الملخص:
يُعتبر اتخاذ القرار المناسب من أهم القضايا المؤثرة على الفرد والجماعة؛ لما فيها من حفظٍ للأرواح، وحماية لحقوق الآخرين، ولما يترتب على الخطأ فيه من عواقب وخيمة، وأضرار كبيرة، فجاء هذا البحث ليسلط الضوء على فضل التحري ووسائله والذي أولته السنة النبوية بالعناية الكبيرة، فمدح النبي صلى الله عليه وسلم كل من يتأنى ولا يتعجل خشية الندامة والحسرة، وجعل التحري وقاية من التُّهم والإشاعات الكاذبة، وبعدًا عن سوء الظن الذي يؤدي إلى الفرقة والخصومة، وقد استخدم النبي صلى الله عليه وسلم وسائل عديدة للتحري من أهمها: قبول الدعوى والمطالبة فإن أقر المدعى عليه يُستغنى بإقراره عن كل دليل، وكذلك الشهادة فهي من أهم أساليب التحري وأقدمها، وتوجيه الأسئلة التي يُتوصل بها لمعرفة الحقيقة، واللجوء لتفتيش الأشخاص إذا لزم الأمر، واستعمال أسلوب المراقبة لكي يتضح الأمر وتتجلى الحقيقة، وجمع المعلومات الكافية بمعرفة أهل الكفاءة في الأمر، ومشورة أصحاب الرأي للوصول للرأي الصائب، واستخارة المولى سبحانه بُغية إلهام القرار الأصوب والأنسب.
المقدمة
تُعد قضية اتخاذ القرار من أهم القضايا التي لها تأثير كبير على الفرد والجماعة، ففيها حفظ للأرواح وصيانة للدماء وحماية لحقوق الآخرين، فلابد من معرفة الأمور التي تؤدي إلى الفشل والخطأ في اتخاذ القرارات ومعرفة خطورة ما سيتم الإقدام عليه، لتجنب عوامل الخطأ ما أمكن، ونظرًا لهذه الأهمية كان لابد من الرجوع إلى السنة النبوية والتعرف على هدي النبي صلى الله عليه وسلم في التحري والتثبت قبل اتخاذ القرار، وخاصة أننا نعيش في زمان كثرت فيه الفتن والتهم التي تُلقى جزافًا، وانتشرت فيه الإشاعات بلا تثبت ولا تحقق، والمسلم الواعي الفطن لا ينبغي عليه أن يكون أذناً لكل ناعق، بل عليه التحري والتنقيب عن البراهين، والشهود، والاستفسار، والمراقبة وجمع المعلومات وغيرها من الأدلة الموضوعية، والشواهد العملية، ليسد الطريق أمام دعاة الفتن والإشاعات، فيكون قراره ناتجًا عن تحرٍ وتثبت وتحقق، بغية الوصول للحق وتحقيق العدل بين الناس ورد المظالم ومنع الزور والظلم والبهتان، فجاء هذا البحث ليبين فضل التحري والتنقيب وأهميته، واستقراء أساليب التحري والتنقيب في السنة النبوية.
مشكلة البحث:
لما كان اتخاذ القرار المناسب أمرًا غاية في الأهمية لما يترتب على الخطأ من عواقب وخيمة وأضرار كبيرة جاء هذا البحث ليجيب عن الأسئلة الآتية:
ما فضل التحري والتنقيب التي تعود على الفرد والمجتمع؟
ما الأساليب التي اتخذها النبي صلى الله عليه وسلم للتحري والتنقيب قبل اتخاذ القرار؟
ما الأضرار المترتبة على عدم التحري والتنقيب عند اتخاذ القرار؟
الدراسات السابقة:
بعد البحث عن دراسة تشبه دراستي هذه لم أجد سوى دراسة واحدة فيها توافق في جزئية بسيطة مع هذه الدراسة وهي بعنوان: (أحكام وضوابط التفتيش في الشريعة الإسلامية)، وهي رسالة دكتوراه للطالب عبد الله المويهي العتيبي، وهي كما يتضح من عنوانها تتكلم عن ضوابط التفتيش بجميع أنواعه، فهي تختلف عن حدود ومنهج دراستي هذه.
منهج البحث:
اعتمدت في هذا البحث على المناهج الآتية:
1ـ المنهج الاستقرائي: واستخدمته في استقراء نصوص السنة النبوية الدالة على فضل التحري، واستقراء الأحاديث الشريفة التي تحوي الأساليب التي استخدمها النبي صلى الله عليه وسلم في التحري والتنقيب قبل اتخاذ القرار.
2ـ المنهج الاستنباطي: واستخدمته في استنباط الأساليب النبوية في التحري من خلال نصوص الأحاديث الشريفة واستنباط الحِكَم من التحري والتنقيب.
3ـ المنهج الوصفي: واستخدمته في وصف الأساليب التي استعملها النبي صلى الله عليه وسلم في التحري، وبيان مدى دقته صلى الله عليه وسلم، وتثبته وتنوع أساليبه، وتمهله قبل اتخاذ القرار.
خطة البحث:
تم تقسيم هذا البحث بعد المقدمة إلى ثلاثة مباحث، الأول: تعريف التحري والتنقيب، والثاني: فضل التحري والتنقيب، والثالث: أساليب التحري والتنقيب في السنة النبوية، ثم خاتمة فيها أهم النتائج.
المبحث الأول: تعريف التحري والتنقيب:
أولًا: تعريف التحري:
التحري لغة:
قال ابن أبي نصر الحميدي: “التحري أَصله الِاجْتِهَاد فِي إِصَابَة الْمَقْصد يُقَال تحرى يتحَرَّى تحريا”[1].
وقال ابن منظور: “ فُلَانٌ يتَحَرَّى الأَمرَ أَي يتَوَخّاه ويَقْصِده، والتَّحَرِّي: القَصْدُ والاجتهادُ فِي الطَّلَبِ والعزمُ عَلَى تَخْصِيصِ الشَّيْءِ بِالْفِعْلِ وَالْقَوْلِ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: لَا تَتَحَرَّوْا بِالصَّلَاةِ طلوعَ الشمسِ وغروبَها[2]“[3].
وقال ابن المبرد: “التَّحَريْ: طَلَبُ ما هو أَحْرَى في غَالِب ظَنِّه”[4].
“وتحرى بِالْمَكَانِ تمكَّثَ، وَفِي الْأُمُور: قصد أفضلهَا، وَالشَّيْء: حراه وتوخاه واجتهد فِي طلبه ودقق وَيُقَال: تحرى عَنهُ”[5].
يتضح من التعريفات اللغوية السابقة أن التحري يشمل القصد والاجتهاد وطلب ما هو أولى وأحق.
التحري اصطلاحًا:
عرَّف الإمام السرخسي التحري فقال هو: “عبارة عن طلب الشيء بغالب الرأي عند تعذر الوقوف على حقيقته”[6].
وعرفه الإمام النووي بقوله: ” طَلَبُ الصَّوَابِ وَالتَّفْتِيشُ عَنْ المقصود”[7].
وعرّفه الجرجاني بأنه: ” طلب أحرى الأمرين وأولاهما”[8].
وعُرِّف بأنه: ” تغليب الظن على أمر عند تعذَّر الوقوفُ على الحقيقة”[9].
يتبين من التعريفات السابقة أن التحري اصطلاحًا مأخوذ من المعنى اللغوي فهو طلب للصواب وتغليب لأحد الأمرين عند الجهل بالحقيقة.
ولأن اللغة العربية غنية بمفرداتها المتقاربة في معانيها ودلالاتها لذا فهناك عدة مصطلحات متقاربة في معانيها مع مصطلح التحري، مثل: التنقيب، والتثبت، ولأن هذه المصطلحات ذات صلة كبيرة بمصطلح التحري وهي تبين دلالته والمراد منه فمن المناسب أن نبين المقصود منها أيضًا ومنها ما يأتي:
1ـ التنقيب:
التنقيب لغة: التنقيب في اللغة مصدر من نقب.
قال الفراهيدي: “النَّقْبُ في الحائط ونحوه يخلص فيه إلى ما وراءه، وفي الجسد يخلص فيه إلى ما تحته من قلب أو كبد”[10].
وقال ابن دريد: “ونقب الرجل فِي الْبِلَاد إِذا جاسها”[11].
وقال ابن فارس: “ومعنى النِّقَابِ العالم واحدٌ، لِأَنَّهُ يُنَقِّبُ عن أُمُورهم، أَوْ يُنَقِّبُ كما يَنْقُبُ عن الْأَسْرَارِ، والنَّقَّابُ: الْعَالِمُ بِالْأُمُورِ، كَأَنَّهُ نَقَّبَ عَلَيْهَا فَاسْتَنْبَطَهَا، أَوِ الْعَالِمُ بِهَا الْمُنَقِّبُ عَنْهَا”[12].
وقال أبو عبيد الهروي: “النِّقاب هو الرجل العَالِم بالأشياء المبحّث عَنْهَا الفَطِن الشَّديد الدُّخول فِيهَا”[13].
وقال ابن منظور: “النِّقابُ، والمِنْقَبُ، بالكسر والتخفيف: الرجل العالم بالأَشياءِ، الكثيرُ البَحْثِ عَنْهَا، والتَّنْقِيبِ عَلَيْهَا أَي مَا كَانَ إِلا نِقاباً، ونَقَّبَ عَنِ الأَخْبار وَغَيْرِهَا: بَحَثَ؛ وَقِيلَ: نَقَّبَ عَنِ الأَخْبار: أَخْبر بِهَا. وَفِي الْحَدِيثِ: إِني لَمْ أُومَرْ أَنْ أُنَقِّبَ عَنْ قُلُوبِ الناسِ[14] أَي أُفَتِّشَ وأَكْشِفَ”[15].
يتضح مما سبق أن مادة (نقب) تستعمل في البحث والتحري في الطلب، لذا يقال للرجل العلامة الخبير في الأمور نِقاب.
التنقيب اصطلاحًا:
يمكن تعريف التنقيب بأنه: “عبارة عن تحليلات لكمية كبيرة من البيانات بغرض إيجاد قواعد وأمثلة ونماذج التي يمكن أن تستخدم وتقود وتدل أصحاب القرار، وتتنبأ بالسلوك المستقبلي”[16].
وبما أننا نقصد بالتنقيب في هذا البحث هو التنقيب عن المعلومات والبيانات فيمكن التوصل لتعريف اصطلاحي يبين المقصود بالتنقيب وهو:
بذل الوسع والجهد في البحث عن البيانات؛ للحصول على الأدلة والإثباتات التي تعين أصحاب القرار على اتخاذ القرار المناسب.
ومما سبق يتضح أن العلاقة بين معنى التحري والتنقيب علاقة وثيقة؛ لأن كلًا منهما يراد به الاجتهاد في البحث وطلب الحقيقة لاتخاذ القرار المناسب، فاللفظتان مترادفتان وإن اختلفتا في أجزاء بسيطة في اللغة.
2ـ التثبت:
التثبت لغة: يأتي التثبت ضد التعجل، قال ابن فارس: “تَثَبَّتْ فِي الْأَمْرِ وَلَا تَعْجَلْ يَتَبَيَّنْ لَكَ”[17].
وقال الرازي: ” وَ (تَثَبَّتَ) فِي الْأَمْرِ و (اسْتَثْبَتَ) بِمَعْنًى، وتقول: لا أَحْكُمُ بِكَذَا إِلَّا بِثَبَتٍ بفتح الباء، أَيْ بِحُجَّةٍ”[18].
وقال ابن منظور: ” وتَثَبَّتَ فِي الأَمْر والرَّأي، واستَثْبَتَ: تَأَنَّى فِيهِ وَلَمْ يَعْجَل، واسْتَثْبَتَ فِي أَمْرِه إِذا شَاوَرَ وفحَصَ عَنْهُ”[19].
التَّثبت اصطلاحًا:
عرفه ابن كثير بأنه: “ الأناة وعدم العجلة، والتبصر في الأمر الواقع، والخبر الوارد حتى يتضح ويظهر”[20].
وعرِّف التثبت أيضًا بأنه: ” تفريغُ الوسع والجَهد لمعرفة حقيقة الحال المراد”[21].
يتضح من التعريفات السابقة أن المقصود من التثبت:
إفراغ الجهد والوسع والتأني وعدم التسرع في الأمر الواقع بغية الوصول للصواب والحقيقة.
مما سبق يتضح تقارب هذه المصطلحات مع مصطلح التحري، وأن هناك معنى مشتركًا بينها جميعًا وهو إفراغ الجهد والطاقة وعدم التعجل في اتخاذ القرار للوصول للحقيقة والصواب.
المبحث الثاني: فضل التحري والتثبت:
يُعد التحري والتنقيب والتثبت في الأمور كلها من أهم الأخلاق الإسلامية التي حثت عليها السنة النبوية المطهرة لما فيه من فضل عظيم ومصلحة كبيرة تعود على الفرد والمجتمع ومن الدلائل على ذلك:
1ـ مدح النبي صلى الله عليه وسلم لمن يتثبت ولا يستعجل في اتخاذ القرار:
فعن أنس رضي الله عنه، عن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ، قَالَ: ” التَّأَنِّي مِنَ اللهِ، وَالْعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ”[22].
فالحديث يشير إلى كراهية الاندفاع في الأمور دون روية أو تبصر، لما له من عواقب لا تحمد عقباها.
نُقل عن ابن القيم رحمه الله أنه قال: “إنما كانت العجلة من الشيطان لأنها خفة وطيش وحدة في العبد تمنعه من التثبت والوقار والحلم وتوجب وضع الشيء في غير محله وتجلب الشرور وتمنع الخيور وهي متولدة بين خلقين مذمومين التفريط والاستعجال قبل الوقت” [23].
وقال رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأَشَجِّ عبد القَيس: ” إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ: الْحِلْمُ، وَالْأَنَاةُ” [24].
والمقصود من الأناة: “التثبت في الأمور وترك العجلة، والتأني هو المكث والإبطاء” [25].
وقد مدح الله سبحانه التحري والتثبت وعدم التسرع والتعجل خشية الندامة والحسرة، فقال عزَّ من قائل: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ﴾ [الحجرات: 6].
ولا شك أن التحري من وسائل التبين التي أمر بها الله سبحانه وتعالى.
قال الطبري: “واختلفت القُرّاء في قراءة قوله (فَتَبَيَّنُوا) فقرأ ذلك عامة قراء أهل المدينة (فَتَثَبَّتُوا) بالثاء، وقرأ ذلك بعض القرّاء (فتبيَّنوا) بالباء، بمعنى: أمهلوا حتى تعرفوا صحته، لا تعجلوا بقبوله، وكذلك معنى (فَتَثَبَّتُوا)، وقوله (أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ) يقول تعالى ذكره: فتبيَّنوا لئلا تصيبوا قوما برآء مما قذفوا به بجناية بجهالة منكم (فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) يقول: فتندموا على إصابتكم إياهم بالجناية التي تصيبونهم بها” [26].
2ـ في التحري وقاية من التُّهم والإشاعات الكاذبة التي قد تؤدي إلى إزهاق النفوس وإراقة الدماء.
لو اتخذ مبدأ التحري كل من له مسؤولية صغرى كانت أو كبرى، لقطع الطريق على كل مروج للإشاعات والافتراءات، ولانتفت الأحقاد والضغائن بين الناس، فكم من عداوة نشأت بسبب وشاية كاذبة وكم من دم سفك بسبب استعجال وعدم التحري والتثبت من الإدانة، وها هو نبي الله سليمان عليه السلام يضع قاعدة جليلة في التحري والتثبت قبل التفكير بالعقوبة وهي قاعدة: ﴿قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ [النمل: 27].
قال الطبري: “قَالَ سليمان للهدهد: (سَنَنظُرُ) فيما اعتذرت به من العذر، واحتججت به من الحجة لغيبتك عنا” [27].
وقال الشوكاني: “والنظر هو التأمل والتصفح، وفيه إرشاد إلى البحث عن الأخبار، والكشف عن الحقائق، وعدم قبول خبر المخبرين تقليدًا لهم، واعتمادًا عليهم، إذا تمكن من ذلك بوجه من الوجوه”[28].
فما أعظمها من قاعدة تتلخص بكلمة (سننظر)، هي قاعدة أصحاب العقول الذين وهبهم الله الحكمة والرجاحة في العقل تمنع صاحبها من العجلة التي قد تؤدي للندم والخسران، وتدعو للتحري والتثبت قبل اتخاذ القرار، وخاصة إذا كان الأمر متعلقًا بأرزاق البشر أو بأرواحهم.
وها هو نبي الرحمة محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم يؤكد على هذا المبدأ العظيم عندما قال لأسامة بن زيد رضي الله عنهما منكرًا ومؤنبًا: “أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا؟”
فعن أسامة بن زيد رضي الله عنه قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ، فَصَبَّحْنَا الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَأَدْرَكْتُ رَجُلًا فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَطَعَنْتُهُ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَقَتَلْتَهُ؟» قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنَ السِّلَاحِ، قَالَ: «أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا؟» فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ” [29].
قال النووي: ” فيه دليل للقاعدة المعروفة في الفقه والأصول أن الأحكام يعمل فيها بالظواهر والله يتولى السرائر” [30].
فالحديث يدعو إلى التحري والتنقيب والتثبت خاصة إذا كان الأمر متعلق بإزهاق النفس، لذا جاء عتاب رسول الله لأسامة “أفلا شققت عن قلبه” فيه إنكار منه صلى الله عليه وسلم واضح على ما قام به أسامة رضي الله عنه من تسرعه وتأوله لقتل الرجل الذي نطق بالشهادة، ففيه تجاوز من الظاهر إلى السرائر، والحكم على ما في القلوب دون بينة ودليل.
3ـ في التحري بُعدٌ عن سوء الظن الذي يفضي للندامة:
يعد سوء الظن من أسوأ الرذائل الأخلاقية التي تؤدي إلى الفرقة والخصومة وفقد الثقة بين الناس، لذا نهى الإسلام عن سوء الظن بالآخرين والذي غالبا ما يكون سببه عدم التثبت والتحري والتحقق، فقال عز من قائل: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ”] الحجرات:12[.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ” [31].
قال العظيم آبادي: ” أي احذروا اتباع الظن أو احذروا سوء الظن والظن تهمة تقع في القلب بلا دليل، وليس المراد ترك العمل بالظن الذي تناط به الأحكام غالبا بل المراد ترك تحقيق الظن الذي يضر بالمظنون به” [32].
فوجب على المسلم حسن الظن بالآخرين لأنه هو الأصل الذي لا يعدل عنه إلا باليقين الذي يحصل عن طريق التحري والتنقيب والتثبت.
فعن ابن عباس رضي الله عنه، قَالَ: ” مَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ غَنَمٌ لَهُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ قَالُوا: مَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا لِيَتَعَوَّذَ مِنْكُمْ فَقَامُوا فَقَتَلُوهُ وَأَخَذُوا غَنَمَهُ، فَأَتَوْا بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} [النساء: 94] [33].
فالتسرع هنا وسوء الظن من بعض الصحابة أدى بهم إلى القتل قبل التثبت والتحري من حال الرجل، لذا أنزل الله سبحانه الآية آمرة المؤمنين من التثبت والتحقق وترك سوء الظن.
قال المباركفوري: ” والمعنى فقفوا وتثبتوا حتى تعرفوا المؤمن من الكافر وتعرفوا حقيقة الأمر الذي تقدمون عليه” [34].
4ـ التحري والتثبت من صفات العلماء الحكماء:
من أبرز ما وهبه الله للعلماء من الصفات التحري والتثبت وعدم الاستعجال فتجدهم أحرص من غيرهم على التأني والتثبت قبل إصدار الأحكام لما في العجلة من أذى قد يصيب نفسه أو الآخرين، وهذه حكمة يتميز بها المؤمن فتجده لا ينخدع بالأقاويل والإشاعات والآراء أيًا كان قائلها فنراه يحكم عقله ومعرفته ويجمع أدلته وقرائنه قبل أن يقرر أو يحكم.
وتتجلى الحكمة والتروي عند الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه فيما رواه أَبو ظَبْيَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ بِمَجْنُونَةٍ قَدْ زَنَتْ، فَاسْتَشَارَ فِيهَا أُنَاسًا، فَأَمَرَ بِهَا عُمَرُ أَنْ تُرْجَمَ، مُرَّ بِهَا عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا شَأْنُ هَذِهِ؟ قَالُوا: مَجْنُونَةُ بَنِي فُلَانٍ زَنَتْ، فَأَمَرَ بِهَا عُمَرُ أَنْ تُرْجَمَ، قَالَ: فَقَالَ: ارْجِعُوا بِهَا، ثُمَّ أَتَاهُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَمَا عَلِمْتَ ” أَنَّ الْقَلَمَ قَدْ رُفِعَ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَبْرَأَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَعْقِلَ؟” قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَمَا بَالُ هَذِهِ تُرْجَمُ؟ قَالَ: لَا شَيْءَ، قَالَ: فَأَرْسِلْهَا، قَالَ: فَأَرْسَلَهَا، قَالَ: فَجَعَلَ يُكَبِّرُ”[35].
قال الخطابي: “لم يأمر عمر رضي الله عنه برجم مجنونة مطبق عليها في الجنون ولا يجوز أن يخفى هذا ولا على أحد ممن بحضرته، ولكن هذه امرأة كانت تجن مرة وتفيق أخرى فرأى عمر رضي الله عنه أن لا يسقط عنها الحد لما يصيبها من الجنون إذ كان الزنى منها في حال الإفاقة، ورأى علي كرم الله وجهه أن الجنون شبهة يدرأ بها الحد عمن يُبتلى به والحدود تدرأ بالشبهات لعلها قد أصابت ما أصابت وهي في بقية من بلائها فوافق اجتهاد عمر رضي الله عنه اجتهاده في ذلك فدرأ عنها الحد والله أعلم بالصواب” [36].
وها هو الصديق رضي الله عنه يضرب أروع الأمثلة في حكمته وتثبته وتحريه، فحين بلغه خبر وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وقد انقسم حينها الصحابة ما بين مصدق للخبر ومكذب له، نزل من أعالي المدينة ولم يكلم أحدًا ولم يتدخل في الأمر إلا بعد دخوله غرفة السيدة عائشة رضي الله عنها وتيقن له وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يتعجل في الأمر ولم يبت فيه إلا بعد التحري والتثبت.
قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: “فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَكَشَفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبَّلَهُ، قَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يُذِيقُكَ اللَّهُ المَوْتَتَيْنِ أَبَدًا، ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ: أَيُّهَا الحَالِفُ عَلَى رِسْلِكَ” [37].
المبحث الثالث: أساليب التحري في السنة النبوية:
استخدم النبي صلى الله عليه وسلم أساليب عديدة في التحري قبل إصداره للأحكام واتخاذ القرار، ومن أبرز هذه الأساليب:
1ـ قبول الدعوى والمطالبة:
تعد قبول الدعاوى من باب إزالة المنكر المطلوب شرعًا ويكون ذلك بمساعدة من بيده القرار، وتعد هذه الدعاوى والتبليغات أحد إجراءات التحري في الشريعة الإسلامية، ومن الأدلة التي تثبت ذلك: ما رواه سِمَاكُ بنُ حَرْبٍ، أَنَّ عَلْقَمَةَ بْنَ وَائِلٍ، حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَاهُ، حَدَّثَهُ، قَالَ: إِنِّي لَقَاعِدٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ يَقُودُ آخَرَ بِنِسْعَةٍ [38]، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا قَتَلَ أَخِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَقَتَلْتَهُ؟» – فَقَالَ: إِنَّهُ لَوْ لَمْ يَعْتَرِفْ أَقَمْتُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ – قَالَ: نَعَمْ قَتَلْتَهُ، قَالَ: «كَيْفَ قَتَلْتَهُ؟» … الحديث[39].
ففي الحديث دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل الدعوى، وقام بسؤال المدعى عليه فإن أقر واعترف فيستغني بإقراره عن المجيء بالشهود لأن الإقرار من أقوى الأدلة على الإدانة.
قال أبو العباس القرطبي: ” فيه استقرار المدَّعى عليه بعد سماع الدعوى لإمكان إقراره، فتسقط وظيفة إقامة البينة عن المدَّعي” [40].
ومن لوازم التحري والتثبت في الدعاوى والمطالبات أن يسمع القاضي ومن بيده القرار من الطرفين المدعي والمدعى عليه، لا أن يكتفي بكلام المدعي، فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: “بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ قَاضِيًا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تُرْسِلُنِي وَأَنَا حَدِيثُ السِّنِّ، وَلَا عِلْمَ لِي بِالْقَضَاءِ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ سَيَهْدِي قَلْبَكَ، وَيُثَبِّتُ لِسَانَكَ، فَإِذَا جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْكَ الْخَصْمَانِ، فَلَا تَقْضِيَنَّ حَتَّى تَسْمَعَ مِنَ الْآخَرِ، كَمَا سَمِعْتَ مِنَ الْأَوَّلِ، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يَتَبَيَّنَ لَكَ الْقَضَاءُ، قَالَ: فَمَا زِلْتُ قَاضِيًا، أَوْ مَا شَكَكْتُ فِي قَضَاءٍ بَعْدُ”[41].
قال العظيم أبادي: قوله: “(أحرى) أي حري وجدير وحقيق (أن يتبين لك القضاء) أي وجهه، والحديث دليل على أنه يحرم على الحاكم أن يحكم قبل سماع حجة كل واحد من الخصمين واستفصال ما لديه والإحاطة بجميعه”[42].
يتضح مما سبق أن الدعاوى والمطالبات من أهم أساليب التحري التي يتخذها القاضي أو ولي الأمر والذي يقوم بدوره بسؤال المدعى والمدعى عليه والتثبت من إدانة المدعى عليه أو عدمها.
2ـ الاستماع لأقوال الشهود:
الشهادة أمانة لا يجوز كتمانها، فإذا دعي الشاهد للإدلاء بها لزمه الحضور لقوله تعالى: ” وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا” (البقرة: 282)، وقوله تعالى: “وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ” (البقرة:283). وتعتبر الشهادة من أهم أساليب التحري عن الحقيقة والتثبت من الأخبار، ومن أقدمها استعمالًا، وقد لجأ إليها النبي صلى الله عليه وسلم وحكم بها في عدة مواطن بحكم أنه كان القائم على التحري عن الجرم والفصل بين الخصومات، ومن ذلك: ما رواه أشعث بن قيس قال: كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ خُصُومَةٌ فِي بِئْرٍ، فَاخْتَصَمْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ» [43].
قال ابن بطال: “تأويله ما يثبت لك بشهادة شاهديك فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه”[44].
وقال القسطلاني: “أي شاهداك هما المطلوبان في دعواك أو شاهداك هما المثبتان لدعواك” [45].
3ـ سؤال التحقق والتثبت:
يعد الاستفسار وتوجيه الأسئلة أحد أساليب التحري التي يتوصل بها لمعرفة الحقيقة، فالمتهم له الحق في الدفاع عن نفسه وسماع كلامه وجوابه عندما يسأل، وفي السنة النبوية ما يثبت ذلك، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم استخدم السؤال في مواقف عديدة منها ما كان للتحري والتنقيب والتثبت قبل إصدار الحكم، ومن ذلك ما رواه النعمان بن بشير رضي الله عنه، أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلاَمًا، فَقَالَ: «أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مِثْلَهُ»، قَالَ: لاَ، قَالَ :«فَارْجِعْهُ» [46].
يتضح من الحديث حرص النبي صلى الله عليه وسلم على التأكد والتثبت والتحري عن طريق سؤال والد النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن التوزيع العادل للعطاء وهل أعطى بقية أولاده مثلها أم لا؟ فكان السؤال طلبًا للتوضيح والفهم، وجاء في مسلم أنه سأله: «يَا بَشِيرُ أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا؟» قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: «أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا؟» قَالَ: لَا، قَالَ: «فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا، فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ» [47]، فلما تبين له صلى الله عليه وسلم الأمر حكم بإرجاع الهدية واعتبارها نوعًا من الجور والظلم.
قال الحافظ ابن حجر: ” وفيه مشروعية استفصال الحاكم والمفتي عما يحتمل الاستفصال لقوله: ألك ولد غيره؟ فلما قال نعم، قال: أفكلهم أعطيت مثله؟ فلما قال لا، قال: لا أشهد، فيفهم منه أنه لو قال نعم لشهد” [48].
ومنها أسئلته صلى الله عليه وسلم لماعز الذي جاء يطلب من النبي عليه الصلاة والتسليم التطهر من معصية الزنى، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: لَمَّا أَتَى مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ، أَوْ غَمَزْتَ، أَوْ نَظَرْتَ» قَالَ: لاَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «أَنِكْتَهَا». لاَ يَكْنِي، قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ بِرَجْمِهِ [49].
أراد النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث تحديد المسألة بصورة واضحة قبل إصدار الحكم، لأن الحكم على الشيء فرع من تصوره، فقام صلى الله عليه وسلم بتوجيه عدة أسئلة للصحابي ماعز للتعرف على حقيقة السلوك الذي قام به، ومن ثم الوصول للحكم الصحيح عليه.
قال الحافظ ابن حجر فيه: “جواز تلقين الإمام المقر بالحد ما يدفعه عنه” [50].
4ـ اللجوء لتفتيش الأشخاص إذا لزم الأمر:
يعد التفتيش أحد الأساليب المساعدة في التحري للتأكد من الأمر واثباته، ومن أدلة جواز تفتيش الأشخاص ما رواه علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: بعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالزُّبَيْرَ وَأَبَا مَرْثَدٍ، وَكُلُّنَا فَارِسٌ، قَالَ: ” انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ حَاجٍ[51] فَإِنَّ فِيهَا امْرَأَةً مَعَهَا صَحِيفَةٌ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى المُشْرِكِينَ، فَأْتُونِي بِهَا “، فَانْطَلَقْنَا عَلَى أَفْرَاسِنَا حَتَّى أَدْرَكْنَاهَا حَيْثُ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَسِيرُ عَلَى بَعِيرٍ لَهَا، وَقَدْ كَانَ كَتَبَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ بِمَسِيرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ، فَقُلْنَا: أَيْنَ الكِتَابُ الَّذِي مَعَكِ؟ قَالَتْ: مَا مَعِي كِتَابٌ، فَأَنَخْنَا بِهَا بَعِيرَهَا، فَابْتَغَيْنَا فِي رَحْلِهَا فَمَا وَجَدْنَا شَيْئًا، فَقَالَ صَاحِبَايَ: مَا نَرَى مَعَهَا كِتَابًا، قَالَ: فَقُلْتُ: لَقَدْ عَلِمْنَا مَا كَذَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ حَلَفَ عَلِيٌّ: وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ، لَتُخْرِجِنَّ الكِتَابَ أَوْ لَأُجَرِّدَنَّكِ، فَأَهْوَتِ الى حُجْزَتِهَا، وَهِيَ مُحْتَجِزَةٌ بِكِسَاءٍ، فَأَخْرَجَتِ الصَّحِيفَةَ، فَأَتَوْا بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [52].
في هذا الحديث دلالة واضحة على مشروعية إجراء التفتيش كوسيلة من وسائل التحري؛ فمن بعثهم النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة قاموا بتفتيش رحل المرأة بعد ما أنكرت وجود الكتاب معها، فلما لم يجدوها قاموا بتهديدها، ونقلوا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليهم.
قال الحافظ ابن حجر: “قوله فابتغينا في رحلها: أي طلبنا كأنهما فتشا ما معها ظاهرا، وفي رواية محمد بن فضيل: فأنخنا بعيرها فابتغينا، وفي رواية الحارث: فوضعنا متاعها وفتشنا فلم نجد” [53].
“يضاف إلى ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر أصحابه بالذهاب لإحضار الكتاب، وألا يكون ذلك إلا بتفتيش من معه هذا الكتاب، وهذا يعد إباحة ضمنية للتفتيش، وقد لوح الصحابة – رضوان الله عليهم – للمرأة بتفتيشها إن لم تخرج ما معها، ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم قول الصحابة للظعينة: “لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب”؛ فدل ذلك كله على أن التفتيش إذا كان في طريق إظهار حق، أو لمنع جرمية قد ترتكب وتضر بالصالح العام؛ فهو جائز شرعًا [54] .
ووقع التفتيش منه صلى الله عليه وسلم رعاية منه لأمور المسلمين وحرصًا على تصحيح معاملاتهم فقد ذهب للسوق لتفقد معاملاتهم التجارية فلما رأى أحد باعة الحبوب خشي إظهار الجيد منها وإخفاء السيء، فأراد التحري والتثبت فمدَّ يده الكريمة فاكتشف بللًا فغضب، ثم استفسر من صاحب الحبوب فأجابه بأن السماء أمطرت فأصابه البلل، ثم أرشده عليه الصلاة والسلام إلى ما ينبغي عمله وبين له أن هذا غش يخالف هديه عليه الصلاة والتسليم.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ؟» قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ، مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي» [55].
قال ابن هبيرة: في هذا الحديث أن الإمام أو من استنابه الإمام إذا ارتاب أو شك أن بعض الناس له يد عادية في غض المسلمين أو اهتضام لحقوقهم، كان له أن يسأل في ذلك، وأن يبحث، وإن أدى سؤاله وبحثه أن يتصرف في مال المظنون به الغش من غير إذنه تصرفا يتوصل به إلى كشف الغش والغل من غير إضرار، جاز له [56].
ويعد التفتيش للتحري والتنقيب من الأساليب القديمة فقد روت السيدة عائشة رضي الله عنها، أَنَّ وَلِيدَةً كَانَتْ سَوْدَاءَ لِحَيٍّ مِنَ العَرَبِ، فَأَعْتَقُوهَا، فَكَانَتْ مَعَهُمْ، قَالَتْ: فَخَرَجَتْ صَبِيَّةٌ لَهُمْ عَلَيْهَا وِشَاحٌ[57]أَحْمَرُ مِنْ سُيُورٍ، قَالَتْ: فَوَضَعَتْهُ – أَوْ وَقَعَ مِنْهَا – فَمَرَّتْ بِهِ حُدَيَّاةٌ [58]وَهُوَ مُلْقًى، فَحَسِبَتْهُ لَحْمًا فَخَطِفَتْهُ، قَالَتْ: فَالْتَمَسُوهُ، فَلَمْ يَجِدُوهُ، قَالَتْ: فَاتَّهَمُونِي بِهِ، قَالَتْ: فَطَفِقُوا يُفَتِّشُونَ حَتَّى فَتَّشُوا قُبُلَهَا، قَالَتْ: وَاللَّهِ إِنِّي لَقَائِمَةٌ مَعَهُمْ، إِذْ مَرَّتِ الحُدَيَّاةُ فَأَلْقَتْهُ، قَالَتْ: فَوَقَعَ بَيْنَهُمْ، قَالَتْ: فَقُلْتُ هَذَا الَّذِي اتَّهَمْتُمُونِي بِهِ، زَعَمْتُمْ وَأَنَا مِنْهُ بَرِيئَةٌ، وَهُوَ ذَا هُوَ، قَالَتْ: «فَجَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَتْ»[59].
يتضح من الحديث أن التفتيش طريقة عملية من طرق التحري والتنقيب منذ قديم الزمان وقد أقرّها الإسلام، كما أثبتنا ذلك.
5ـ المراقبة:
استعمل النبي صلى الله عليه وسلم أسلوب المراقبة وهي من أقوى أساليب التحري والتنقيب والتثبت التي تؤدي للتأكد والتثبت من المتهم قبل إصدار الحكم عليه، ومما يدل على ذلك مراقبته عليه الصلاة والسلام لابن صياد لتتبين له حقيقته في كونه المسيح الدجال أم لا لما كان فيه من قرائن محتملة، فعن ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: انْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ إِلَى النَّخْلِ الَّتِي فِيهَا ابْنُ صَيَّادٍ، وَهُوَ يَخْتِلُ أَنْ يَسْمَعَ مِنْ ابنِ صَيَّادٍ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ ابنُ صَيَّادٍ، فَرَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ – يَعْنِي فِي قَطِيفَةٍ لَهُ فِيهَا رَمْزَةٌ أَوْ زَمْرَةٌ – فَرَأَتْ أمُّ ابْنِ صَيّادٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ، فَقَالَتْ لِابْنِ صَيَّادٍ: يَا صَافِ – وَهُوَ اسْمُ ابْنِ صَيَّادٍ – هَذَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَثَارَ ابْنُ صَيَّادٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ تَرَكَتْهُ بَيَّنَ» [60].
فلما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتأكد من أمر ابن الصياد ذهب يراقبه ويتخفى عنه ليتضح له أمره وتتجلى له حقيقته، ومن ثم يتسنى له الحكم عليه ومعرفة حاله، مما يدل على مشروعية هذا الأسلوب إذا كان الهدف الوصول للحقيقة والتثبت من الأمر.
6ــ جمع المعلومات الكافية:
يحتاج الإنسان أحيانًا إلى جمع أكبر قدر من المعلومات بمساعدة أهل الكفاءة في الأمر قبل أن يقدم أو يقرر أمرًا ما، خاصة إذا كان هذا الأمر قد يعرض النفس والمال للتهلكة، فلابد من جمع قدر من المعلومات يعين على اتخاذ القرار المناسب، وقد استخدم النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأسلوب في أشد المواقف التي واجهته فنجده قد اعتمد العيون في الجانب العسكري لجمع معلومات عن العدو، ومنها ما حدث في اعتماده على رجلين من قبيلة جهينة لجمع المعلومات عن أبي سفيان وقافلته ومعرفة وقت نزوله ببدر، وتمكَّنا من ذلك لمعرفتهما بالطرق بين المدينة المنورة ومكة المكرمة إضافة لقربهما من مساكن بدر، فقد روى ابن سعد أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَدِيَّ بْنَ أَبِي الزغباء وبسبس بن عمرو طليعةً يَوْمِ بَدْرٍ، فَأَتَيَا الْمَاءَ فَسَأَلا عَنْ أَبِي سُفْيَانَ فَأُخْبِرَا بِمَكَانِهِ، فَرَجَعَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالا: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَزَلَ مَاءَ كَذَا يَوْمَ كَذَا، وَنَنْزِلُ نَحْنُ مَاءَ كَذَا يَوْمَ كَذَا، وَيَنْزِلُ هُوَ مَاءَ كَذَا يَوْمَ كَذَا، وَنَنْزِلُ نَحْنُ مَاءَ كَذَا يَوْمَ كَذَا حَتَّى نَلْتَقِيَ نَحْنُ وَهُوَ عَلَى الْمَاءِ[61].
فكانت هذه المعلومات سببًا لاستنفار جيش المسلمين إلى بدر، وقد من الله على النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين بالنصر الكبير.
ومن الجدير بالذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أول من استخدم هذا الأسلوب فكان جمع المعلومات عن العدو من أهم النواحي التي اعتنى بها، فحرص على معرفة عدد عدوه وعتاده قبل ملاقاته في جميع غزواته.
7ـ المشورة:
الناظر في سنة النبي صلى الله عليه وسلم وحياته يجده قد لجأ لأسلوب المشورة في مواقف عدة رغم منزلته العالية عند الله، وقد كان أصحابه رضي الله عنهم ممن وهبهم الله الرأي السديد يبادرونه بآرائهم في الأمور التي لا نص فيها.
وقد استعمل النبي صلى الله عليه وسلم أسلوب الاستشارة مع أصحاب الرأي عند حاجته لاتخاذ القرارات الحازمة والمهمة من باب التحري عن الرأي الصائب في الأمر، وهذا الأسلوب نابع من توجيه المولى سبحانه له في قوله: ” وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْر”ِ (آل عمران:159).
ومن أمثلة استخدامه صلى الله عليه وسلم للمشورة، ما كان في مشاورة أصحابه في النداء للصلاة، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَشَارَ النَّاسَ لِمَا يُهِمُّهُمْ إِلَى الصَّلَاةِ، فَذَكَرُوا الْبُوقَ، فَكَرِهَهُ مِنْ أَجْلِ الْيَهُودِ، ثُمَّ ذَكَرُوا النَّاقُوسَ، فَكَرِهَهُ مِنْ أَجْلِ النَّصَارَى، فَأُرِيَ النِّدَاءَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَطَرَقَ الْأَنْصَارِيُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلًا، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «بِلَالًا بِهِ، فَأَذَّنَ»[62].
قال ابن رجب: “وفي هذا دليل على استحباب التشاور في مصالح الدين والاهتمام بها، فلما تشاوروا أشار بعضهم بالناقوس كفعل النصارى، وأشار بعضهم بالبوق كفعل اليهود، فقال عمر: أولا تبعثون رجلا ينادي بالصلاة” [63].
وفي أمر القتال شاور أصحابه ابتداء من غزوة بدر في الخروج، فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: “لَمَّا سَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَدْرٍ خَرَجَ فَاسْتَشَارَ النَّاسَ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ اسْتَشَارَهُمْ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ عُمَرُ، فَسَكَتَ “، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: إِنَّمَا يُرِيدُكُمْ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَاللهِ لَا نَكُونُ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى: “اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ”، وَلَكِنْ وَاللهِ لَوْ ضَرَبْتَ أَكْبَادَهَا حَتَّى تَبْلُغَ بَرْكَ الْغِمَادِ لَكُنَّا مَعَكَ[64].
قال أبو العباس القرطبي: ” ومشاورة النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه حين بلغه إقبال أبي سفيان، وإعراضه عن تكليم المهاجرين إنما كان ليستخرج ما عند الأنصار من خروجهم معه للحرب، وذلك: أنهم إنما كانوا بايعوه ليمنعوه من الأحمر والأسود، ولم يأخذ عليهم أن يخرجوا معه، فأراد أن يعلم ما عندهم من ذلك” [65].
8ـ الاستخارة:
من أساليب النبي عليه الصلاة والسلام عند الإقدام على أمر من الأمور غير المطلوبة أو المنهي عنها شرعًا، أن يستخير ربه ويتضرع إليه ليلهمه القرار الأصوب والأنسب، فيكون بذلك متحريًا ومنقبًا عن الصواب بالعودة إلى الله سبحانه وتعالى، منتظرًا منه سبحانه انشراح صدره واندفاعه نحو الأمر أو عدمه، وقد علم أصحابه الاستخارة في الأمور كلها كما جاء في حديث جابر رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا، كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ، يَقُولُ: ” إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي – أَوْ قَالَ عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ – فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي – أَوْ قَالَ فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ – فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِي الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ أَرْضِنِي ” قَالَ: «وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ» [66].
قال الحافظ ابن حجر: ” يجب على العبد رد الأمور كلها إلى الله والتبري من الحول والقوة إليه، وأن يسأل ربه في أموره كلها” [67].
الخاتمة:
بعد التعرف على فضل التحري، ووسائله التي استخدمها النبي صلى الله عليه وسلم في بغية الوصول للحقيقة وقبل اتخاذ القرار، توصل هذا البحث إلى هذه النتائج:
1ـ يُعدُّ اتخاذ القرار من أهم القضايا التي لها تأثير كبير على الفرد والجماعة، لما فيه من حماية لحقوق الآخرين.
2ـ يُعد التحري والتنقيب والتثبت في الأمور كلها من أهم الأخلاق الإسلامية التي حثت عليها السنة النبوية المطهرة.
3ـ يعتبر التحري والتثبت من صفات العلماء الحكماء، وفيه وقاية من التُّهم والإشاعات الكاذبة وبُعدٌ عن سوء الظن الذي يفضي للندامة التي قد تؤدي إلى إزهاق النفوس وإراقة الدماء.
4ـ استخدم النبي صلى الله عليه وسلم أساليب عديدة في التحري قبل إصداره للأحكام واتخاذ القرار حري أن يستفيد منها ويعمل بها كل من بيده القرار.
5ـ إن الدعاوى والمطالبات من أهم أساليب التحري التي يتخذها القاضي أو ولي الأمر والذي يقوم بدوره بسؤال المدعى عليه والتثبت من إدانته أو عدمها.
6ـ الاستفسار وتوجيه الأسئلة، واللجوء للتفتيش، والمراقبة، وجمع المعلومات، إضافة للمشورة والاستخارة من أهم أساليب التحري التي يُتوصل بها لمعرفة الحقيقة قبل اتخاذ القرار.
[1] ابن أبي نصر، محمد بن فتوح، تفسير غريب ما في الصحيحين البخاري ومسلم، (القاهرة: مكتبة السنة، 1995م)، ص93.
[2] رواه البخاري، محمد بن إسماعيل، الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه، (بيروت: دار طوق النجاة، 2001م))، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب مسجد قباء، 2/60، الحديث (1192). ومسلم، مسلم بن الحجاج القشيري، المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، (بيروت: دار إحياء التراث العربي، د.ت)، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها،1/571، الحديث (833).
[3] ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب، (بيروت: دار صادر، 1993م، 14/173-174، مادة (حري).
[4] ابن المبرد، يوسف بن حسن، الدر النقي في شرح ألفاظ الخرقي، (جدة: دار المجتمع للنشر والتوزيع،1991م)، 2/238.
[5] مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط، (القاهرة: دار الدعوة، د.ت)، ص169، مادة (حرا).
[6] السرخسي، محمد بن أحمد بن أبي سهل، المبسوط، (بيروت: دار المعرفة، د.ت)، 1993م،10/185.
[7] النووي، يحيى بن شرف، المجموع شرح المهذب، (بيروت: دار الفكر، د.ت)، 1/169.
[8] الجرجاني، علي بن محمد، التعريفات، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1983م)، ص53.
[9] قلعجي، محمد رواس، وقنيبي، حامد صادق، معجم لغة الفقهاء، ط2، (بيروت: دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع، 1988م)، ص122.
[10] الفراهيدي، الخليل بن أحمد، العين، (بيروت: دار ومكتبة الهلال، د. ت)، 5/179، مادة (نقب).
[11] ابن دريد، محمد بن الحسن الأزدي، جمهرة اللغة، (بيروت: دار العلم للملايين، 1987م)، 1/374، مادة (نقب).
[12] ابن فارس، أحمد بن فارس الرازي، معجم مقاييس اللغة، (بيروت: دار الفكر،1979م)، 5/466، مادة (نقب).
[13] الهروي، القاسم بن سلام، غريب الحديث، (حيدر أباد: مطبعة دائرة المعارف العثمانية، 1964م)،4/479.
[14] رواه البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب بعث علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد إلى اليمن، 5/163، الحديث (4351).
رواه مسلم، صحيح مسلم، كتاب الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم، 2/742، الحديث (1064).
[15] ابن منظور، لسان العرب، 1/769، مادة (نقب).
[16] العلي، عبد الستار، المدخل إلى إدارة المعرفة، (عمّان: دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة، 2006م)، ص 157.
[17] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة،1/30.
[18] الرازي، محمد بن أبي بكر، مختار الصحاح، (بيروت: المكتبة العصرية، 1999م)، ص48، مادة (ث ب ت).
[19] ابن منظور، لسان العرب، 2/19، مادة (ثبت).
[20] ابن كثير، فتح القدير،5/71.
[21] وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، الموسوعة الفقهية الكويتية، (الكويت، دار السلاسل، ط 2، 2006م)، 10/142.
[22] رواه البيهقي، أحمد بن الحسين بن علي، السنن الكبرى، (بيروت: دار الكتب العلمية، ط3، 2003م)، 10/178، الحديث (20270).
وأبو يعلى، أحمد بن علي بن المثُنى، مسند أبي يعلى، تحقيق: حسين سليم أسد، (دمشق: دار المأمون للتراث،1984م)، 7/247، الحديث (4256). ومدار الحديث على سعد بن سنان، قال عنه الحافظ الذهبي: ” ليس بحجة وعن بن معين ثقة” (انظر: الذهبي، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان، الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة، (جدة: دار القبلة للثقافة الإسلامية، 1992م)، ص428)، وقال ابن حجر” صدوق له أفراد” (انظر: ابن حجر، أحمد بن علي بن محمد العسقلاني، تقريب التهذيب، (دمشق: دار الرشيد، 1986م)، ص21).
قال المنذري: “ورواته رواة الصحيح”، وقال الهيثمي: “رجاله رجال الصحيح”. (انظر: المناوي، عبد الرؤوف بن تاج العارفين، فيض القدير شرح الجامع الصغير، (مصر: المكتبة التجارية الكبرى، 1937م)،3/277)
ويشهد له حديث سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “الأَنَاةُ مِنَ اللهِ وَالعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ”. رواه الترمذي، محمد بن عيسى بن سَوْرة، سنن الترمذي، (بيروت: دار الغرب الإسلامي، 1998م)، كتاب البر والصلة باب ما جاء في التأني والعجلة، 4/ 322، الحديث (2012)، وقال: حديث غريب.
[23] المناوي، فيض القدير،3/277.
[24] رواه مسلم، صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب الأمر بالإيمان بالله ورسوله، 1/48، الحديث (17).
[25] ابن قرقول، إبراهيم بن يوسف بن أدهم، مطالع الأنوار على صحاح الآثار، قطر، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، 2012م، 1/315.
[26] الطبري، محمد بن جرير، جامع البيان في تأويل القرآن، (بيروت: مؤسسة الرسالة، 2000م، 22/286.
[27] الطبري، جامع البيان،19/450.
[28] الشوكاني، محمد بن علي بن محمد، فتح القدير، (دمشق: دار ابن كثير، 1993م)، 4/157.
[29] رواه مسلم، صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب تحريم قتل الكافر بعد أن قال لا إله إلا الله، 1/96، الحديث (96).
[30] النووي، يحيى بن شرف، المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، (بيروت: دار إحياء التراث العربي، 1972م)، 2/107.
[31] رواه البخاري، صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب ما ينهى عن التحاسد والتدابر، 8/19، الحديث (6064).
ومسلم، صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظن، 4/1985، الحديث (2563).
[32] العظيم أبادي، محمد أشرف بن أمير، عون المعبود شرح سنن أبي داود، ط2، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1994م)، 13/177.
[33] رواه البخاري، صحيح البخاري، كتاب التفسير، باب ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا، 6/47، الحديث (4591).
ومسلم، صحيح مسلم، كتاب التفسير، 4/ 2319، الحديث (3025).
واللفظ المذكور: رواه الترمذي، سنن الترمذي، أبواب تفسير القرآن، باب ومن سورة النساء، 5/90، الحديث (3030)، وقال: حديث حسن.
وابن حبان، محمد بن حبان البُستي، صحيح ابن حبان، ط2، (بيروت: مؤسسة الرسالة، 1993م)، 11/59، الحديث (4752).
والحاكم، محمد بن عبد الله النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، (بيروت: دار الكتب العلمية،1990م)، 2/259، الحديث (2920)، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
[34] المباركفوري، محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم، تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، (بيروت: دار الكتب العلمية د.ت)، 8/306
[35] رواه أبوداود، سنن أبي داود، كتاب الحدود، باب في المجنون يسرق أو يصيب حدًا، 4/140، الحديث (4399).
والنسائي، أحمد بن شعيب، السنن الكبرى، (بيروت: مؤسسة الرسالة، 2001م)، كتاب الرحم، باب المجنونة تصيب الحد،6/487، الحديث (7303). والحديث صححه الحاكم، المستدرك، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، 1/389، الحديث (949).
ورواه أحمد، أحمد بن محمد بن حنبل، مسند الإمام أحمد بن حنبل، مح. شعيب الأرناؤط، (بيروت: مؤسسة الرسالة ،2001م)، 2/444، الحديث (1328) عن أبي ظبيان عن عمر منقطعًا بدون ذكر ابن عباس.
[36] الخطابي، حمد بن محمد بن إبراهيم، معالم السنن، حلب: المطبعة العلمية، 1932م، 3/310.
[37] رواه البخاري، صحيح البخاري، كتاب المناقب، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لوكنت متخذا خليلا، 5/6، الحديث (3667).
[38] النسعة: حبل من جلود مضفورة. (انظر: النووي، المنهاج، 11/172).
[39] رواه مسلم، صحيح مسلم، كتاب القسامة والمحاربين والقصاص والديات، باب صحة الإقرار بالقتل، 3/1307، الحديث (1680).
[40] القرطبي، أحمد بن عمر، المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، (دمشق: دار ابن كثير،1996م)، 5/52.
[41] رواه أبوداود، سنن أبي داود، كتاب الأقضية، باب كيف القضاء، 3/301، الحديث (3582). والحاكم في المستدرك، 3/145، الحديث (4658)، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
ومدار الحديث على حنش بن المعتمر وهو وإن كان فيه ضعف فقد تابعه ابن عباس عند ابن حبان، 11/451، الحديث (5065).
[42] العظيم أبادي، محمد أشرف بن أمير، عون المعبود شرح سنن أبي داود، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1994م)، 9/361-362.
[43] رواه البخاري، صحيح البخاري، كتاب الرهن، باب إذا اختلف الراهن والمرتهن، 3/143، الحديث (2515).
ومسلم، صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب وعيد من اقتطع حق مسلم، 1/123، الحديث (138).
[44] ابن بطال، علي بن خلف، شرح صحيح البخاري، (الرياض: مكتبة الرشد، 2003م)، 8/58.
[45] القسطلاني، أحمد بن محمد، إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، (مصر: المطبعة الكبرى الأميرية،1905م)، 4/403.
[46] رواه البخاري، صحيح البخاري، كتاب الهبة وفضلها، باب الهبة للولد، 3/157، الحديث (2586).
ومسلم، صحيح مسلم، كتاب الهبات، باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة، 3/1241، الحديث (1623).
[47] رواه البخاري، صحيح البخاري، كتاب الشهادات، باب لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد، 3/171، الحديث (2650)
[48] ابن حجر، فتح الباري، 5/216.
[49] رواه البخاري، صحيح البخاري، كتاب الحدود، باب هل يقول الإمام للمقر لعلك لمست أو غمزت؟،8/167، الحديث (6824).
[50] ابن حج، فتح الباري، 12/135.
[51] الصواب: خاخ، قال ابن حجر في الفتح: “هكذا قال أبو عوانة: (حاج) فيه إشارة إلى أن موسى كان يعرف أن الصواب (خاخ) بمعجمتين، ولكن شيخه قالها بالمهملة والجيم، وقد أخرجه أبو عوانة في صحيحه من رواية محمد بن إسماعيل الصائغ عن عفان، فذكرها بلفظ: (حاج) بمهملة ثم جيم، قال عفان: والناس يقولون: (خاخ) أي: بمعجمتين. قال النووي: قال العلماء: هو غلط من أبي عوانة. (ابن حجر، فتح الباري، 12/306).
[52] رواه البخاري، صحيح البخاري، كتاب الديات، باب ما جاء في المتأولين، 9/18، الحديث (6939).
ومسلم، صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب من فضائل أهل بدر رضي الله عنهم، 4/1941، الحديث (2494).
[53] ابن حجر، فتح الباري، 12/307.
[54] العتيبي، عبد الله بن سودان، أحكـام وضــوابط التفتيـش في الشريعة الإسلامية (رسالة دكتوراه)، (مكة المكرمة: جامعة أم القرى،2013م)، ص93.
[55] رواه مسلم، صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: “من غشنا فليس منا”، 1/99، الحديث (102).
[56] ابن هبيرة، يحيى بن هبيرة، الإفصاح عن معاني الصحاح، الرياض، دار الوطن، 1996م، 8/94.
[57] الوشاح عند العرب خيطان من لؤلؤ مخالف بينهما تتوشح به المرأة. (انظر: ابن بطال، شرح صحيح البخاري، 2/91)
[58] (حُدَياة): تصغير “حدأة” بوزن عنبة: الطائر المعروف. (انظر: السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر، التوشيح شرح الجامع الصحيح، (الرياض مكتبة الرشد، 1998م)، 2/516)
[59] رواه البخاري، صحيح البخاري، كتاب الصلاة، باب نوم المرأة في المسجد، 1/95، الحديث (439).
[60] رواه البخاري، صحيح البخاري، كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي فمات، 2/93، الحديث (1355).
ومسلم، صحيح مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر ابن صياد، 4/2244، الحديث (2931).
[61] ابن سعد، محمد بن سعد بن منيع، الطبقات الكبرى، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1990م)، 2/18، وإسناده صحيح.
[62] رواه ابن ماجه، محمد بن يزيد القزويني، سنن ابن ماجه، (بيروت: دار إحياء الكتب العربية، د.ت)، 1/233، الحديث (707) ، والحديث روي من طريق آخر في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما بلفظ : ” كَانَ المُسْلِمُونَ حِينَ قَدِمُوا المَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلاَةَ لَيْسَ يُنَادَى لَهَا، فَتَكَلَّمُوا يَوْمًا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اتَّخِذُوا نَاقُوسًا مِثْلَ نَاقُوسِ النَّصَارَى ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ بُوقًا مِثْلَ قَرْنِ اليَهُودِ، فَقَالَ عُمَرُ: أَوَلاَ تَبْعَثُونَ رَجُلًا يُنَادِي بِالصَّلاَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا بِلاَلُ قُمْ فَنَادِ بِالصَّلاَةِ»
رواه البخاري، صحيح البخاري، كتاب الأذان، باب بدء الأذان،1/124، الحديث (604).
ومسلم، صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب بدء الأذان، 1/285، الحديث (377).
[63] ابن رجب، عبد الرحمن بن أحمد، فتح الباري شرح صحيح البخاري، المدينة المنورة: مكتبة الغرباء الأثرية، 5/186.
[64] رواه أحمد، أحمد بن محمد بن حنبل، مسند الإمام أحمد، (بيروت: مؤسسة الرسالة،2001م)، 19/79، الحديث (12022)، وإسناده صحيح. ويشهد له ما رواه ابن مسعود رضي الله عنه قال: شَهِدْتُ مِنَ المِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ مَشْهَدًا، لَأَنْ أَكُونَ صَاحِبَهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا عُدِلَ بِهِ، أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَدْعُو عَلَى المُشْرِكِينَ، فَقَالَ: لاَ نَقُولُ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى: اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ، وَلَكِنَّا نُقَاتِلُ عَنْ يَمِينِكَ، وَعَنْ شِمَالِكَ، وَبَيْنَ يَدَيْكَ وَخَلْفَكَ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْرَقَ وَجْهُهُ وَسَرَّهُ.
رواه البخاري، صحيح البخاري، كتاب المغازي، باب قوله تعالى إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم، 5/73، الحديث (3952).
[65] القرطبي، المفهم،3/626.
[66] رواه البخاري، صحيح البخاري، كتاب الدعوات، باب الدعاء عند الاستخارة، 8/81، الحديث (6382).
[67] ابن حجر، فتح الباري، 11/187.