ملخص:

تُعتبر السنة النبوية المصدر التشريعي الثاني بعد القرآن الكريم، وقد اهتمت بكل جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولأن قضية المسجد الأقصى تُعد من أبرز القضايا الإسلامية نجد اهتمام السنة النبوية بهذا المسجد المبارك اهتمامًا كبيرًا، فجاء هذا البحث ليلقي الضوء على أهم نصوص السنة النبوية المبشرة بمستقبل المسجد الأقصى وللتأكيد على أن لفلسطين وبيت المقدس مستقبل كبير ومشرق، واكتفت هذه الدراسة بذكر ثلاث مُبشرات للمسجد الأقصى، أولها: أنَّ المسجد الأقصى سيكون دارًا لهجرة المسلمين بعد ظهور الفتن وغلبة الكفر والفساد، وثانيها: أنَّ الإعمار للمسجد الأقصى مستمر إلى يوم القيامة بتشييد البناء وكثرة السكان، وثالثها: أنَّ مآل الخلافة الراشدة بقيادة المهدي ستكون في بيت المقدس وأرض فلسطين.

مقدمة:

تعتبر قضية المسجد الأقصى من القضايا الوثيقة الصلة بالدين الإسلامي فهي قضية دينية صرفة مهما حاول الغرب إلباسها بلباس السياسة أو الاقتصاد أو العلمنة أو القومية، ولا خير في سياسة أو اقتصاد بعيد عن أحكام الدين الإسلامي الحنيف، لذا لزم استحضار الخطاب الديني الشرعي لقضية المسجد الأقصى، وقد هدفت هذه الدراسة إلى التذكرة بالأحاديث النبوية الشريفة المُبشِّرة بمستقبل بيت المقدس شحذًا للهمم في وجه المؤامرات اليهودية المعاصرة وللتأكيد على أن لفلسطين وبيت المقدس مستقبل كبير ومشرق، وقد جاءت السنة النبوية المطهرة مخصصة لهذا المسجد المبارك بالذكر لترسم لنا رؤية مستقبلية زاهرة منتصرة لمسجدنا الأسير، رؤية تبشر المسلمين كافة أن هذا المسجد عائد لا محالة لأحضان المسلمين.

مشكلة البحث:

إن ما يعيشه العالم الإسلامي من ضعف وانكسار أدى إلى زياد جراح المسجد الأقصى والمتمثلة بجرائم بني صهيون وتشريد الشعب الفلسطيني وتعريضهم لأصناف التعذيب والقهر، ولكن عزاء المسلم الواثق بنصر الله سبحانه وبتحقيق وعده أن هذا المسجد عائد لا محالة لأحضان المسلمين فجاءت هذه الدراسة لتجيب على بعض التساؤلات والتي من أهمها:

هل ورد في السنة النبوية ما يبشر بعودة المسجد الأقصى وانتصار المسلمين وطرد المحتلين؟

هل ثبت أن المسجد الأقصى سيكون دارًا لهجرة المسلمين إليه؟

هل بشَّرت السنة النبوية بعمران بيت المقدس وحمايته من الخراب؟

هل حقًا سيكون بيت المقدس مقرًا للخلافة النبوية في آخر الزمان؟

منهج البحث:

استدعت طبيعة هذا البحث لاستخدام المنهج الاستقرائي لنصوص السنة النبوية التي حملت في طياتها البشارات النبوية لمحاور البحث الأساسية مع وصفها ونقل شروح أئمة السنة النبوية المؤكدة على معانيها المقصودة.

إضافة لاستخدام المنهج الاستنباطي لتحديد البشارات النبوية من خلال الأحاديث التي تم استقراؤها من كتب السنة المعتمدة.

خطة البحث:

 جاءت هذه الدراسة لتلقي الضوء على أبرز نصوص السنة النبوية المتعلقة بمبشرات المستقبل السياسي والاقتصادي لبيت المقدس من خلال محاور ثلاثة مهمة وهي:

  • المسجد الأقصى دار هجرة المسلمين إلى يوم القيامة.
  • المستقبل العمراني لبيت المقدس.
  • بيت المقدس مقر للخلافة النبوية الراشدة بقيادة المهدي.

المبحث الأول: المسجد الأقصى دار هجرة المسلمين إلى يوم القيامة:

المسجد الأقصى هو أحد المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هَذَا، وَمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى “[1].

نقل الحافظ ابن حجر قول السبكي في الحديث: “ليس في الأرض بقعة لها فضل لذاتها حتى تشد الرحال إليها غير البلاد الثلاثة”[2].

وقال الخطابي: “وإنما خص هذه المساجد بذلك لأنها مساجد الأنبياء صلاة الله وسلامه عليهم وقد أمرنا بالاقتداء بهم”[3].

وتشير السنة النبوية إلى استمرارية هجرة المسلمين لفلسطين ولبيت المقدس، وهذا ما دل عليه حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ، فَخِيَارُ أَهْلِ الْأَرْضِ أَلْزَمُهُمْ مُهَاجَرَ إِبْرَاهِيمَ، وَيَبْقَى فِي الْأَرْضِ شِرَارُ أَهْلِهَا تَلْفِظُهُمْ أَرْضُوهُمْ، تَقْذَرُهُمْ نَفْسُ اللَّهِ، وَتَحْشُرُهُمُ النَّارُ مَعَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ”[4]، ففي هذا الحديث إشارة واضحة إلى ارتباط أرض فلسطين بأبي الأنبياء وارتباط المؤمنين بها واتخاذها دار هجرة لهم إلى نهاية العالم.

يقول ابن الأثير: “(المهاجَر): الموضع الذي يهاجر إليه، ومهاجَر إبراهيم خليل الله عليه السلام: هو الشام، فأراد بالهجرة الثانية في قوله: «ستكون هجرةٌ بعد هجرة» الهجرة إلى الشام، يرغب في المقام بها[5].

ويقول ابن رجب: “فهذا كله يدل عَلَى أن خيار الناس في آخر الزمان مهاجرون إلى مهاجر إبراهيم عليه السلام، وهي الشام طوعًا فيجتمعون فيها”[6].

قال أبو سليمان الخطابي رحمه الله: “قوله صلى الله عليه وسلم: «ستكون هجرة بعد هجرة». معنى الهجرة الثانية الهجرة إلى الشام، يرغب في المقام بها وهي مهاجر إبراهيم عليه الصلاة والسلام”[7].

وقال الإمام بدر الدين العيني: “قال صاحب النهاية يريد به الشام لأن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما خرج من العراق مضى إلى الشام وأقام به، فإن قيل: قد تعارضت الأحاديث في هذا الباب فروى البخاري ومسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا، وروى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما قوله: لا هجرة بعد الفتح، وفي رواية له: لا هجرة بعد الفتح اليوم أو بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى البخاري أيضا أن عبيد بن عمرو سأل عائشة رضي الله عنها عن الهجرة فقالت: لا هجرة اليوم كان المؤمنون يفر أحدهم بدينه إلى الله وإلى رسوله مخافة أن يفتن عليه فأما اليوم فقد أظهر الله الإسلام والمؤمن يعبد ربه حيث شاء ولكن جهاد ونية، وروى البخاري ومسلم أيضًا عن مجاشع بن مسعود قال: انطلقت بأبي معبد إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليبايعه على الهجرة قال انقضت الهجرة لأهلها فبايعه على الإسلام والجهاد وفي رواية أنه جاء بأخيه مجالد، وروى أحمد من حديث أبي سعيد الخدري ورافع بن خديج وزيد بن ثابت رضي الله عنهم لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية. فهذه الأحاديث دالة على انقطاع الهجرة وروى أبو داود والنسائي من حديث معاوية رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها، وروى أحمد من حديث ابن السعدي مرفوعًا: لا تنقطع الهجرة مادام العدو يقاتل، وروى أحمد أيضا من حديث جنادة بن أبي أمية مرفوعًا: أن الهجرة لا تنقطع ما كان الجهاد. قلت: وفق الخطابي بين هذه الأحاديث بأن الهجرة كانت في أول الإسلام فرضًا ثم صارت بعد فتح مكة مندوبًا إليها غير مفروضة، قال: فالمنقطعة منها هي الفرض والباقية منها هي الندب”[8].

وذكر العيني أيضًا أن الهجرة خمسة أقسام فقال: وذكر غير واحد من العلماء أن أنواع الهجرة خمسة أقسام: الأول: الهجرة إلى أرض الحبشة. الثاني: الهجرة من مكة إلى المدينة. الثالث: هجرة القبائل إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم. الرابع: هجرة من أسلم من أهل مكة. الخامس: هجرة ما نهى الله عنه، وبقي من الهجرة ثلاثة أنواع أخر، وهي: الهجرة الثانية إلى أرض الحبشة، وهجرة من كان مقيما ببلاد الكفر ولا يقدر على إظهار الدين، فتجب عليه الهجرة، والهجرة إلى الشام في آخر الزمان عند ظهور الفتن”[9].

وقال علي القاري: “المعنى ستكون هجرة إلى الشام بعد هجرة كانت إلى المدينة. قال التوربشتي: وذلك حين تكثر الفتن، ويقل القائمون بأمر الله في البلاد، ويستولي الكفرة الطغاة على بلاد الإسلام، ويبقى الشام تسومها العساكر الإسلامية منصورة على من ناوأهم ظاهرين على الحق حتى يقاتلوا الدجال، فالمهاجر إليها حينئذ فاز بدينه ملتجئ إليها لإصلاح آخرته، يكثر سواد عباد الله الصالحين القائمين بأمر الله تعالى، ولعل الحديث إشارة إلى العصر الذي نحن فيه… كأنه قيل: سيحدث للناس مفارقة من الأوطان، وكل أحد يفارق وطنه إلى آخر، ويهجره هجرة بعد هجرة، فخيارهم من يهاجر أو يرغب إلى مهاجر إبراهيم : – عليه السلام – وهو الشام “[10].

وقال القاضي ناصر الدين البيضاوي: ” أي: ستكون هجرة واجبة بعد الهجرة التي كانت من مكة إلى المدينة، لاستيلاء الكفار على بلاد الإسلام، واختلال أمر الدين فيها، وفيه: خيار الناس هجرة إلى مهاجر إبراهيم عليه السلام، أي: من يهاجر إلى مهاجره وهو الشام، لبقائها في ولاية المسلمين تحميها جنودهم منصورين على من يحاربهم ويتخطى خططهم، كما هو في هذا العصر، ولعل الحديث إشارة إليه”[11].

وقال المُظهري: “مهاجر إبراهيم، أي: مكان هجرته عليه السلام، وهو الشام؛ يعني: فخيارُ الناس الذين يقصِدُون في الهجرة إلى الشامِ بعد ظهور الفتن وغلبةِ الكُفر والفَسَاد في الآفاق، فإن الشام مَصُونٌ في ذلك الوقت عن الفتن”[12].

ويقول ابن المَلَك الكرماني: “(ستكون هجرة بعد هجرة): ستكون هجرة إلى الشام بعد هجرة كانت إلى المدينة، وذلك حين تكثرُ الفتن ويَقِلُّ القائمون بأمر الله تبارك وتعالى في البلاد، ويستولي الكفرة والظلمة على بلاد الإسلام، ويبقى الشام محفوظًا، فالمهاجر إليه فارٌّ لإصلاح آخرته، (إلى مهاجر إبراهيم) – بفتح الجيم – موضع المهاجرة؛ يريد به الشام، لأن إبراهيم عليه السلام لما هاجر من العراق مضى إلى الشام وأقام بها”[13].

من خلال ما سبق يتبين لنا كيف أن نبينا محمد عليه الصلاة والسلام جعل الهجرة إلى أرض الشام هجرة بعد هجرة وهجرة بعد هجرة، أي أن هنالك هجرات متتابعة متواصلة، ففي الحديث إشارة واضحة إلى ارتباط أرض فلسطين بأبي الأنبياء وارتباط المؤمنين بها واتخاذها دار هجرة لهم إلى نهاية العالم، ومَن مِن المسلمين لا يشوق إلى الذهاب إلى بيت المقدس والصلاة فيه ولو ركعتين، فلا تزال أنفس الموحدين تشتاق إلى زيارة المسجد الأقصى.

وقد أخبر شيخ الإسلام ابن تيمية أن خير أهل الأرض من ألزمهم مهاجر إبراهيم، بخلاف من يأتي إليه ثم يذهب عنه، ومهاجر إبراهيم هي الشام، وقد جعل مهاجر إبراهيم يعدل مهاجر نبينا عليه الصلاة والسلام، فإن الهجرة إلى مهاجره انقطعت بفتح مكة[14].

المبحث الثاني: المستقبل العمراني لبيت المقدس:

يُقصد بالعمارة: “نقيض الخراب والبنيان وَمَا يحفظ بِهِ الْمَكَان، والعمران: الْبُنيان وَمَا يعمر بِهِ الْبَلَد وَيحسن حَاله بوساطة الفلاحة والصناعة وَالتِّجَارَة وَكَثْرَة الأهالي ونجح الْأَعْمَال والتمدن”[15].

من التعريف السابق يتضح أنَّ العمران يشمل التخطيط والتصميم لمدينة ما وهي ضد التخريب بجميع أشكاله، وما يقوم به الصهاينة الآن من تدمير للبنية التحتية للمسجد الأقصى بحجة الهيكل المزعوم ما هو إلا نوع من أنواع التخريب والدمار، ولكن الله سبحانه يأبى لهذه المدينة المقدسة إلا العمران والازدهار.

فقد شهد بيت المقدس عناية كبيرة في الجانب المعماري منذ قدم الزمان، فقد اهتم المسلمون بعد الفتح العمري للمسجد الأقصى بالطابع المعماري اهتمامً كبيرًا، وقد ظهر هذا الاهتمام في فترات إسلامية مختلفة من خلال بقايا معمارية ومعالم حضارية تبرز الطابع الفني الإسلامي كالمساجد والمدارس والقباب والزوايا والخانات والأسوار والمآذن والأبراج والأبواب التي برزت ملامحها كميزة دينية أعطت المدينة طابعًا إسلاميًا.

وما أن آلت الخلافة لبني أمية حتى قاموا بالمحافظة على هوية مدينة القدس من خلال بناء عدد من المعالم المعمارية وفتح بعض الشوارع والمرافق الأخرى إلى أن وصل الأمر إلى الخليفة الوليد بن عبد الملك الذي قام بإعمار المسجد الأقصى ورعايته لمكانته عند المسلمين[16].

ثم اهتم العباسيون من بعدهم بمدينة القدس بإعادة إعمار بناء المسجد الأقصى أثر زلزال أصاب بنيانه سنة 158ه[17].

وفي العصر الأيوبي قام السلطان صلاح الدبن بتجديد المسجد الأقصى وإعادة إعمار مسجد الصخرة الشريفة، وإعادة بناء سور المدينة سنة 587ه[18].

كما أنَّ للسلاطين العثمانيين جهودًا جبارة في إعمار بيت المقدس؛ فكانت لهم إسهامات وآفاق ورغبات كبيرة في الحفاظ على معالم القدس بحيث تم رصد (72) عملية إعمار عثماني[19].

واستمرت عملية الإعمار للمسجد الأقصى إلى القرن المعاصر بدءً بجهود المجلس الإسلامي الأعلى ومن أبرز الأعلام الحسين بن علي الذي قام بالإنفاق وتحريك حملات جمع الأموال لتمويل العمارة الإسلامية المقدسية[20].

وهكذا يستمر الإعمار لبيت المقدس إلى يوم الدين بإذن الله ، ومما يدل على ذلك حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “عُمْرَانُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ خَرَابُ يَثْرِبَ، وَخَرَابُ يَثْرِبَ خُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ، وَخُرُوجُ الْمَلْحَمَةِ فَتْحُ قُسْطَنْطِينِيَّةَ، وَفَتْحُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ خُرُوجُ الدَّجَّالِ”[21].

هذا الحديث الشريف ينص على مستقبل عمراني كبير لبيت المقدس في ظل الإسلام، وبقاء الشام بعد خراب غيرها من الأمصار.

يقول علي القاري: “عمران بيت المقدس: عمارته بكثرة الرجال والعقار والمال، وخراب يثرب أي: وقت خراب المدينة، قيل: لأن عمرانه باستيلاء الكفار، وفي الأزهار، قال بعض الشارحين: المراد بعمران بيت المقدس عمرانه بعد خرابه، فإنه يخرب في آخر الزمان، ثم يعمره الكفار، والأصح أن المراد بالعمران الكمال في العمارة، أي: عمران بيت المقدس كاملا مجاوزا عن الحد وقت خراب يثرب، فإن بيت المقدس لا يخرب”[22].

ويقول المُظهري: “عُمران بيتِ المَقدس خَرابُ يَثربَ؛ يعني: بيتُ المقدسِ يخربُ ثم يعمرُ في آخر الزمان، وإذا عمرَ بيتُ المقدس تخربُ يثربُ، وهي المدينة، وعند ذلك تظهر ملحمة؛ أي: حرب عظيمة بين أهل الشام والروم، ثم يفتح المسلمون القسطنطينية، ثم يخرج الدَّجَّالُ”[23].

ويقول أبو الأشبال الزهيري: “فتن يعقب بعضها بعضاً، وأول شيء: عمران بيت المقدس وخراب يثرب، يعني: يخرب يثرب أولاً ويعمر بيت المقدس، وخراب يثرب يعقبه خروج الملحمة الكبرى بين ملل الكفر عموماً وبين أهل الإسلام، وخروج الملحمة، والقسطنطينية -التي هي تركيا- فتحت على يد محمد الفاتح مرة ثم رجعت الآن بعد سقوط الخلافة العثمانية”[24].

ويقول العبَّاد: “المراد بالعمران العمارات بتشييد بنيانها وكونها آهلة بالسكان، وليس المراد بخراب يثرب كثرة الفساد فيها، فإذا كان المقصود بالعمران حقيقته بتشييد البناء وكثرة السكان فيكون مقابله إهمال المدينة وقلة ساكنيها”[25].

ويقول أسامة شحاتة: “الحديث ينص على مستقبل عمراني كبير لبيت المقدس في ظل الإسلام، كما أن المدينة المنورة اليوم تشهد نهضة عمرانية ضخمة، وفي هذا بشارة أن حالة التضييق اليهودية على أهل بيت المقدس لن تستمر من منع صيانة وتوسعة المسجد الأقصى أو بيوت وأسواق المقدسيين، وعسى أن يكون هذا قريبًا عاجلاً بإذنه تعالى”[26].

المبحث الثالث: بيت المقدس مقر للخلافة النبوية الراشدة بقيادة المهدي:

من البشائر التي تؤكد أن الخلافة الراشدة بقيادة المهدي هي ما ستكون في بيت المقدس وأرض فلسطين وهي وعد الله المحقق الذي وعد به عباده في قوله: “وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ” (النور: 55) .

قال الزمخشري: “وعدهم الله أن ينصر الإسلام على الكفر، ويورّثهم الأرض، ويجعلهم فيها خلفاء، كما فعل ببني إسرائيل، حين أورثهم مصر والشام بعد إهلاك الجبابرة، وأن يمكن الدين المرتضى وهو دين الإسلام. وتمكينه: تثبيته وتوطيده، وأن يؤمن سربهم ويزيل عنهم الخوف الذي كانوا عليه”[27].

وقال الشوكاني: “ومعنى ليستخلفنهم في الأرض: ليجعلنهم فيها خلفاء يتصرفون فيها تصرف الملوك في مملوكاتهم، وقد أبعد من قال إنها مختصة بالخلفاء الأربعة، أو بالمهاجرين، أو بأن المراد بالأرض أرض مكة، وقد عرفت أن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وظاهر قوله: كما استخلف الذين من قبلهم كل من استخلفه الله في أرضه فلا يخص ذلك ببني إسرائيل ولا أمة من الأمم دون غيره”[28].

ويقول سبحانه وتعالى مبشرًا بنصرة دينه وعودة الخلافة: “فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً” (الإسراء: 7).

فهذا وعد من الله سبحانه وتعالى بالعودة إلى بيت المقدس منتصرين فاتحين حاكمين.

يقول المراغي في تفسيره: “وليدخلوا المسجد قاهرين فاتحين مذلّين لكم كما دخلوه أول مرة، وليهلكوا ما ادخرتموه وخزنتموه تتبيرًا شديدا، فلا يبقون منه شيئًا”[29].

ويقول عبد الكريم الخطيب: “والذي سيتولّى هذا- بلا شك- هم المسلمون، أصحاب المسجد، الذين دخلوه أول مرة، أيام عمر بن الخطاب رضى الله عنه، والذين سيدخلونه اليوم- إذا شاء الله- كما دخلوه أول مرة، وفى قوله تعالى: «لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ» إشارة إلى هذا الخزي الذي سيلبس بنى إسرائيل، حين تحل بهم الهزيمة، ويقع بهم البلاء، ويهوون هويّا من هذا العلوّ الساحق، الذي تسلقوا إليه متلصصين في الظلام.. ويومها يعرف العالم أنهم هم اليهود، أجبن خلق الله، وإن لبسوا جلود النمور والأسود! – وفى قوله تعالى: «وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ» – إشارة إلى صحوة جديدة، ستبعث القوة، وتعيد الحياة إلى الأمة الإسلامية، وتجدد شبابها، وإذا هي أقرب ما تكون إلى عهد الفتح الأول”[30].

والخلافة النبوية هي الأمل الذي ينتظره المسلمون في جميع بقاع العالم تخليصًا لهم من الظلم الذي لحق بهم وهي الوعد النبوي الشريف الذي أشار له النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: “تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ “[31].

ومما يؤكد أن الخلافة سيكون مآلها في بيت المقدس  حديث عبد الله بن حوالة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: “يَا ابْنَ حَوَالَةَ، إِذَا رَأَيْتَ الْخِلَافَةَ قَدْ نَزَلَتْ أَرْضَ الْمُقَدَّسَةِ فَقَدْ دَنَتِ الزَّلَازِلُ وَالْبَلَابِلُ وَالْأُمُورُ الْعِظَامُ، وَالسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنَ النَّاسِ مِنْ يَدِي هَذِهِ مِنْ رَأْسِكَ[32] ” وهذا الحديث يؤكد الدور السياسي الكبير القادم في فلسطين وبيت المقدس حيث سيكون لها دور كبير وستكون مقر للخلافة النبوية الراشدة.

قال ابن رسلان: “(إذا رأيت الخلافة) أي: حكم من ولي الخلافة (قد نزلت الأرض المقدسة) أي: التي يطهر فيها من الذنوب وهي إيلياء… وفي هذا معجزة عظيمة لرسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فإن عبد الله بن حوالة عاش إلى أن رأى خلافة معاوية بن أبي سفيان في شوال سنة إحدى وأربعين ببيت المقدس، وعاش بعد ذلك إلى أن رأى خلافة عبد الملك بن مروان في سنة ثمانين بالشام، وقال ثور بن يزيد: قدس الأرض الشام، وقدس الشام فلسطين، وقدس فلسطين بيت المقدس، وقدس بيت المقدس الجبل، وقدس الجبل المسجد، وقدس المسجد القبة [33]“.

وذهب الخطابي إلى أن المقصود بالحديث خلافة بني أمية، إذ قال: “وإنما أنذر به صلى الله عليه وسلم أيام بني أمية، وما حدث من الفتن في زمانهم. والمقصود بالأرض المقدسة على هذا القول هو الشام”[34].

وكذلك قال علي القاري: “أي: من المدينة إلى أرض الشام، كما وقعت في إمارة بني أمية”[35].

بينما ذهب بعضهم إلى أن المقصود بالحديث خلافة المهدي والتي مقرها فلسطين، وأن المراد بالأرض المقدسة بيت المقدس.

قال حمود التويجري: “وفي هذا الحديث الصحيح إشارة إلى ما جاء في حديث أبي سعيد -رضي الله عنه- أن المهدي ينزل بيت المقدس”[36] .

ولفظ حديث أبي سعيد رضي الله عنه: قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِي يَقُولُ بِسُنَّتِي، يُنْزِلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَتُخْرِجُ لَهُ الْأَرْضُ مِنْ بَرَكَتِهَا، تُمْلَأُ الْأَرْضُ مِنْهُ قِسْطًا وَعَدْلًا، كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا وَظُلْمًا، يَعْمَلُ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ سَبْعَ سِنِينَ، وَيَنْزِلُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ”[37].

وهذا ما أكد عليه الشيخ سعيد حوى رحمه الله بقوله: “الظاهر أن الحديث في خلافة تكون عاصمتها القدس، وإلى القدس يذهب المسيح عليه السلام بعد نزوله في دمشق، وهذا يشير إلى أن فلسطين وقت ذاك بيد المسلمين، وأن دولة اليهود الحالية ذاهبة منتهية فإذا كان المراد في الحديث خلافة المهدي وهو الاتجاه الأقوى عند العلماء فهذا يدل على أن بيننا وبين المهدي عليه السلام أمداً. والدليل على أن المراد بالحديث خلافة مقرها فلسطين وعاصمتها القدس أن القرآن الكريم وصف فلسطين بالأرض المقدسة، فقال على لسان موسى عليه السلام: {يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} (المائدة:21)، والمعروف أن الأرض التي رفضوا دخولها هي فلسطين، وأن يشع بن نون عليه السلام خليفة موسى عندما بدأ تنفيذ أمر موسى كان ذلك بدخوله أرض فلسطين. وبلاد الشام إنما تأخذ قدسيتها من كونها محيطة بالمسجد الأقصى، قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} (الإسراء:1)، فالبركة مقرها المسجد الأقصى وكل ما قرب منه فهو أكثر قدسية، ولذلك حملنا الحديث على أن المراد به خلافة تكون عاصمتها القدس وقاعدتها أرض فلسطين، ومثل هذا لم يحدث من قبل، والظاهر أن ذلك سابق على نزول المسيح عليه السلام، لأن المسيح يأتي إلى القدس وهي بيد المسلمين ويخرج منها إلى الدجال فيقتله بباب لدّ، وأكثر جند الدجال من اليهود القادمين معه من الخارج بدليل الحديث الصحيح: “يخرج مع الدجال سبعون ألفاً من يهود أصفهان عليهم الطيالسة”. فهؤلاء اليهود الآتون من الخارج هم الذين يقتلهم المسلمون ويدل الحجر والشجر عليهم لأن الوقت وقت خوارق تكون بين يديّ الساعة، فهذا كله وغيره كثير يدلنا على أن دولة اليهود الحالية غير مستمرة إلى وقت نزول المسيح، لا كما يظن كثيرون ومما يدل على ذلك أن الحديث الصحيح يبشر بفتح روما ولم تفتح روما حتى الآن مما يدل على أن دولة عالمية للإسلام ستقوم وهذا لم يحدث ووجودها يتنافى مع بقاء دولة اليهود الحالية ف قلب أقطار الأمة الإسلامية والأمر له بيد الله، وإذا أراد الله شيئاً هيأ أسبابه. أما متى تكون هذه الأمور فغيب لا يعلمه إلا الله عز وجل”[38].

ولا شك أن هذا كلام نفيس جدًا، كيف لا والرسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الحديث الشريف يُبشر الأمة المسلمة بخلافة مسلمة راشدة يكون مقرها في أرض فلسطين الطاهرة في قابل الأيام، وهذا وعد من الصادق المصدوق من ربه سبحانه وتعالى.

ويؤيد معنى هذا الحديث قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “هم في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس[39] ” فعندما يأتي أمر الله يكون آخر ظهور للمسلمين في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس.

ومما ينبغي التنبيه عليه هنا أن الخلافة الراشدة كائنة بحول الله وقدرته  كما ثبتت في حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ  أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ”[40].

هذا الحديث يبشر بقيام خلافة على منهاج النبوة ولكنه لم يحدد زماناً بعينه لذلك، والعلم عند الله أن هذه الخلافة الراشدة غير التي تكون في زمن المهدي المنتظر، فهذه الخلافة بشرى لهذه الأمة الكريمة، وهذا هو أمل الأمة التي يجب عليها أن تتشبث به، وتعمل له بجد ونشاط، وتبذل وتضحي بالغالي والنفيس، وتبذل كل طاقتها لإيجاده، وتعيد البناء الذي بناه النبي صلى الله عليه وسلم.

قال الألباني رحمه الله: “اعلم يا أخي المسلم أن كثيراً من المسلمين اليوم قد انحرفوا عن الصواب في هذا الموضوع، فمنهم من استقر في نفسه أن دولة الإسلام لن تقوم إلا بخروج المهدي! وهذه خرافة وضلالة ألقاها الشيطان في قلوب كثير من العامة، وبخاصة الصوفية منهم، وليس في شيء من أحاديث المهدي ما يشعر بذلك مطلقاً، بل هي كلها لا تخرج عن أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم  بَشَّرَ المسلمين برجل من أهل بيته، ووصفه بصفات بارزة أهمها أنه يحكم بالإسلام وينشر العدل بين الأنام، فهو في الحقيقة من المجددين الذين يبعثهم الله في رأس كل مائة سنة كما صح عنه  صلى الله عليه وآله وسلم “[41].

الخاتمة:

عرضت هذه الدراسة مستقبل بيت المقدس من منظور السنة النبوية، والمتمثلة بمبشرات النبي صلى الله عليه وسلم لبيت المقدس وإن من أهم النتائج التي توصلت لها ما يأتي:

1ـ إن قضية المسجد الأقصى قضية دينية صرفة تهم جميع المسلمين في أرجاء الأرض مهما حاول الغرب إلباسها بلباس السياسة أو الاقتصاد أو العلمنة أو القومية، ولابد من استحضار الخطاب الديني الشرعي لقضية المسجد الأقصى.

2ـ جاءت السنة النبوية المطهرة مخصصة لهذا المسجد المبارك بالذكر لترسم لنا رؤية مستقبلية زاهرة منتصرة لمسجدنا الأسير، رؤية تبشر المسلمين كافة أن هذا المسجد عائد لا محالة لأحضان المسلمين.

3ـ تشير السنة النبوية إلى استمرارية هجرة المسلمين لفلسطين ولبيت المقدس، وهذا ما دل عليه حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “سَتَكُونُ هِجْرَةٌ بَعْدَ هِجْرَةٍ، فَخِيَارُ أَهْلِ الْأَرْضِ أَلْزَمُهُمْ مُهَاجَرَ إِبْرَاهِيمَ”، ففي هذا الحديث إشارة واضحة إلى ارتباط أرض فلسطين بأبي الأنبياء وارتباط المؤمنين بها واتخاذها دار هجرة لهم إلى نهاية العالم، وخيارُ الناس الذين يقصِدُون في الهجرة إلى الشامِ بعد ظهور الفتن وغلبةِ الكُفر والفَسَاد في الآفاق.

4ـ شهد بيت المقدس عناية كبيرة في الجانب المعماري منذ قدم الزمان، فقد اهتم المسلمون بعد الفتح العمري للمسجد الأقصى بالطابع المعماري اهتمامً كبيرًا، وقد ظهر هذا الاهتمام في فترات إسلامية مختلفة من خلال بقايا معمارية ومعالم حضارية تبرز الطابع الفني الإسلامي.

5ـ حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “عُمْرَانُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ خَرَابُ يَثْرِبَ” يُبشر بمستقبل عمراني كبير لبيت المقدس في ظل الإسلام، وبقاء الشام بعد خراب غيرها من الأمصار، وأن عمارة بيت المقدس يكون حقيقته بتشييد البناء وكثرة السكان والكمال في العمارة، أي: عمرانه كاملًا مجاوزًا عن الحد وقت خراب المدينة وإهمالها وقلة ساكنيها.

6ـ وعد الله سبحانه وتعالى أن ينصر الإسلام على الكفر، ويورّث المسلمين الأرض، ويجعلهم فيها خلفاء، كما فعل ببني إسرائيل، حين أورثهم مصر والشام بعد إهلاك الجبابرة، وأن يمكن الدين المرتضى وهو دين الإسلام وذلك بتثبيته وتوطيده، وأن يزيل عنهم الخوف الذي كانوا عليه.

7ـ بَشرت السُّنة النبوية أن الخلافة الراشدة بقيادة المهدي هي ما ستكون في بيت المقدس وأرض فلسطين وعاصمتها القدس وهي وعد الله المحقق الذي وعد به عباده، وإلى القدس يذهب المسيح عليه السلام بعد نزوله في دمشق، وأن دولة اليهود الحالية ذاهبة منتهية، وقد وصف القرآن الكريم أرض فلسطين بالأرض المقدسة، فقال على لسان موسى عليه السلام: {يَاقَوْمِ  ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} (المائدة:21)، والمعروف أن الأرض التي رفضوا دخولها هي فلسطين، وبلاد الشام إنما تأخذ قدسيتها من كونها محيطة بالمسجد الأقصى، والبركة مقرها المسجد الأقصى وكل ما قرب منه فهو أكثر قدسية.


[1] رواه محمد بن إسماعيل البخاري، الجامع المسند الصحيح المختصر، مح. محمد زهير الناصر، (بيروت: دار طوق النجاة، 1422ه)، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، الحديث (1189)، 2/60، ومسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري، المسند الصحيح المختصر، مح. محمد فؤاد عبد الباقي، (بيروت: دار إحياء التراث العربي، د.ت.)، كتاب الحج، باب لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، الحديث (1397)، 2/1014

[2] أحمد بن علي بن حجر، فتح الباري شرح صحيح البخاري، (بيروت: دار المعرفة، 1379ه)، 3/66.

[3] محمد أشرف بن أمير بن علي بن حيدر العظيم أبادي، عون المعبود شرح سنن أبي داود، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1415ه)، 6/12.

[4] رواه أبو داود سليمان بن الأشعث السِّجِسْتاني، سنن أبي داود، مح. محمد محيي الدين عبد الحميد، (بيروت: المكتبة العصرية، د.ت)، كتاب الجهاد، باب في سكنى الشام، 3/4، الحديث (2482).

ورواه أبو عبد الله الحاكم محمد بن عبد الله النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، مح. مصطفى عبد القادر عطا، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1411ه – 1990م)، 4/533، الحديث (8497)، وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.

ورواه أحمد بن الحسين بن علي أبو بكر البيهقي، الأسماء والصفات، (جدة: مكتبة السوادي، 1413 هـ – 1993م)، 2/394، الحديث (970)، وقال: “والحديث تفرد به شهر بن حوشب رضي الله عنه، وروي من وجه آخر عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما موقوفًا عليه في قصة أخرى بهذا اللفظ”.

ورواه أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، المسند، مح. شعيب الأرناؤوط وغيره، (بيروت: مؤسسة الرسالة، 1421 هـ – 2001م) 11/455، الحديث (6871).

والحديث إسناده حسن لأجل شهر بن حوشب، قال الذهبي: “قد ذهب إلى الاحتجاج به جماعة، وقال حرب الكرماني، عن أحمد: ما أحسن حديثه! ووثقه، وهو حمصي، وروى حنبل عن أحمد: ليس به بأس” (الذهبي، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان ميزان الاعتدال في نقد الرجال، مح. علي محمد البجاوي، (بيروت: دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، 1963م)، 2/284.

وقال ابن حجر: “صدوق كثير الإرسال والأوهام”. (ابن حجر، أحمد بن علي بن محمد بن أحمد العسقلاني، تقريب التهذيب، مح. محمد عوامة، (سوريا: دار الرشيد،1986م)، 269.

[5] ابن الأثير، مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد الشيباني الجزري، جامع الأصول في أحاديث الرسول، مح. عبد القادر الأرنؤوط، (دمشق: مكتبة الحلواني – مطبعة الملاح – مكتبة دار البيان، 1972م)، 9/349.

[6] ابن رجب، زين الدين عبد الرحمن بن أحمد، مجموع رسائل الحافظ ابن رجب الحنبلي، مح. طلعت بن فؤاد الحلواني، (مصر: الفاروق الحديثة للطباعة والنشر،2003م)، 3/238.

[7] الخطابي، حمد بن محمد بن إبراهيم، معالم السنن، (حلب: المطبعة العلمية، 1932م)، 2/236.

والحديث وإن كان إسناده ضعيف من أجل شهر بن حوشب، إلا أنه وقد توبع، وله شواهد تقوّيه.

قال الحافظ ابن حجر: سنده لا بأس به. (أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري، (بيروت: دار المعرفة، 1379ه)، 11/380.

[8] محمود بن أحمد بن موسى بن أحمد العيني، عمدة القاري شرح صحيح البخاري، (بيروت: دار إحياء التراث العربي، د.ت.)، 1/29.

[9] العيني، عمدة القاري، 14/80.

[10] أبو الحسن نور الدين الملا علي بن سلطان محمد القاري، مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، (بيروت: دار الفكر، 2002م)، 9/4040.

[11]  ناصر الدين عبد الله بن عمر البيضاوي، تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة، (الكويت: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية،2012م)، 3/581.

[12] الحسين بن محمود بن الحسن المظهري، المفاتيح في شرح المصابيح، (البحرين: دار النوادر، 2012م)، 6/361.

[13] محمَّدُ بنُ عزِّ الدِّينِ عبدِ اللطيف بن الملك الكرماني، شرح مصابيح السنة للإمام البغوي، (إدارة الثقافة الإسلامية، 2012م)، 6/525.

[14] حسن أبو الأشبال الزهيري،  الأرض المقدسة في ضوء الكتاب والسنة، https://al-maktaba.org/book/32344/40

[15] إبراهيم مصطفى وأحمد حسن الزيات وآخرون، المعجم الوسيط، (مصر: دار الدعوة، د.ت.)، 2/627، مادة (عمر).

[16]  محمد بن جرير بن يزيد أبو جعفر الطبري، تاريخ الرسل والملوك، ط2، (بيروت: دار التراث، 1387)، 4/500، 1100.

[17] الطبري، تاريخ الرسل والملوك، 1/259.

[18] محمد بن أحمد بن علي بن عبد الخالق الأسيوطي، إتحاف الأخِصّا بفَضَائل المسجد الأقصى، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتب، 1984م)، 1/180.

[19] إحسان عرسان الرباعي، العمارة الإسلامية في الحرم القدسي الشريف، (عمَّان: الأكاديميون للنشر والتوزيع، 2011م)، ص8.

[20] المصدر السابق، ص 9.

[21] رواه أبو داود، السنن، كتاب الملاحم، باب في أمارات الملاحم، 6/352، الحديث (4294).

وأحمد، المسند، 36/852، الحديث (22023).

وسليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم الطبراني، المعجم الكبير، مح. حمدي بن عبد المجيد السلفي، ط2، (القاهرة: مكتبة ابن تيمية، 1415 هـ – 1994م)،20/108، الحديث (214).

وأبو بكر بن أبي شيبة عبد الله بن محمد العبسي، المصنف في الأحاديث والآثار، مح. كمال يوسف الحوت، (الرياض: مكتبة الرشد ، 1409ه)،   7/490، الحديث (37477).

والحاكم في المستدرك، 4/ 467، الحديث (8297)، وقال: هذا الحديث وإن كان موقوفًا فإن إسناده صحيح على شرط الرجال، ووافقه الذهبي.

والحديث وإن كان هذا الإسناد ضعيفًا لضعف عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان إلا أنه صححه بعض الأئمة.

قال المنذري: في إسناده عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان وكان رجلًا صالحًا وثقه بعضهم وتكلم فيه غير واحد. (تهذيب سنن أبي داود للمنذري (6/ 164).

وقال ابن كثير: هذا إسناد جيد وحديث حسن وعليه نور الصدق وجلالة النبوة. (إسماعيل بن عمر ابن كثير، النهاية في الفتن والملاحم، (بيروت: دار الجيل، 1988م)، 1/94).

وقال الألباني: صحيح: (محمد ناصر الدين الألباني، صحيح الجامع الصغير وزياداته، (بيروت: المكتب الإسلامي، د.ت.)، 2/754

[22] علي القاري، مرقاة المفاتيح، 8/3417

[23] المظهري، المفاتيح في شرح المصابيح، 5/378.

[24] الزهيري، الأرض المقدسة، 1/20

[25] عبد المحسن بن حمد العباد، شرح سنن أبي داود، http://www.islamweb.net

[26] أسامة شحاتة، بيت المقدس من الإيمان بالغيب إلى مستقبله في السنة النبوية، مقالة منشورة في موقع مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية.

[27] أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد الزمخشري جار الله، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، ط3، (بيروت: دار الكتاب العربي، 1407 هـ)، 3/251.

[28] محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني اليمني، فتح القدير، (دمشق: دار ابن كثير، 1414 هـ)، 4/55.

[29] أحمد بن مصطفى المراغي، تفسير المراغي، (مصر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده، 1365 هـ – 1946 م)، 15/15.

[30] عبد الكريم يونس الخطيب، التفسير القرآني للقرآن، (القاهرة، دار الفكر العربي، د.ت.)، 8/455-456.

[31] رواه أحمد، المسند، 30/355، الحديث (18406) وقال محققه الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده حسن.

ورواه أبو داود سليمان بن داود بن الجارود الطيالسي، مسند أبي داود الطيالسي، مح. محمد بن عبد المحسن التركي، (مصر: دار هجر، 1419 هـ – 1999م)، 1/349، الحديث (439).

وأبو بكر أحمد بن عمرو بن خلاد البزار، مسند البزار (البحر الزخار)، مح. محفوظ الرحمن زين الله، (المدينة المنورة: مكتبة العلوم والحكم)، 7/223.

[32] رواه أبو داود، السنن، كتاب الجهاد، باب في الرجل يغزو يلتمس الأجر والغنيمة، 3/19، الحديث (2535).

وأحمد بن الحسين بن علي بن موسى أبو بكر البيهقي، دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1405ه)، 6/328.

وسليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم الطبراني، مسند الشاميين، مح. حمدي بن عبد المجيد السلفي، (بيروت: مؤسسة الرسالة، 1405 – 1984)، 3/173، الحديث (2019).

وأحمد، المسند، 37/151، الحديث (22487).

والحاكم، المستدرك، 4/471، الحديث (8309)، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

وقال الشيخ الألباني: صحيح.

وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط: ضعيف. معاوية بن صالح -وهو ابن حُدير الحضرمي، وإن كان ثقة- يقع في حديثه إفرادات يهم فيها، وفى حديثه هذا نكارة.

[33] شهاب الدين أبو العباس أحمد بن حسين بن علي بن رسلان المقدسي، شرح سنن أبي داود، (الفيوم: دار الفلاح للبحث العلمي وتحقيق التراث، 2016م)، 11/172

[34] أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب البستي الخطابي، معالم السنن، (حلب: المطبعة العلمية، 1351 هـ – 1932 م)، 2/247.

[35] علي القاري، مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، 8/3435.

[36]  حمود بن عبد الله بن حمود بن عبد الرحمن التويجري، إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة، ط2، (الرياض: دار الصميعي للنشر والتوزيع، الرياض، 1414 هـ)، 2/280.

[37] رواه سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم الطبراني، المعجم الأوسط، مح. طارق بن عوض الله بن محمد وعبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، (القاهرة: دار الحرمين، د.ت.)، 2/15، الحديث (1075)، وقال: “روى هذا الحديث جماعة عن أبي الصديق، فلم يدخل أحد ممن رواه بينه وبين أبي سعيد أحدا إلا أبو واصل”.

وقال الهيثمي: “وفيه من لم أعرفهم” (انظر: أبو الحسن نور الدين علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، تح. حسام الدين القدسي، (القاهرة: مكتبة القدسي، 1414 هـ، 1994 م)، 7/317.

[38] سعيد حوى، الأساس في السنة وفقهها /العقائد الإسلامية، ط2، (مصر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، 1412 هـ – 1992 م)، 2/1017.

[39] رواه الإمام أحمد، المسند، 36/656، الحديث (22319)، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: حديث صحيح لغيره دون قوله: ” قالوا: يا رسول الله وأين هم … إلخ ” وهذا إسناد ضعيف لجهالة عمرو بن عبد الله الشيباني الحضرمي.

[40] رواه الإمام أحمد، المسند، 30/355، الحديث (18406)، وأبو بكر البزار، المسند، 7/223، الحديث (2796). والحديث حسنه الأرناؤوط، وصححه الألباني.

[41] محمد بن ناصر الدين الألباني، موسوعة الألباني في العقيدة، (صنعاء، مركز النعمان للبحوث والدراسات الإسلامية وتحقيق التراث والترجمة، 1431 هـ – 2010 م)، 9/297.