع يحوي مناهج المحدثين في التصنيف، ويتطرق لبرنامج الموسوعة الشاملة والبرامج الخادمة لها ولا يخص أمر تخريج الأحاديث وإنما كل برنامج يخدم السنة بشكل عام.

خطة البحث:

قسمت هذا البحث بعد هذه المقدمة إلى أربعة مباحث وهي:

المبحث الأول: التعريف بالوسائل التقنية.

المبحث الثاني: تأصيل استعمال الوسائل التقنية في السنة النبوية.

المبحث الثالث: الوسائل التقنية المعينة في تخريج الحديث.

المبحث الرابع: إيجابيات الوسائل التقنية المعينة في تخريج الحديث وسلبياتها.

ثم خاتمة تشمل أهم النتائج والتوصيات.

المبحث الأول: التعريف بالوسائل التقنية:

الوسيلة لغة:

“مَا يُتَوَصَّل بِهِ إِلى الشَّيْءِ ويُتَقَرَّب بِهِ”.([2])

وهي الواسلة والوصلة والقربى ودرجة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْجنَّة، جمعها وَسَائِل ووسل. ([3])

التقنيَّة لغة: من تِقْن: أسلوب أو فنِّيَّة في إنجاز عمل أو بحث علميّ ونحو ذلك، أو جملة الوسائل والأساليب والطرائق التي تختص بمهنة أو فنّ .([4])

الوسائل اصطلاحًا:

عرفت الوسائل بعدة تعريفات منها:

  • “هي كل شيء يحمل فكرة أو معنى أو رسالة ويستعين به المعلم أو غيره؛ لكي يوصل هذا المعنى أو هذه الرسالة إلى غيره بجانب ألفاظه وأسلوبه”.([5])
  • “الوسيلة بمعناها التعليمي هي ما يتوصل به المتعلم إلى تطبيق مناهج التعليم من أمور معنوية أو مادية “([6])
  • “كل ما يساعد المعلم على تبسيط الرسالة لطلابه وتشويقهم ” ([7])
  • “مجموعة أجهزة وأدوات ومواد يستخدمها المعلم لتحسين عملية التعليم والتعلم بهدف توضيح المعاني، وشرح الأفكار” ([8])

التقنية اصطلاحًا:

هناك كلمة رديفة للتقنية وهي(التِّقانة) فالتِّقانَة هي التعريب الذي اقترحه مجمع اللغة العربية بدمشق ثم اعتمدته جامعة الدول العربية، وهي كلمة شائعة أيضاً بلفظ التكنولوجيا .([9])

وقد عرفت التّقانة بعدة تعريفات منها:

  – تطبيق المعرفة على الأشياء ذات الأغراض الصالحة، وهي تعبر عن قدرتنا على تسخير مصادرنا لمنفعة الإنسانية. لذا فالتقانة هي إيجاد طرق أفضل وجديدة لحل المشكلات وسد الاحتياجات.
–  استخدام المعارف والمهارات والمفاهيم بطريقة إبداعية لتصميم وصناعة منتجات ذات مستوى جيد.
–  استخدام المعارف والمهارات والآلات لزيادة قدرة الإنسان على التحكم في إمكانات بيئته والاستفادة منها، ولجعل عمل الإنسان أسهل وأكثر إنتاجية.([10])

. أما الوسائل التقنية بشكل خاص فعُرِّفت بأنها:

” عنصر مهم في العملية التعليمية وجزء أساسي في تقنيات التعليم تتضمن مجموعة من الأجهزة والمواد يستخدمها المعلم لتوضيح كثير من المعاني والرموز المجردة وتأكيد النظرية العلمية والتطبيقية باستخدام الحواس من أجل تحسبن عملية التعليم والتعلم وتحقيق الأهداف التعلمية العامة والخاصة بالحدود الممكنة”.([11] )

وعُرِّفت كذلك بأنها: ” كل وسيلة أو أداة تعمل على تسهيل أو تطوير الطريقة التي نعمل بها. وهي عادة ما تبدأ بفكرة قد تخطر ببال شخص معين للعمل على تطوير أسلوب عمل أو تصميم أداة أو جهاز يحسن من عمل شيء أو يساعد فرد آخر، إذا هي تطور لفكرة تنبع من الحاجة وتنتهي بحل “.([12])

تعريف التخريج:

التخريج لغة: قال الفيروز أبادي:”الاسْتِخْرَاجُ والاخْتِرَاجُ: الاسْتِنْبَاطُ”.([13])

وقال ابن منظور: ” الخُروج: نَقِيضُ الدُّخُولِ …قَدْ يَكُونُ المَخْرَجُ موضعَ الخُرُوجِ. يُقَالُ: خَرَجَ مَخْرَجاً حَسَناً، وَهَذَا مَخْرَجُه”.([14])

ومنه قول المحدثين (مخرَج الحديث) ويقصدون به موضع خروجه بذكر رواة إسناده، كقولهم أخرجه البخاري أو أخرجه مسلم.

التخريج إصطلاحًا:

عرَّف السَّخاوي التخريج بأنه:” إخراج المحدِّث الحديث من بطون الأجزاء والمشيخات والكتب ونحوها، وسياقها من مرويات نفسه، أو بعض شيوخه وأقرانه، أو نحو ذلك والكلام عليها، وعزوها لمن رواها من أصحاب الكتب والدواوين، مع بيان البدل والموافقة ونحوهما، مما سيأتي تعريفه، وقد يتوسع في إطلاقه على مجرد الإخراج.”([15])

ومن المعاصرين عرفه الطحان بقوله:” هو الدلالة على موضع الحديث في مصادره الأصلية التي أخرجته مع بيان درجته صحة أو ضعفاً عند الحاجة إلى ذلك”.([16])

وعرَّفه الدكتور بكر أبو زيد بقوله: «هو معرفة حال الراوي والمروي، ومَخْرَجِهِ، وحكمه صحةً وضعفاً بمجموع طرقه، وألفاظه» ([17])

المبحث الثاني: تأصيل استعمال الوسائل التقنية في السنة النبوية:

استخدم النبي صلى الله عليه وسلم المواد الطبيعة الموجودة في عصره كوسيلة تعليمية تحفيزية تعين في الشرح، وتستجلب الانتباه، وتساعد على حفظ الفكرة وترسيخها، فاستخدم الحجارة، والشجر، والرسم على الأرض، واستعان ببعض الحيوانات ([18]) .

فمن أمثلة الوسائل والتقنيات المتوفرة التي استخدمها عليه الصلاة والسلام:

1ـ  رسمه على الأرض والتراب: فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قَالَ خَطَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَطًّا مُرَبَّعاً ، وَخَطَّ خَطًّا فِي الْوَسَطِ خَارِجاً مِنْهُ ، وَخَطَّ خُطُطاً صِغَاراً إِلَى هَذَا الَّذِى فِي الْوَسَطِ ، مِنْ جَانِبِهِ الَّذِي فِي الْوَسَطِ وَقَالَ :” هَذَا الإِنْسَانُ ، وَهَذَا أَجَلُهُ مُحِيطٌ بِهِ – أَوْ قَدْ أَحَاطَ بِهِ – وَهَذَا الَّذِى هُوَ خَارِجٌ أَمَلُهُ ، وَهَذِهِ الْخُطُطُ الصِّغَارُ الأَعْرَاضُ ([19])، فَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا ، وَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذَا ” ([20]).

فاستخدام النبي صلى الله عليه وسلم للرسم على الأرض يعد أسلوبًا توضيحيًا مهمًا لتقريب الصورة في الأذهان لما ينتج عنه من انتباه شديد وفهم ثاقب، فاستغل النبي صلى الله عليه وسلم الإمكانيات الموجودة آنذاك خير استغلال.

قال أبو الفرج الجوزي : ” هذا تمثيل ما في الحديث على هذه الهيئة والأمثال حكمة العرب، بها ينكشف الشيء الخفي، فأخبر صلى الله عليه وسلم أن أمل الآدمي بين يديه، وعينه إلى الأمل، والأجل محيط به، وقد ألهاه أمله عن أجله” ([21]).

2ـ استخدام العصا: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم غَرَزَ بَيْنَ يَدَيْهِ غَرْزًا، ثُمَّ غَرَزَ إِلَى جَنْبِهِ آخَرَ، ثُمَّ غَرَزَ الثَّالِثَ فَأَبْعَدَهُ، ثُمَّ قَالَ: ” هَلْ تَدْرُونَ مَا هَذَا؟” قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: “هَذَا الإِنْسَانُ، وَهَذَا أَجَلُهُ، وَهَذَا أَمَلُهُ يَتَعَاطَى الأَمَلَ، وَالأَجَلُ يَخْتَلِجُهُ دُونَ ذَلِكَ”  ([22]) . بين الحديث الشريف توظيف النبي صلى الله عليه وسلم للعصا في عملية التعليم وذلك للتوضيح وتقريب المعنى في الأذهان، فقام بغرس ثلاثة عصي اثنتان قريبتان والثالثة أبعد منهما مبيناً لهم بتك الطريقة اهتمام الإنسان بالدنيا وتغافله عن الموت الذي يأتي فجأة قبل أن يحقق الإنسان ما يأمل به.

3ـ استخدام الحصى: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الْمَسْجِدَيْنِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى؟ قَالَ: فَأَخَذَ كَفًّا مِنْ حَصْبَاءَ، فَضَرَبَ بِهِ الْأَرْضَ، ثُمَّ قَالَ: “هُوَ مَسْجِدُكُمْ هَذَا” لِمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ ([23]). قال الإمام النووي رحمه الله: وأما أخذه الحصباء وضربه في الأرض، فالمراد به المبالغة في الإيضاح لبيان أنه مسجد المدينة، والحصباء بالمد الحصى الصغار)  [24]) .

4ـ الاستعانة ببعض الحيوانات الميتة: فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أنَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِالسُّوقِ، دَاخِلًا مِنْ بَعْضِ الْعَالِيَةِ، وَالنَّاسُ كَنَفَتَهُ، فَمَرَّ بِجَدْيٍ أَسَكَّ ([25]) مَيِّتٍ، فَتَنَاوَلَهُ فَأَخَذَ بِأُذُنِهِ، ثُمَّ قَالَ: ” أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنَّ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ؟” فَقَالُوا: مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ، وَمَا نَصْنَعُ بِهِ؟ قَالَ: “أَتُحِبُّونَ أَنَّهُ لَكُمْ؟” قَالُوا: وَاللهِ لَوْ كَانَ حَيًّا، كَانَ عَيْبًا فِيهِ، لِأَنَّهُ أَسَكُّ، فَكَيْفَ وَهُوَ مَيِّتٌ؟ فَقَالَ: “فَوَ اللهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللهِ، مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ ” ([26]) .

في هذا الحديث يستخدم النبي صلى الله عليه وسلم وسيلة للإيضاح ليوضح قيمة الدنيا بعد أن أخذ بإذن الميتة ويسألهم أيكم يحب أن هذا له بدرهم؟ حتى يقرر لهم الحقيقة المرادة في النهاية: والله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم، وهي طريقة للإفهام يصعب نسيانها بل ستبقى عالقة في الأذهان إلى الأبد.

يقول الشيخ يوسف القرضاوي معلقًا على هذا الحديث: “فانظر يا أخي القارئ كيف بيَّن النبي المفهوم الذي أراد إيصاله إلى أصحابه مستخدمًا هذه الوسيلة العجيبة من الوسائل المعينة. إنها وسيلة يراها الناس، ويمرون بها كثيرًا، ولكن النبي أراد أن يستخدمها أداة لتوضيح قيمة الدنيا التي يتهافت الناس، بل ويقتتلون عليها. إن هذا الدرس في تفاهة الدنيا عند الله -جوار الآخرة- لا يمكن أن يمحى من الذهن أو ينسى من الذاكرة، لارتباطه بالجدي الأسك الميت”.([27])

5ـ الاستعانة باللعب والدمى:

عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ لِي صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِي، «فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ يَتَقَمَّعْنَ مِنْهُ ([28])، فَيُسَرِّبُهُنَّ إِلَيَّ فَيَلْعَبْنَ مَعِي».([29])

في هذا الحديث إقرار من النبي صلى الله عليه وسلم على التعليم بوسيلة الُّلعب والدمى لما لها من فعالية قوية في التأثير على سلوك المتعلم واكتسابه معارف تنفعه في واقع حياته.

قال الحافظ بن حجر: “واستدل بهذا الحديث على جواز اتخاذ صور البنات واللعب من أجل لعب البنات بهن. وخص ذلك من عموم النهي عن اتخاذ الصور، وبه جزم عياض ونقله عن الجمهور، وأنهم أجازوا بيع اللعب للبنات لتدريبهن من صغرهن على أمر بيوتهن وأولادهن “. ([30])

6ـ استخدام الأشياء الحقيقية:

يعد استخدام الأشياء الحقيقية أثناء عملية التعليم أشد وضوحًا من الالقاء المجرد، وقد استخدم النبي صلى الله عليه وسلم بعض الأشياء الحقيقية في تعليم أصحابه مثل الحرير والذهب والوبر ونحوها.

ومن أمثلة ذلك ما رواه علي بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قال: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرِيرًا بِشِمَالِهِ، وَذَهَبًا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ رَفَعَ بِهِمَا يَدَيْهِ، فَقَالَ: «إِنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي، حِلٌّ لِإِنَاثِهِمْ».([31])

 فرفع الرسول صلى الله عليه وسلم للحرير والذهب في يديه الشريفتين، أقوى بيانًا، وأعمق أثرًا من القول: إن الذهب والحرير محرمان.

وبعد استعراض لبعض الوسائل التعليمية التي استخدمها النبي صلى الله عليه وسلم في مواقف تعليمية عديدة نجد حرص النبي عليه الصلاة والسلام على استخدام الوسائل المتاحة آنذاك لإيصال المعلومة وايضاحها لعلمه بمدى تأثيرها ونفعها على المتعلم ، مع أن البيئة في عهده لم تكن لتساعـد عـلى تـوفــيـر الوسائـل التـعـليـمـية، وأن الـرسـول أمـي لا يقرأ ولا يكتب، وأنه لم يكن ليتكلف صنع تلك الوسائل، بل كان يوظف الإمكانات المتاحة في البيئة المحلية، لاستخدام وسائل تعليمية ناجحة، تحقق الغرض، وتخدم العملية التعليمية التربوية، فكل هذه الوسائل؛ كانت الأدوات الفاعلة لتوثيق الكلام المُبَلّغْ من رَبِّ العزة للبشر، وبِلُغةِ العصر؛ هي الوسائل الاتصاليّة ما بين السماء والأرض لتبليغ الرسالة ونشر الدعوة. وعليه؛ فالعلاقة ما بين الدّين والآلة علاقة أزلية ووثيقة توظيفية ومتلازمة، حيثُ تمّ تسخير وتذليل هذه الآلة بكافة أشكالها وأنواعها، بسيطة كانت أم معقّدة لخدمة الدين ونشره.

المبحث الثالث: الوسائل التقنية المعينة في تخريج الحديث:

توجه كثير من علماء الأمة في هذا الزمان لخدمة السنة النبوية خدمة تقنية ، وبلغ الاهتمام التقني بها مبلغًا كبيراً جداً يصعب حصره ، خاصة مع تقدم الوسائل وتجدد التقنيات، فبعد أن سخر الله حفظ السنة النبوية في الأوراق والصحف المتوفرة آنذك، تبعها مرحلة الطباعة ثم بقية الوسائل المسموعة والمرئية الأخرى ، وبعد ظهور الحاسب الآلي كان للسنة النبوية من الخدمة  مالم يناله غيرها  فتوافرت برامج موسوعية تتناول علوم الحديث رواية ودراية، وتتناول علم الرجال وجمع المصنفات فيهم في برامج تيسر سبل الوقوف على متن الخبر، وأقوال الأئمة في حاله، وكذا الوقوف على نقلة السنة النبوية ومعرفة أقوال أئمة الجرح والتعديل فيهم ، فكم كان الباحث يبحث عن الخبر الواحد في دواوين السنة ويتتبع طرق الخبر ورواياته؛ لعلَّه يقف على طرق أخرى للحديث أو روايات أخرى له، فأصبحت التقنية الحديثة تُحقق للباحث نتائج ما كان باستطاعته تحقيقها بالوسائل البحثية التقليدية؛ كالبحث في إسناد الحديث، وتعدد الروايات ، وتعدد الحادثة ، ومعرفة الخبر الفرد من المتواتر، والمرفوع من الموقوف والمقطوع، ومعرفة التوابع والشواهد ، والتعرف على درجة رجال الحديث واحدًا واحدًا، والمقارنة بين المتون ، والتعرف على مدار الحديث ،وغير ذلك من دقائق هذا العلم ونوادره، فظهرت برامج حاسوبية موسوعية ضخمة، تخدم السنة النبوية المطهرة وتقوم مقام الكتاب الورقي إلا أنها تمتاز على الكتاب بمميزات عديدة كسرعة البحث والوصول إلى المعلومة من بطون الكتب ، وإتاحة قدر كبير من المعلومات للباحثين بسهولة ويسر، ويظهر ذلك من خلال ما أثمرته هذه الصناعة الحاسوبية من القدرة على تخزين ونقل كمية ضخمة من المعلومات واسترجاعها بسرعة فائقة ودقة رائعة ،وإن كان بعضها لا يخلو من خلل أو خطأ  يحتاج لتقويم مستمر إلا أن نفعها يغلب .

ومن أشهر الوسائل التقنية والبرامج الحاسوبية التي خدمت السنة النبوية ما يأتي:

 1ـ منتجات شركة حرف لتقنية المعلومات:

وهي من أول الشركات عملاً في هذا المجال، إذ قامت بوضع مصادر السنة النبوية الكبرى على وسائل إليكترونية، ومن أهم ما أنتجته:

موسوعة الحديث الشريف للكتب التسعة : وهي صحيحي البخاري ومسلم، وسنن الدارمي، والنسائي، والترمذي، وأبي داود، وابن ماجه، وموطأ الإمام مالك، ومسند الإمام أحمد بن حنبل، مع بعض شروحها، وتحتوي على أكثر من 62.000 حديث شريف، بالإضافة إلى شروحها من كتب الشروح المشهورة، وتميزت هذه الموسوعة بتحقيق النص وضبط أسماء الرواة والأعلام، وترقيم الكتب والأبواب والأحاديث وتحليل مفرداتها، مع معالجة لغوية تضمنت ضبط النص بالشكل ضبطا كاملًا، معلومات وافية عن الرواة ومراتبهم، وشرح غريب الألفاظ وخدمة التخريج ودراسة الإسناد وطرق الرواية.

برنامج صفوة الأحاديث: ويشمل مجموعة مختارة من الأحاديث الصحيحة، مع الترجمة الكاملة للبرنامج بكافة محتوياته وواجهة تشغيله إلى اللغة الإنجليزية، واللغة الفرنسية.

برنامج البيان فيما اتفق عليه الشيخان: والذي يعرض أكثر من 1700 حديث متفق عليها بين الإمامين البخاري ومسلم، وهو مترجم إلى ست لغات هي: الإنجليزية والفرنسية والماليزية والإندونيسية والألمانية والتركية.([32])

2- برنامج جامع خادم الحرمين الشريفين للسنة النبوية المطهرة:

هذا البرنامج استغرق 10سنوات في إعداده، ويعد نقلة نوعية فريدة من نوعها على مستوى العالم الإسلامي في برامج السنة الحاسوبية بما احتواه من ابتكار تقني ومعلومات بحثية غير مسبوقة وخدمات تثقيفية متعددة في أحاديث المتون والأسانيد والرواة، حيث أعده ونفذه مجموعة من خيرة أساتذة الحديث في الجامعات السعودية وعضو في هيئة كبار العلماء في مصر جمعوا بين الاختصاص الأصيل بالسنة وعلومها والخبرة الدقيقة في تقنية البرامج الحاسوبية، ويقدم البرنامج خدمات المتون التي يندرج تحتها التخريج ومقارنة المتون وضبط المتن وشرحه والربط الموضوعي للأحاديث وتطبيقات علوم الحديث الواردة في المتون وخدمات الأسانيد ويندرج تحتها تعيين الرواة في الأسانيد وبيان الاتصال والانقطاع وخدمة الأطراف علاوة على تشجير الأسانيد وجمع روايات الراوي عن شيوخه وتطبيقات علوم الأحاديث والمقارنة بين الأسانيد والحكم على إسناد الحديث ،و يحتوي كذلك على خدمات الرواة المندرج تحتها ترجمة الراوي والحكم على الراوي ومعرفة الشيوخ والتلاميذ ودراسة رواة الكتب والكتب ومعجم ألفاظ الجرح والتعديل([33]). 

3ـ مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي:

هو مؤسسة أردنية أنشئت عام 1993 بهدف خدمة كتب التراث وتسهيل الاستفادة منها بواسطة الحاسوب، ومن أشهر البرامج التي أنتجها المركز:

 الموسوعة الذهبية للحديث النبوي الشريف وعلومه:

تعد الموسوعة الذهبية موسوعة ضخمة في الحديث وعلومه باستخدام الحاسب الآلي مع إمكان الطبع، والنسخ ، والتعليق لأي بيانات في الموسوعة ، وبرنامجها تميز بالعزو إلى رقم الجزء ، ورقم الصفحة ، ورقم الحديث أو رقم الترجمة ، وقام مركز التراث في المرحلة الأولى للمشروع بإصدار 🙁 سي دي  ) يباع في الأسواق ،وكان الإصدار الأول سنة 1418 هـ – 1997م ، وتشمل (600) مجلد وكتاب، وتعنى بالتخريج الآلي للحديث؛ وهو أبرز خدمات الموسوعة، إذ تشتمل على التخريج الآلي لأكثر من 200.000 نص مسند، وموسوعة تراجم تحتوي على أكثر من 150.000 ترجمة لرواة الحديث، كما تضمنت الحكم على أكثر من 80.000 حديث، وقد استفاد منها جمع غفير من طلبة العلم لسهولة التعامل معها إضافة لخدمة التخريج التي تميزت بها، إلا أن من عيوبها كثرة الأخطاء المطبعية ، ومع ذلك فهي موسوعة قيمة ونافعة. ([34])

المكتبة الألفية للسنة النبوية:

 يحتوي هذا البرنامج على أكثر من (1300) مجلد وكتاب، في علوم التفسير والحديث النبوي والتراجم والسيرة والمعاجم وغيرها، وتتضمن هذه المجلدات (450) ألف رواية مسندة، و (30) ألف ترجمة للرواة، ويتميز بإمكانية التصفح واستعراض الكتب، مع إمكانية المقارنة بين كتابين أو بين نتائج البحث.

إضافة إلى خدمة البحث في معاجم اللغة العربية عن معنى الكلمات الغريبة، والبحث السريع بالكلمة وجزء من الكلمة وعدة كلمات ، مع العزو إلى الجزء ورقم الصفحة.([35])

مكتبة الأجزاء الحديثية: وهي مكتبة متخصصة بالأجزاء الحديثية في علوم الحديث، وتعد أول برنامج في هذا الفن، وتشمل ما يقرب من (200) جزء، تحتوي الأجزاء الموضوعية، والمجالس والفوائد ونحوها، وأجزاء ابن أبي الدنيا، وتوفر للباحث خدمات عديدة ([36]).

موسوعة الأحاديث الصحيحة : وهي تتضمن ما اختاره كبارُ أئمة المحدِّثين في كتبهم التي وُصِفَتْ بالصحة، وهي:  صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وصحيح ابن خُزَيْمة، وصحيح ابن حِبَّان، والمنتقى لابن الجارود، والمختارة للضياء المقدس، وهو أول برنامج يضم الأحاديث الصحيحة كما اختارها مصنّفو أشهر كتب الأحاديث، ويتميز بالترتيب الموضوعي لكل حديث ، مع خدمة البحث بالكلمة وجزء من كلمة وعدة كلمات ، إضافة للعزو إلى الجزء والصفحة.([37])

موسوعة التخريج والأطراف الكبرى: هي أشمل موسوعة علمية في تخريج الأحاديث النبوية باستخدام الحاسب الآلي، تحتوي على تخريج موسوعي شامل لنحو (250) ألف نصّ مسند من أمهات كتب الحديث، مع التبويب الموضوعي والعزو إلى مصادر التخريج، إضافة إلى احتوائها لموسوعة أطراف الحديث، وموسوعة أطراف الحديث القولية، وحصر الأفراد في الحديث النبوي الشريف. ([38])

موسوعة الأحاديث الضعيفة والموضوعة والمعللة والغرائب: يحتوي هذا البرنامج على أكثر من (70) ألفاً من الأحاديث التي حكم عليها العلماءُ، قديماً وحديثاً، بالضعف أو الوضع ، وقد جُمعت هذه المتون من الكتب المتخصصة بهذا النوع من الأحاديث، وعددها (78) كتاباً، ويتضمن هذا البرنامجُ مجموعةً من الخدمات الأساسية، مثل خدمة البحث بالكلمة، أو بعدة كلمات، وبالعزو والتعليق، والطباعة والنسخ، كما زُوِّدَ هذا البرنامج بمجموعة من كتب المعاجم والغريب للتسهيل على الباحثين وتوفير الوقت لهم ([39]).

4ـ شركة العريس:

لهذه الشركة إصدارات متنوعة في مجالات عديدة ومن أهم برامجها الحديثية:

مكتبة الحديث الشريف: وهو برنامج يتضمن في إصدارته الخامسة أكثر من 2100 مجلد وكتاب من كتب الحديث الشريف وشروحه وعلومه الأخرى. إضافة إلى بعض كتب الرجال والتراجم، واللغة والمعاجم، وأما عدد عناوين الكتب الواردة في الموسوعة فتبلغ ” 359″ عنواناً.([40])

مكتبة التراجم والرجال: برنامج يشتمل على عدد كبير من كتب تراجم الرواة للحديث النبوي، ويشتمل على تراجم لأعلام معاصرين ليس لهم بعلم الحديث والرواية دراية ولا أثر، فهو برنامج شامل في بابه؛ وهو مفيد جداً لمن يريد النظر في كتب التراجم الحديثية وغيرها.

5- مؤسسة عبد اللطيف للمعلومات:

ومن أبرز إصدارات هذه الشركة:

برنامج الموسوعة الماسية للحديث النبوي وعلومه: ويشتمل على أحاديث قرابة (300) مجلد وكتاب، ويمكن عن طريق هذا البرنامج إجراء التخريج الآلي لكل الآيات والأحاديث والآثار الواردة في برامج الشركة الأخرى، من كتب التفسير والحديث والعقيدة والفقه والرقائق والسير والتراجم وغيرها. ويوفر البرنامج خدمة تخريج أي حديث يريده الباحث سواء كان من مراجع البرنامج أم من غيرها، ويحدد الباحث مستوى التخريج والتطابق في الألفاظ، كما يوفر البرنامج خدمة رسم شجرة الإسناد لأي حديث وارد في كتب الموسوعة.

6ـ برنامج المحدِّث:

هو برنامج يحوي على أكثر من 170 مرجعا من أهم المراجع الإسلامية في القرآن الكريم ، والحديث الشريف ، والفقه، والقواميس ، ومساحته قرابة 1000ميغا،  ويتضمن برنامج بحث قوي،  وبرنامج أوقات الصلاة، ومن أهم مصادر السنة التي يحويه صحيحي البخاري ومسلم،  وكتب السنن الأربع النسائي، وابن ماجه، وأبو داود، والترمذي، إضافة إلى الموطأ، ومسند أحمد، وكنز العمال، والجامع الصغير ، وفيض القدير شرح الجامع الصغير، ومجمع الزوائد، وكشف الخفاء، ورياض الصالحين، والأذكار، وغيرها ، وهو برنامج مجاني في الأصل، حيث إن برنامج البحث يمكن تنزيله من الإنترنت، وجميع ملفات الكتب التابعة له([41]).

7ـ جمعية المكنز الإسلامي:

تعمل جمعية المكنز الإسلامي على إصدار أجود الطبعات لأعمال التراث الإسلامي، وإحياء الفنون الإسلامية كافة، عد مشروع السنة أبرز مشاريع جمعية المكنز الإسلامي، ويعمل على جمع السنة المشرفة وطبعها محققة موثقة، ومن أبرز ما أنتجته الجمعية:

موسوعة الحديث الشريف: المكونة من ثمانية عشر مجلدًا، تتضمن الكتب الستة: صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وسنن أبى داود، وجامع الترمذي، وسنن النسائي، وسنن ابن ماجه، إضافة إلى موطأ الإمام مالك بن أنس. وقد أصدرت الجمعية مؤخرا الإصدار الثاني من موسوعة الحديث الشريف الذي يضم طبعة جديدة لمسند الإمام أحمد بن حنبل مكونة من أربعة عشر مجلدا. وتحتوي هذه الطبعة على أكثر من ١٢٠ حديثا في موضع واحد ليست في الطبعات السابقة للمسند، وهي ثابتة في العديد من المخطوطات الموثقة. مرفق بهذه النسخة المطبوعة من موسوعة الحديث الشريف قرص مدمج يمكن من خلاله البحث في النص الكامل للنسخة المطبوعة ومجموعة الفهارس الخادمة لها.([42])

8ـ برنامج المكتبة الشاملة:

وهو برنامج مجاني ضخم، يهدف – كما هو واضح من اسمه – ليكون شاملًا لكل ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث ، وهو برنامج مرن وقابل للتوسعة والإضافة فمع كون البرنامج مشحون بالكتب في مختلف الفنون ؛ ففيه إمكانية استقبال ملفات النصوص بمختلف صيغها ، وترتيبها في المكتبة في إطار واحد ، ليمكن بعد ذلك التعامل معها والتعديل فيها أو نقل كتاب من قسم لآخر أليق به أو غير ذلك ؛ مما يجعل طالب العلم يرتبط بالمكتبة، وقد أصبح البرنامج من أشهر البرامج الرقمية التي لا يمكن الاستغناء عنه لما يحويه من كم هائل من الكتب في مختلف المجالات الشرعية . ([43])

 ومن أبرز خدمات المكتبة الشاملة والخاصة بالسنة النبوية ما يأتي:

1ـ تخريج الحديث: فمن خلال المكتبة الشاملة يستطيع الباحث الوصول إلى الحديث أو الأثر بسرعة فائقة فالمكتبة الشاملة تدل على موضع الحديث في كتب السنة، وبها عدة طرق للتخريج.

2ـ الترجمة للرواة ودراسة الأسانيد مع التعرف على شيوخ وتلاميذ كل راوي.

3ـ الحكم على الحديث وبيان درجته وذلك بنقل أحكام الأئمة من أهل الحديث.

4ـ البحث الموضوعي وذلك بالبحث عن الموضوع الواحد بيسر وسهولة.

5ـ توفر مجموعة خاصة لشروح كتب الحديث ككتب غريب الحديث والمعاجم واللغة وغيرها.([44])

المبحث الرابع: إيجابيات الوسائل التقنية المعينة في تخريج الحديث وسلبياتها:

بشكل عام تعد الوسائل التقنية المعينة في تخريج الحديث النبوي لها مميزات كثيرة من أبرزها:

– إمكانية الوصول للحديث الشريف المراد بأسرع وقت وأقل جهد في جميع المصادر الأصلية، ومعرفة جميع طرقه، ورجال سنده، وشواهده، وحكم العلماء عليه، وبمعرفة الطبعة والمجلد والصفحة وجميع بيانات الكتاب المستمد منه المعلومة.

– ترجمة رواة الحديث ودراسة الأسانيد والتعرف على رجال السند واحدًا واحدًا جرحا وتعديلًا مما يسهل للباحث مهمة الحكم على الإسناد.

– نقل حكم الحديث من الأئمة أصحاب مصنفات التخريج أو المحققين المعاصرين مما يساعد الباحث في الحكم النهائي على الحديث.

–    الوصول لجميع مصادر شروح الحديث الشريف بأيسر الطرق، لشرح ألفاظه وبيان أقوال العلماء فيه، مع إمكانية نسخ ذلك الشرح وبيان مصدره وطباعته.

– الترتيب الموضوعي التقني للحديث النبوي والذي يجمع السنة على أساس أبواب تقنية يحتاج إليها من يمارسها – وهم الأغلبية من الناس – يندرج تحتها موضوع الحديث المراد البحث فيه.

-الحد من انتشار الأحاديث الضعيفة والإسرائيليات وذلك عند كتابة جزء من الحديث النبوي فيظهر الحكم عليه مباشرة عبر بعض البرامج المتخصصة بذلك.

ومع ما لهذه التقنية من المحاسن المتقدمة في خدمة السنة النبوية، إلا أن هنالك سلبيات تحتاج إلى المراعاة والحذر، ومنها:

-وجود نسبة كبيرة ممن يعمل في البرامج الحديثية ممن لا دراية لهم بعلم الحديث الشريف ومصطلحاته، فيتم نسبة بعض الأحاديث لبعض كتب السنة خطأ وجهلًا دون إدراك لخطورة هذا الأمر، أو قيام البعض بتفسير أحد المصطلحات الحديثية تفسيرًا لغويًا بحتاً دون معرفته بأن له مقصدًا آخر عند علماء أصول الحديث، أو سوء في فهم مراد العلماء من أقوالهم، أو في الحكم على الحديث النبوي بقبول أو رد، أو نفي لوجوده في بعض كتب السنة أو ادعاء لذلك.

  • خوض بعض العاملين على هذه البرامج على الحكم على الأحاديث وهو أمر يحتاجه متخصص عميق في الحديث الشريف ويهابه الكثير من العلماء ناهيك عن غيرهم من غير أهل التخصص مما نشأ عنه أحكامًا غير مؤصلة علميًا فيأخذه عنهم البعض من غير التحقق من دقتها ويقوم بدوره بنشرها بلا هدى.
  • وجود بعض شركات البرامج هدفهم الأكبر هو الهدف التجاري ومما ينتج عن هذا الأمر عدم تحري الدقة في إدخال المعلومات فيختل أحيانًا الضبط والتوثيق، وينتج عنه كثرة الأخطاء والسقطات والتصحيفات.
  • عزوف طلاب العلم عن التعامل مع الكتاب رغم أهميته ومكانته لدى طالب العلم الشرعي.

وبالرغم من جميع السلبيات السابقة إلا أن الوسائل التقنية التي خدمت السنة النبوية تعد نعمة كبيرة وفيها فائدة عظيمة يستفيد منها كل مهتم بالسنة النبوية وتخدم كل باحث شرعي، وبالإمكان تلافي السلبيات السابقة من قبل شركات البرامج التقنية، وهذا ما حدث بالفعل مع بعضها في الإصدار الثاني والذي يليه من برامجهم.

 الخاتمة:

بعد تسليط الضوء على الوسائل التقنية المتعلقة بتخريج الأحاديث النبوية، نخلص إلى النتائج الآتية:

1ـ للوسائل التقنية أهمية كبيرة في المساعدة على تخريج الأحاديث النبوية؛ لما توفره من سهولة الوصول للمعلومة بأسرع وقت وأقل جهد.

2ـ العلاقة بين الدين والآلة علاقة أزلية وثيقة ويدل على ذلك ما قام به النبي صلى الله عليه وسلم من توظيف الإمكانات المتاحة في بيئته لاستخداما كوسائل تعليمية ناجحة، تحقق الغرض، وتخدم العملية التعليمية التربوية.

3ـ   الاعتماد الكلي على الوسائل التقنية له سلبيات لابد من التنبه لها والحذر منها.

4ـ على الباحث أن يدرك أن الوسائل التقنية لا تغنيه عن الرجوع إلى الكتاب الأصلي لما تعتريه تلك البرامج من جوانب نقص وخلل وتصحيف.

5ـ اهتمت المؤسسات البرمجية والعلماء بخدمة السنة النبوية خدمة تقنية واسعة، فخرجت على الساحة العديد من البرامج التقنية النافعة والميسرة لعملية البحث والتخريج.

التوصيات:

يوصي الباحث المؤسسات والهيئات المنتجة للبرامج التقنية الرقمية بما يأتي:

1ـ تحري الدقة والضبط والأخذ بالملاحظات واستدراكها، وألا يكون القصد الأول من العمل هو التكسب المالي على حساب الاتقان في العمل.

2ـ تطوير آليات البحث ورفع الكفاءة وإضافة الكتب المستجدة أولا بأول.

3ـ العمل على إلزام الشّركات المنتجة للبرمجيّات بعرض إصداراتها في مجال السّنّة النّبويّة المطهّرة، على الهيئات الرّسميّة المعتمدة في قضايا الحديث النّبويّ والسّيرة النّبويّة المطهّرة، لاعتمادها وتقويمها.

4ـ وضع آلية لتلقي آراء الباحثين والمستخدمين للبرامج التقنية ودراسة ما فيها من ملاحظات لتوجيه المنتجين إلى استدراكها وتصويبها.

5ـ إنشاء مجمع علميّ عالميّ يهتمّ بخدمة السّنّة النّبويّة وعلومها وتطبيقاتها المعاصرة، على غرار المجامع الفقهيّة.

كما يوصي الباحث المستفيد من التقنية الحديثة بما يأتي:

1ـ التأكد من الشركة المنتجة عن طريق السؤال والتحري وتزكية أهل الخبرة والعلم بجدوى تلك البرامج.

2ـ كتابة الملاحظات التي يجدها أثناء استخدامه لهذه البرامج من سقط أو تصحيف أو خطأ ومن ثم إرسالها للجهة المنتجة لعلهم يستدركوها في الإصدارات الجديدة.


[1] ) النووي، أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف، تهذيب الأسماء واللغات، دار الكتب العلمية، بيروت، ج1، ص305.

[2] ) ابن منظور، محمد بن مكرم بن على، لسان العرب، دار صادر، بيروت، ط3، 1414هـ.

([3]  مجمع اللغة العربية بالقاهرة،  المعجم الوسيط، دار الدعوة، القاهرة ،ج2،ص1032

([4] عمر ، أحمد مختار، معجم اللغة العربية المعاصرة، عالم الكتب، بيروت، ط1، 1429 هـ – 2008 م، ج1،ص296

[5] ) الشافعي، إبراهيم محمد، التربية الإسلامية وطرق تدريسها، مكتبة الفلاح للنشر والتوزيع، الكويت 1404ه، ص269.

[6]) زيد، حصة بنت عبد الكريم، أهمية دراسة السيرة النبوية للمعلمين، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة المنورة، ص42.

[7] ) السيد، محمد علي، الوسائل التعليمية، دار الشروق للنشر، عمَّان، 1979م، ج1، ص26.

[8]) الطويجي، حسين، الوسائل التعليمية الحديثة والتكنولوجيا ودورها في التربية والتعليم، دار القلم، الكويت، 1984م، ص 44.

[9]) مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق – أنظر موقع: http://www.arabacademy.gov.sy/

[10] ( مركز اضواء الاستشاري للدراسات والبحوث، https://www.facebook.com/adwaaa.D.akram/posts/183673425130882/

[11] ) الشرهان، جمال بن عبد العزيز، الوسائل التعلمية ومستجدات تكنولوجيا التعليم، ط3 ،2003م، ص67.

[12]) فودة، ألفت، الحاسب الآلي واستخداماته في التعليم، جامعة الملك سعود، الرياض ط3، 2011م، ص٤٤٢.

[13] ) الفيروز أبادي، مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب، القاموس المحيط، تحقيق: مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة، مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط8، 1426 هـ – 2005 م، ص186

[14] ) ابن منظور، لسان العرب، ج2، ص249

[15] ) السخاوي، شمس الدين أبو الخير محمد بن عبد الرحمن، فتح المغيث بشرح الفية الحديث للعراقي، تحقيق: علي حسين علي، مكتبة السنة، مصر، ط1، 1424هـ / 2003م، ج3، ص317.

[16] ) الطحان، محمود، أصول التخريج ودراسة الأسانيد، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، ط3، 1417ه-1996م، ص10.

[17] ) أبو زيد، بكر بن عبد الله، التأصيل لأصول التخريج وقواعد الجرح والتعديل، دار العاصمة، الرياض، ط1، 1413ه، ص41.

[18]) منصور، عبد المجيد سيد أحمد، علم النفس التربوي، مكتبة العبيكان، الرياض، 1420هـ، ص: 303.

[19]) الأعراض: هو ما ينتفع به في الدنيا في الخير وفي الشر. (أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري، تحقيق: نظر بن محمد الفاريابي، (دار طيبة)، الرياض، 1426 هـ، ج: 11، ص: 238.

[20]) رواه البخاري، كتاب الرقاق، باب في الأمل وطوله، رقم (6054)، ج: 5، ص: 2359.

[21] ) جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي، كشف المشكل من حديث الصحيحين، تحقيق: علي حسين البواب، (دار الوطن)، الرياض، ج1، ص316.

[22]) رواه أحمد بن حنبل الشيباني، مسند الإمام أحمد بن حنبل، (مؤسسة قرطبة)، القاهرة، رقم (11148)، ج: 3، ص 17.

قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، غير علي بن علي الرفاعي، وهو ثقة. (نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، (دار الكتب العلمية)، بيروت، ط1، 1422ه، ج: 11، ص: 152). وقال الحافظ ابن حجر: إسناده جيد (أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، هداية الرواة إلى تخريج أحاديث المصابيح والمشكاة، تحقيق: علي بن حسن بن عبد الحميد الحلبي (دار ابن القيم)، الدمام، 1422 هـ، ط 1، ج: 5، ص: 45.

[23]) رواه مسلم بن الحجاج النيسابوري، صحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، (دار إحياء التراث)، كتاب الحج، باب بيان أن المسجد الذي أسس على التقوى هو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، رقم (1398) ج :2، ص: 1015.

[24] ) يحيى بن شرف النووي، المنهاج في شرح مسلم بن الحجاج، (دار إحياء التراث)، بيروت، ط2، 1392 هـ، ج 9، ص 169.

[25]) جدي أسَك: صغير الأذنين. (النووي، المنهاج شرح صحيح مسلم، ج: 18، ص:93).

[26]) رواه مسلم، كتاب الزهد والرقائق، رقم (7607)، ج: 4، ص: 2272.

[27] ) يوسف القرضاوي، البحوث والدراسات المقدمة للمؤتمر العالمي الثالث للسيرة والسنة النبوية، (المكتبة العصرية)، صيدا، 1981م، ج6، ص190.

[28] ) أي يدخلن في الستر. (ابن حجر، فتح الباري، ج10، ص527).

[29] ) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب، باب الانبساط إلى الناس، ج8، ص31، الحديث (6130). ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب في فضل عائشة رضي الله عنها، ج4، ص1890، الحديث (2440).

[30] ) ابن حجر، فتح الباري، ج10، ص527.

[31] ) رواه أبو داود في سننه، كتاب اللباس، باب في الحرير للنساء، ج4، ص50، الحديث (4057)، النسائي في سننه، كتاب الزينة، باب تحريم الذهب على الرجال، ج8، ص160، الحديث (5144) ، وابن ماجه في سننه ، كتاب اللباس، باب لبس الحرير والذهب للنساء، ج2، ص1189، الحديث(3595) ، وأحمد في مسنده ، الحديث (750)، ج2، ص146، وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط : صحيح لشواهده.

[32] ) موقع شركة حرف على شبكة الإنترنت http://www.harf.com

[33] ) موقع البرنامج على شبكة الإنترنت https://WWW.sunnah.alifta.gov.sa

[34] ) ينظر موقع مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي: https://WWW. turath.com

[35] ) http://turath.com/show_cat_product.php?product=49

[36] ) زهير الناصر، الموسوعة الحديثية بين الواقع والمأمول، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة، ص91.

[37] ) http://turath.com/show_cat_product.php?product=47

[38] ) http://turath.com/show_cat_product.php?product=46

[39] ) زهير الناصر، الموسوعة الحديثية بين الواقع والمأمول، ص88 – 91.

وينظر موقعهم على شبكة الإنترنت http://turath.com/show_cat_product.php?product=5

[40] ) إبراهيم بن حماد بن سلطان الريس، التقنية الحديثة في خدمة السنة والسيرة النبوية، مقال منشور على شبكة الألوكة الشرعية https://www.alukah.net/sharia/0/19212/

[41] ) موقع البرنامج على شبكة الإنترنت http://www.muhaddith.org

[42] ) رابط الموسوعة http://www.ihsanetwork.org/downloads…production.iso

[43] ) موقع الموسوعة الشاملة على شبكة الإنترنت http://www.shamela.ws

[44] ) ينظر: محمد علي أحمد الأعمر، أثر استخدام المكتبة الشاملة في خدمة السنة النبوية، بحث منشور على شبكة الألوكة، ص 21-26 http://www.almeshkat.net/books/archive/books/almaktabat_alshshamila.pdf