مقدمة
تميزت الشريعة الإسلامية بأخلاقيات عادلة لم تشهدها الشرائع السابقة لها، وتجلت تلك الأخلاقيات في أصعب وأشد المواقف التي تحمل الانتقام وسفك الدماء، فضربت أروع الأمثلة في الأخلاق الحربية التي أمرت بها السنة النبوية المتمثلة بقائدها وقدوتها نبي الرحمة محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم والذي وضع منهجًا حكيمًا شرع فيه أخلاقًا خاصة بالحروب، وهذا ما ستتناوله هذه الدراسة.
أهمية الدراسة:
تكمن أهمية هذه الدراسة في إثبات أن الإسلام لم يترك الحرب دون قيود أو قانون، وإنما وضع لها ضوابط وحدود، فجعلها مضبوطة بالأخلاق ولا تسيرها الشهوات، كما جعلها ضد الطغاة والمعتدين لا ضد البرآء والمسالمين، فكان الإسلام ثورة على الظلم والظلام، ودعوة للحق والسلام، إذ بشّر بالقيم الكونية والحقوق الطبيعية بكل معانيها، وأكد على ضمان حقوق الإنسان في زمن الحرب فعلًا وقولًا.
مشكلة الدراسة:
انتشرت في الآونة الأخيرة أعمال وسلوكيات وتصرفات ما يقشعر لها الأبدان من مشاهد تعذيب وقتل وانتهاك لحقوق الآخرين والتي نهانا عنها الإسلام في تعاليمه الرحيمة حتى مع ألدِّ أعدائه من قبل أقوام يدعون أنهم يحاربون الإرهاب وهم أكثر الناس إرهابًا وظلمًا وإجرامًا، وقد لا نبالغ إن قلنا إن القرن العشرين هو القرن الذي شهد فيه الإنسان أعنف مظاهر العنف وأشدها تدميرًا، سواء على مستويات الفرد أو الجماعة أو البيئة فجاءت هذه الدراسة لتبين أخلاقيات الحروب التي أمر بها نبي الرحمة عليه أفضل الصلاة والتسليم والتي أصبحت منهجًا عامًا لجميع المسلمين في حروبهم وذلك من خلال الإجابة على بعض التساؤلات ومنها:
هل هناك مقاصد معينة شرعها الإسلام من قتال الأعداء؟
ما الأخلاق التي سنّها النبي صلى الله عليه وسلم في الحروب وأمر بها أصحابه وأمته بالتحلي بها؟
ما الحكمة من نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل طائفة من الأعداء؟
منهجية الدراسة:
استدعت طبيعة هذه الدراسة استخدام المنهج الاستقرائي وذلك باستقراء نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المبينة لمقاصد الجهاد، والمبينة لأخلاقيات الحروب التي شرعها نبي الرحمة عليه أفضل الصلاة والتسليم، وكذلك المنهج الوصفي لوصف كيفية تطبيق الصحابة رضوان الله عليهم ومن جاء بعدهم لتلك الأخلاق.
وقد استدعت طبيعة هذه الدراسة تقسيمها لمبحثين: الأول بعنوان: التعريف بالحرب والجهاد وبيان مقاصده في الإسلام، والثاني بعنوان: معالم السنة الأخلاقية في الحروب.
.1 التعريف بالحرب والجهاد وبيان مقاصده في الإسلام
.1.1 تعريف الحرب والجهاد
الحرب في اللغة:
الحرب في اللغة: نقيض السلم[1] وتُطلق الحرب في اللغة ويُراد بها عدة معاني منها:
القتل: ومنه قوله تعالى: “فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ” (البقرة:279) أي بقتل[2].
المعصية: ومنه قوله تعالى: “إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ” (المائدة:33) أي يعصونه[3].
السلْب: فيُقال: حَرَبْتُهُ مَالَهُ، وَقَدْ حُرِبَ مَالَهُ، أَيْ سُلِبَهُ [4].
الغضب: حَرِب الرجل اشْتَدَّ غَضَبُهُ، فَهُوَ حَرِبٌ [5].
الويل والهلاك: يقال واحرباه عند إظهار الحزن والتأسف[6].
هذه معاني العرب في اللغة إلا أن المعنى المتبادر للذهن والمتداول والمشهور للحرب هو القتال وهو ضد السلام.
الحرب في الاصطلاح:
من الفقهاء المعاصرين الذين عرّفوا مصطلح الحرب سيد سابق رحمه الله فقال:
“والحرب: هي القتال المسلح بين دولتين فأكثر”[7].
وعرف أهل القانون الحرب بأنها:
” القتال بالسلاح بين أطراف دولية يسعى فيه كل طرف إلى إخضاع خصمه بالقوة”[8].
وعُرفت بأنها: “نزاع مسلَّح بين أطراف القانون الدولي بقصد الوصول إلى هدف سياسي، ونعني بالنزاع المسلَّح: اللجوء إلى القوة بشكل عام وغير محدود”[9].
ومصطلح الحرب يدخل في مفهومه الجهاد في سبيل الله إذا كان بين المسلمين وأعدائهم:
والجهاد في اللغة:
“مصدر الفعل الرباعي: جاهد، على وزن (فِعال) بمعنى المفاعلة من طرفين، والجهد: الطاقة، والمشقة، واجْهَدَ جهدك: ابلُغ غايتك”[10].
وفي الاصطلاح:
“بذل الوسع في القتال في سبيل الله مباشرة أو معاونة بمال أو رأي أو تكثير سواء دعوة الكفار إلى الدين الحق وقتالهم إن لم يقبلوا”[11].
وعُرف أيضًا بأنه: “قتال المسلم كافراً غير ذي عهد لإعلاء كلمة الله أو حضوره له، أو دخوله في أرضه”[12].
.2.1مقاصد الجهاد في الإسلام
شرع الله سبحانه القتال ومحاربة الأعداء لمقاصد عظيمة وأهداف نبيله فيها صلاح للفرد والمجتمع وحفاظ على دين الإسلام ومن أبرز هذه المقاصد ما يأتي:
1ـ توحيد الله سبحانه وإعلاء كلمة الله في الأرض
قال الله تعالى: “وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلا عَلَى الظَّالِمِينَ” (البقرة:193). وقال سبحانه: “وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ” (الأنفال :39).
قال الطبري رحمه الله (ت310ه): “فقاتلوهم حتى لا يكون شرك، ولا يعبد إلا الله وحده لا شريك له، فيرتفع البلاء عن عباد الله من الأرض، وهو الفتنة ويكون الدين كله لله، وحتى تكون الطاعة والعبادة كلها خالصة دون غيره”[13] .
وقال ابن كثير رحمه الله (ت774هـ): “أمر تعالى بقتال الكفار حتى لا تكون فتنة أي شرك ويكون الدين لله أي يكون دين الله هو الظاهر على سائر الأديان”[14].
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: “أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّ الإِسْلامِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ”[15].
2ـ رد العدوان وحماية المقدسات الإسلامية
يتعين الجهاد إذا دخل العدو بلدًا من بلاد المسلمين لأن حماية الأرض والمقدسات من أعظم مقاصد الجهاد ويصبح فرض عين على كل مسلم، قال الله تعالى: “وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ” (البقرة :190).
قال الزركشي رحمه الله (ت 772ه): إذا نزل الكفار ببلد تعين على أهله قتالهم والنفير إليهم، لأنهم في معنى حاضري الصف فتعين عليهم كما تعين عليه لعموم قوله تعالى: “انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ”. (التوبة:41) [16].
وقال تعالى: “أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ” (التوبة:13).
قال القرطبيُّ رحمه الله (ت 671ه): “حضٌّ على الجهاد، وهو يتضمَّن تخليص المستضعفين من أيدي الكفرة المشركين؛ الذين يسومونهم سوء العذاب، ويفتنونهم عن الدِّين؛ فأوجب تعالى الجهاد لإعلاء كلمته، وإظهار دينه، واستنقاذ المؤمنين الضُّعفاء من عبادِه، وإن كان في ذلك تلفُ النُّفوس. وتخليص الأُسارى واجبٌ على جماعة المسلمين؛ إمَّا بالقتال، وإمَّا بالأموال، وذلك أوجب لكونها دون النُّفوس؛ إذ هي أهون منها”[17].
وقد نصَّ الفقهاء على أنَّه إذا اعتدى الكفار على ديار المسلمين؛ يتعيَّن الجهاد للدِّفاع عن الدِّيار.
قال ابن قدامة رحمه الله (ت 620هـ): “ويتعيَّن الجهاد في ثلاثة مواضع: …الثاني: إذا نزل الكفار ببلدٍ معيَّنٍ على أهله قتالُهم، ودفعُهم”[18].
وقال تعالى: “الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ” (الحج:40(.
قال البغوي رحمه الله (ت 510هـ): “ومعنى الآية ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض بالمجاهدة وإقامة شرائع كل ملة لهدم في شريعة كل نبي مكان صلاتهم، لهدم في زمن موسى الكنائس، وفي زمن عيسى البيع والصوامع، وفي زمن محمد صلى الله عليه وسلم المساجد”[19].
وقال النَّسفي رحمه الله (ت710ه): “أي: لولا إظهاره، وتسليطه المسلمين على الكافرين بالمجاهدة؛ لاستولى المشركون على أهل الملل المختلفة في أزمنتهم، وعلى متعبَّداتهم، فهدموها، ولم يتركوا للنَّصارى بيعاً، ولا لرهبانهم صوامع، ولا لليهود صلواتٍ؛ أي: كنائس، ولا للمسلمين مساجد، أو لغلب المشركون في أمَّة محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم على المسلمين، وعلى أهل الكتاب الَّذين في ذمَّتهم، وهدموا متعبَّدات الفريقين، وقدَّم غير المساجد عليها؛ لتقدُّمها وجوداً، أو لقربها من التَّهديم”[20].
3ـ كشف المنافقين:
قد يندس بين المسلمين من لا هدف لهم إلا المصلحة المالية ولا غاية لهم في إعلاء كلمة الله فتراهم يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، وقد يخفى أمرهم على المسلمين، وأكبر كاشف لهم الجهاد في سبيل الله لما فيه من بذل للنفس في سبيل الله وهذا ما لا يصعب على المنافق فعله.
قال الله تعالى: “مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ” (آل عمران:179).
قال ابن كثير: أي: لابدَّ أن يعقد سبباً من المحنة يظهر فيه وليُّه، ويفتضح فيه عدوُّه، يعرف به المؤمن الصَّابر، والمنافق الفاجر، يعني بذلك يوم أُحُد، الذي امتحن الله به المؤمنين، فظهر به إيمانُهم، وصبرُهم، وجلَدُهم، وثباتُهم، وطاعتُهم لله، ورسولِه صلى الله عليه وسلم، وهتك به سِتْرَ المنافقين، فظهر مخالفتُهم، ونكولُهم عن الجهاد، وخيانتهم للهِ، ولرسوله صلى الله عليه وسلم”[21].
قال ابن القيم رحمه الله (ت751ه): أي ما كان الله ليذركم على ما أنتم عليه من التباس المؤمنين بالمنافقين، حتى يميز أهل الإيمان من أهل النفاق، كما ميزهم بالمحنة يوم أحد، وما كان الله ليطلعكم على الغيب الذي يميز به بين هؤلاء وهؤلاء، فإنهم متميزون في غيبه وعلمه، وهو سبحانه يريد أن يميزهم تمييزا مشهودا، فيقع معلومُه الذي هو غيبٌ شهادةً”[22].
تقول الدكتورة إسراء محمود عيد المتخصصة في علم القراءات في قوله تعالى: “لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ” [التوبة: 9/47]، “هذه القراءة المتواترة، وفي القراءة الشاذة عن ابن الزبير: (ولأوقصوا)، وعنه: (ولأرقصوا)، وعنه: (ولأرفضوا) من (رفض) أسرع في مشيه، تتكلم الآية عن المنافقين الذين تخلفوا عن الخروج مع المسلمين للقتال، ولو خرجوا لسعوا بين المسلمين بالتضريب والنمائم، والقراءة المتواترة (ولأوضعوا) من أوضع الرجل إذا سار بنفسه سيرًا حثيثًا من غير أن يراد أنه وضع ناقته، وقد بيّنت فعلهم الجاد الحثيث في التخريب بين المسلمين، وأضافت القراءات الشاذة صفة الإسراع في هذا الفعل للدلالة على مُبالغتهم فيه”[23].
ففي كلا القراءتين المتواترة والشاذة دلالة واضحة على أن الجهاد فاضح المنافقين وكاشف لنواياهم الخبيثة.
4ـ اتخاذ الشهداء وتمحيص الصفوف
يتفاوت المسلمون في الصدق والولاء للدين الإسلامي ومن مقاصد الجهاد في سبيل الله التمحيص وتنقية الصفوف واتخاذ شهداء من هذه الأمة لرفعة درجاتهم.
قال تعالى: “إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ، وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ” (آل عمران:140-141).
قال ابن القيم: فالشهادة عند الله من أعلى مراتب أوليائه، والشهداء هم خواصه والمقربون من عباده، وليس بعد درجة الصديقية إلا الشهادة، وهو سبحانه يحب أن يتخذ من عباده شهداء، تراق دماؤهم في محبته ومرضاته، ويؤثرون رضاه ومحابه على نفوسهم، ولا سبيل إلى نيل هذه الدرجة إلا بتقدير الأسباب المفضية إليها من تسليط العدو”[24].
“وهذا من عظيم فضل الله ومنِّه؛ ألّا يتساوى المؤمن والكافر، والصادق والمنافق، فالله تعالى اسمه العدل، وحاشاه أن يظلم مثقال ذرة من خردل، فيُرسل جنده ومنهم المحن للتمحيص والتمييز بين عباده، فسِلعة الله غالية ولا يدخُلها إلا من يفوز بهذا الاختبار”[25].
5ـ درء الفساد من الأرض
قال تعالى: “وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ” (البقرة :251).
قال الزمخشري رحمه الله (ت538ه): “ولولا أنَّ الله يدفع بعض النَّاس ببعض، ويكفَّ بهم فسادهم؛ لغلب المفسدون، وفسدت الأرض، وبطلت منافعها، وتعطَّلت مصالحها؛ من الحرث، والنَّسل، وسائر ما يعمر الأرض”[26].
وقال ابن كثيرٍ رحمه الله: “أي: لولاه يدفع عن قومٍ بآخرين، كما دفع عن بني إسرائيل بمقاتلة طالوت، وشجاعة داود؛ لهلكوا”[27].
6ـ إرهاب الكافرين ومحقهم وإخزائهم
من مقاصد الجهاد في سبيل الله تخويف وإرهاب أعداء الله مما يسبب لهم الرعب في قلوبهم والهيبة من ملاقاة جيش المسلمين.
قال تعالى: “قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمْ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ” (التوبة :14-15).
قال البغوي في تفسير الآية: “يقتلهم الله بأيديكم، ويخزهم، ويذلهم بالأسر والقهر، وينصركم عليهم ويشف صدور قوم، ويبرىء داء قلوب قوم مؤمنين، مما كانوا ينالونه من الأذى منهم”[28].
وقال تعالى: “وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ” (الأنفال :60).
قال البغوي: “ترهبون به، تخوفون به عدو الله وعدوكم وآخرين، أي: وترهبون آخرين، من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم”[29].
وعن عُقْبَةَ بن عامر رضي الله عنه، قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، يَقُولُ: “وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ” (الأنفال: 60)، أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ، أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ، أَلَا إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ”[30].
قال النووي: “هذا تصريح بتفسيرها ورد لما يحكيه المفسرون من الأقوال سوى هذا وفيه وفي الأحاديث بعده فضيلة الرمي والمناضلة والاعتناء بذلك بنية الجهاد في سبيل الله تعالى وكذلك المشاجعة وسائر أنواع استعمال السلاح وكذا المسابقة بالخيل وغيرها، والمراد بهذا كله التمرن على القتال والتدرب والتحذق فيه ورياضة الأعضاء بذلك”[31].
7ـ نصر المستضعفين من المسلمين، ورفع الظلم عن المظلومين.
نصر وتحرير المستضعفين من أهم مقاصد الجهاد في سبيل الله لتحريرهم من ذلل العبودية والطغيان.
قال تعالى: “وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا”. (النساء:75).
قال الطبري رحمه الله: “فحض الله المؤمنين على استنقاذهم من أيدي من قد غلبهم على أنفسهم من الكفار، فقال لهم: وما شأنكم لا تقاتلون في سبيل الله وعن مستضعفي أهل دينكم وملتكم الذين قد استضعفهم الكفار فاستذلوهم ابتغاء فتنتهم وصدهم عن دينهم من الرجال والنساء”[32].
كما أن رفع الظلم عن المظلومين من أبرز مقاصد الجهاد في سبيل الله، قال تعالى: “أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ”. (الحج:39).
قال الزمخشري: “والمعنى: أذن لهم في القتال، فحذف المأذون فيه لدلالة يقاتلون عليه بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا، أي بسبب كونهم مظلومين وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان مشركو مكة يؤذونهم أذى شديدا، وكانوا يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين مضروب ومشجوج يتظلمون إليه، فيقول لهم: اصبروا فإني لم أومر بالقتال، حتى هاجر فأنزلت هذه الآية، وهي أول آية أذن فيها بالقتال بعد ما نهى عنه”[33].
.2 معالم السنة الأخلاقية في الحروب
إن طبيعة الجهاد في الإسلام مستمدة من طبيعة الإسلام الهادفة إلى الدعوة إلى عبادة الله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له، والدين الإسلامي دين أدب وأخلاق حتى في قتال الأعداء، لذا عندما فرض الإسلام الجهاد جعل له نظاماً وآدابا تتسم بالعدالة والدقة وعدم التجاوز والتعدي، وهذا ما سنتعرف عليه في هذا المبحث من الضوابط الشرعية للجهاد.
1ـ الدعوة للإسلام قبل بدء القتال:
من أبرز أخلاقيات النبوة في القتال دعوة الكفار للإسلام قبل بدء القتال فلا يجوز قتالهم قبل تبليغ الدعوة التي هي الهدف الأسمى من الجهاد فإذا رفضوا إلا القتال ورفضوا الصلح ودفع الجزية كان لابد من استعمال السيف، والدليل على ذلك حديث سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضى الله عنه سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ يَوْمَ خَيْبَرَ: “لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلاً يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ”، فَقَامُوا يَرْجُونَ لِذَلِكَ أَيُّهُمْ يُعْطَى، فَغَدَوْا وَكُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَى فَقَالَ: “أَيْنَ عَلِىٌّ؟”، فَقِيلَ يَشْتَكِى عَيْنَيْهِ، فَأَمَرَ فَدُعِيَ لَهُ، فَبَصَقَ فِي عَيْنَيْهِ، فَبَرَأَ مَكَانَهُ حَتَّى كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِهِ شَيءٌ فَقَالَ نُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا، فَقَالَ: “عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ، فَوَاللَّهِ لأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ”.([34])
وعن أنس رضي الله عنه قال: “كانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا غَزَا قَوْمًا لَمْ يُغِرْ حَتَّى يُصْبِحَ، فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا أَغَارَ بَعْدَ مَا يُصْبِحُ، فَنَزَلْنَا خَيْبَرَ لَيْلًا”[35].
قال ابن عبد البر رحمه الله: ” (فإن سمع أذانا أمسك وإلا أغار) فهذا كله دليل على أنه ربما لم يدع وذلك فيمن بلغته الدعوة فأما من لم تبلغه الدعوة لبعد داره فلا بد من دعائه قال الله عز وجل وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا”[36].
قال الشوكاني: “فيه دليل على وجوب تقديم دعاء الكفار إلى الإسلام قبل المقاتلة.
وفي المسألة ثلاثة مذاهب: الأول: أنه يجب تقديم الدعاء للكفار إلى الإسلام من غير فرق بين من بلغته الدعوة منهم ومن لم تبلغه، وبه قال مالك والهادوية وغيرهم، وظاهر الحديث معهم. والمذهب الثاني أنه لا يجب مطلقًا، والمذهب الثالث: أنه يجب لمن لم تبلغهم الدعوة ولا يجب إن بلغتهم لكن يستحب. قال ابن المنذر: وهو قول جمهور أهل العلم وقد تظاهرت الأحاديث لصحيحة على معناه”[37].
2ـ النهي عن قتل الشيوخ والنساء والأطفال:
من أسمى الأخلاق التي أمر بها نبي الرحمة في القتال مع الأعداء تجنب قتل الشيوخ والنساء والأطفال، ذلك لعلمه صلى الله عليه وسلم أن هؤلاء لا دخل لهم فيما يجري من قتال بين الطرفين، ولا يوجد أي مبرر لقتلهم وهذا الخلق مما تميزت به شريعتنا الغراء وسبقت غيرها من الشرائع إليه، وهو على نقيض ما يفعله أعداء الله مع المسلمين في حروبهم فلم يراعوا في ذلك حرمة شيخ كبير ولا حرمة امرأة عازلة ولم ترق قلوبهم لأطفال رضع، ومما يدل على تشريع هذا الخلق العظيم، ما رواه بريدة الأسلمي رضي الله عنه قال: “كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذا أَمَّرَ أَمِيرًا على جَيْشٍ، أَوْ سَرِيَّةٍ، أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللهِ، وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: اغْزُوا بِاسْمِ اللهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللهِ، اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا”[38].
وفي رواية الطحاوي: “لا تقتلوا وليدًا ولا امرأة”[39].
وعند الطبراني في الأوسط: “ولا تقتلوا وليدًا، ولا شيخًا كبيرًا”[40]. وفي الصغير: “وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، وَلا امْرَأَةً، وَلا شَيْخًا كَبِيرًا”[41].
قال ابن عبد البر رحمه الله (ت463هـ): “أجمع العلماء على القول بهذا الحديث ولم يختلفوا في شيء منه فلا يجوز عندهم الغلول ولا الغدر ولا المثلة ولا قتل الأطفال في دار الحرب”[42].
أما عن سبب النهي عن قتل الصبيان فلأنهم لا ضرر منهم ولا نكاية وخاصة إذا لم يحملوا السلاح بوجه المسلمين، وفي ذلك يقول الشيخ المازري المالكي رحمه الله (ت536هـ) في قوله: (ولا تقتلوا وليدًا): “إنما ذلك لأن الأطفال لا نكاية فيهم ولا قتال ولا ضرر بأهل الإِسلام بل هم لهم من جملة الأموال ولم يبلغوا التكليف فلهذا لم يُقتلوا”[43].
وكذلك النهي عن قتل الرّهبان والنساء الذين لم يرفعوا السلاح بوجه المسلمين فلا ضرر يخاف عليه منهم، وهم من جملة الأموال التي يغنمها المسلمون.
قال أبو العباس القرطبي رحمه الله (ت656 هـ): “وإنما نهى عن قتل الرهبان والنساء؛ لأنهم لا يكون منهم قتال غالبًا، فإن كان منهم قتال أو تدبير أو أذىً قُتلوا؛ ولأن الذراري والأولاد مالٌ، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال”[44].
كما ثبت النهي عن قتل النساء والصبيان في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: وُجِدَتِ امْرَأَةٌ مَقْتُولَةً فِي بَعْضِ مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ”[45].
قال ابن بطال رحمه الله (449هـ): “ولا يجوز عند جميع العلماء قصد قتل نساء الحربيين ولا أطفالهم؛ لأنهم ليسوا ممن قاتل في الغالب” وقال تعالى: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم) (البقرة:190)، وبذلك حكم رسول الله في مغازيه أن تُقتل المقاتلة وتسبى الذرية؛ لأنهم مال للمسلمين إذا سبوا، واتفق الجمهور على أنّ النساء والصبيان إذا قاتلوا قتلوا”[46].
أما عن النهي عن قتل الشيوخ فالأمر كذلك لأنهم مما لا ضرر منهم يرتجى إلا إذا رفعوا السلاح بوجه المسلمين أو كان لهم رأي ومشورة للأعداء فيها تحريض لقتال المسلمين، كما كان من أمر دريد بن الصمة يوم حنين وهو شيخ كبير إلا أنه كانت له معونة في الرأي أشد من القتال لذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله.
قال ابن بطال رحمه الله: “النهى من الرسول في قتل الشيوخ هم الذين لا معونة لهم على شيء من أمر الحرب في قتل ولا رأي. وحديث دريد في الشيوخ الذين لهم معونة في الحرب كما كان لدريد، فلا بأس بقتلهم، وإن لم يكونوا يقاتلون”[47].
يتبين لنا من خلال ما سبق خلق النبي صلى الله عليه وسلم الذي وضعه للمسلمين وأمرهم بالتحلي به في قتالهم للأعداء وهو النهي عن قتل النساء والأطفال والشيوخ ممن لم يقاتل مع الأعداء ولم يرفع سلاحًا بوجه المسلمين ولم يكن له أثر في رأي أو تحريض للقتال، فهؤلاء لا يجوز قتلهم ولا مسهم بأذى وهذا الخلق السّامى الذي تمثل له المسلمون بالسمع والطاعة منذ زمن الرسالة إلى وقتنا المعاصر ليدل دلالة واضحة على سمو ورفعة رسالة الإسلام وأنها رسالة تتحلى بمكارم الأخلاق حتى في أقسى المواقف وهي القتال ومواجهة الأعداء، على العكس تمامًا من أخلاق أعداء الله الذين لايرقبون إلًّا ولاذمة ولا خلق لهم ولا رحمة فنجدهم أكثر الناس قساوة وضراوة، نُزعت من قلوبهم الرحمة فيقصفون المدن الآمنة المطمئنة المأهولة بالسكان المدنيين غير المقاتلين فيسقط الآلاف المؤلفة من الأطفال والنساء والشيوخ بلا ذنب اقترفوه، فشتان شتان بين أخلاق المسلمين وأخلاق أعداء الله من اليهود وغيرهم.
3ـ النهي عن قتل المتعبِّدين
مما يدل على سماحة وعدل الإسلام احترام المتعبدين في صوامعهم حتى ولو كانوا على غير دين الإسلام، لذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إيذائهم والتعرض لهم وقتلهم، ومما روي في ذلك ما أخبر به عبد الله بن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانَ إِذَا بَعَثَ جُيُوشَهُ، قال: “لاَ تَقْتُلُوا أَصْحَابَ الصَّوَامِعِ”[48].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث جُيُوشَهُ قال: “اخْرُجُوا بِسْمِ اللهِ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ مَنْ كَفَرَ بِاللهِ، لَا تَغْدِرُوا، وَلا تَغُلُّوا، وَلا تُمَثِّلُوا، وَلا تَقْتُلُوا الْوِلْدَانَ، وَلا أَصْحَابَ الصَّوَامِعِ”[49].
ومن المعلوم أن أصحاب الصوامع لا يشاركون في القتال على الأغلب وهم بعيدون عن الناس لذا جاء استثناؤهم من القتل.
قال ابن عبد البر: “ولا أصحاب الصَّوامع الذين طيَّنوا الباب عليهم ولا يخالطون الناس، قال مالك: وأرى أن يترك لهم من أموالهم ما يعيشون به ومن خيف منه شيء قتل”[50].
وقال ابن تيمية رحمه الله (ت728هـ): “وإنما نهى عن قتل هؤلاء؛ لأنهم قوم منقطعون عن الناس محبوسون في الصَّوامع يسمَّى أحدهم حبيسًا لا يعاونون أهل دينهم على أمر فيه ضرر على المسلمين أصلًا ولا يخالطونهم في دنياهم؛ ولكن يكتفي أحدهم بقدر ما يتبلغ به.[51]“
وقال الشوكاني(ت1250هـ): “فيه دليل على أنه لا يجوز قتل من كان متخليًا للعبادة من الكفار كالرهبان لإعراضه عن ضر المسلمين”[52].
4ـ النهي عن قتل العُسفاء
المقصود بالعسفاء هم الأجراء[53]، وقال القرطبي رحمه الله (ت671هـ): هم الأجراء والفلاحون[54].
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلهم لأنهم لم يشاركوا في القتال كما في حديث رباح بن الربيع: “الْحَقْ خَالِدًا فَقُلْ لَهُ: لَا تَقْتُلُوا ذُرِّيَّةً، وَلَا عَسِيفًا”[55].
قال القرطبي: “وقال عمر بن الخطاب: اتقوا الله في الذرية والفلاحين الذي لا ينصبون لكم الحرب. وكان عمر بن عبد العزيز لا يقتل حراثا، ذكره ابن المنذر”[56].
وقال الشوكاني ” قوله: (ولا عسيفًا) بمهملتين وفاء كأجير وزنًا ومعنى، وفيه دليل على أنه لا يجوز قتل من كان مع القوم أجيرًا ونحوه لأنه من المستضعفين[57].
5ـ النهي عن الغدر
تتجلى أخلاق النبوة في الحروب بالنهي عن الغدر مع العدو الذي يكيد لهم ويتآمر عليهم ويرفع سلاحه بوجههم فأي خلق أعظم من هذا الخلق؟ ومن يستطيع أن يملك نفسه ضد عدوه؟ لكنها أخلاق الإسلام تتجلى في أقسى الظروف البشرية.
وقد حرم الله تعالى الغدر وذمَّ فاعله فقال تعالى: “الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ” (الأنفال: 56).
ومما يدل على تحريم الغدر بالكفار حديث بريدة رضي الله عنه السابق: “كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم إذا أَمَّرَ أَمِيرًا على جَيْشٍ، أَوْ سَرِيَّةٍ، أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللهِ، وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: اغْزُوا بِاسْمِ اللهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللهِ، اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا”[58].
قال ابن عبد البر: “والغدر أن يؤمَّن الحربي ثم يُقتل وهذا لا يحل بإجماع “[59].
بل وقد تبرأ صلى الله عليه وسلم من الغادرين كما في حديث عَمْرُو بْنُ الْحَمِقِ، قال: قال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “أَيُّمَا مُؤْمِنٍ أَمَّنَ مُؤْمِنًا عَلَى دَمِهِ فَقَتَلَهُ، فَأَنَا مِنَ الْقَاتِلِ بَرِيءٌ”[60].
وعن أنسٍ رضي الله عنه عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: “لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”[61].
قال النووي رحمه الله (ت676هـ): ” فمعنى لكل غادر لواء أي علامة يشهر بها في الناس لأن موضوع اللواء الشهرة مكان الرئيس علامة له وكانت العرب تنصب الألوية في الأسواق الحفلة لغدرة الغادر لتشهيره بذلك وأما الغادر فهو الذي يواعد على أمر ولا يفي به”[62].
وقال أبو العباس القرطبي: “فمقتضى هذا الحديث: أن الغادر يُفعل به مثل ذلك؛ ليشهر بالخيانة والغدر، فيذمه أهل الموقف، ولا يبعد أن يكون الوفي بالعهد يُرفع له لواء يُعرف به وفاؤه وبره، فيمدحه أهل الموقف، كما يرفع لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم لواء الحمد فيحمده كل من في الموقف”[63].
ومن روائع الأمثلة على النهي عن الغدر:
أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى عامِلِ جَيْشٍ، كَانَ بَعَثَهُ: ” إِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رِجَالًا مِنْكُمْ يَطْلُبُونَ الْعِلْجَ. حَتَّى إِذَا أَسْنَدَ فِي الْجَبَلِ وَامْتَنَعَ. قَالَ رَجُلٌ: مَطْرَسْ[64] (يَقُولُ: لَا تَخَفْ) فَإِذَا أَدْرَكَهُ قَتَلَهُ. وَإِنِّي. وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا أَعْلَمُ مَكَانَ وَاحِدٍ فَعَلَ ذَلِكَ، إِلَّا ضَرَبْتُ عُنُقَهُ”[65].
فالإسلام حرم الغدر، والغدر ليس من أبواب الحيلة والخداع الجائز في الحروب، فقد فرقت الشريعة الإسلامية بين ما يجوز من وسائل الحيلة وما ينطوي على الغدر ونقض العهد، فحرمت جميع أنواع الغدر حتى في أقسى المواقف كالحروب ومواجهة الأعداء مما يدل على سماحة ورحمة هذه الشريعة الغراء وما تحمله من قيم أخلاقية فاقت بها بقية الأمم والشعوب على مر التاريخ، فكم شهدنا من نقض للعهود والمواثيق من قبل أعداء الإسلام من اليهود وغيرهم في حين أن التاريخ الإسلامي لم يشهد أي نقض لأي عهد مع الأعداء بل توعد نبينا عليه الصلاة والسلام كما مر من غدر بالبراءة منه ليضرب بذلك أروع الأمثلة في التحلي بالأخلاق السامية التي قل من يتحلى بها.
6ـ النهي عن الإفساد في الأرض:
لم يهدف المسلمون في حروبهم ضد أعدائهم خرابًا ولا فسادًا في الأرض، بل كان هدفهم إعلاء كلمة الله سبحانه، ورد العدوان، وكانوا يحرصون كل الحرص على الحفاظ على العمران ولو كان ببلاد أعدائهم، قال تعالى: “وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا” (الأعراف:56).
قال القرطبي: “فيه مسألة واحدة أن الله سبحانه وتعالى نهى عن كل فساد قلّ أو كثر بعد صلاح قلّ أو كثر”[66].
وما يفعله أعداء الإسلام اليوم من تخريب ودمار ينم عن سوء قصدهم وشنيع أفعالهم فنجدهم عاثوا في البلاد فسادًا ودمارًا بلا مراعاة لحقوق أو ممتلكات فضربوا أبشع الأمثلة في العنف والتخريب والدمار وتمثلت فيهم الأخلاق السيئة التي تنبع من عقيدتهم الفاسدة وتحقق فيهم جميع معاني الإرهاب والقسوة على عكس تمامًا ما وصفوا فيه المسلمين.
ولم يقتصرِ النهي عن الاعتداء على بني البَشر فقط؛ وإنَّما تجاوز ذلك ليشملَ النهي عن الإتلاف، وقطع الشَّجر، وقتْل الحيوانات، وتخريب الممتلكات بغير مصلحة، أو ضرورة تقتضي الإقدامَ على ذلك، وهذا سُموٌّ أخلاقي لم تعرفْ له البشرية مثيلًا في تاريخها قديمًا وحديثًا.
قال الله تعالى: “وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ”. (البقرة: 205).
قال الشوكاني رحمه الله: “أي كل عمل يعمله الإنسان بجوارحه وحواسه يقال له سعي والمراد بالفساد كل أنواعه سواء كان فساد الدين أو فساد الدنيا “[67].
وهذا أبو بكر رضي الله عنه لَمَّا بعث يزيد بن أبي سفيان إلى الشام على ربع من الأرباع، خرج رضي الله عنه معه يُوصيه قائلاً: “وَإِنِّي مُوصِيكَ بِعَشْرٍ: لاَ تَقْتُلَنَّ امْرَأَةً، وَلاَ صَبِيًّا، وَلاَ كَبِيراً هَرِماً وَلاَ تَقْطَعَنَّ شَجَراً مُثْمِراً، وَلاَ تُخَرِّبَنَّ عَامِراً، وَلاَ تَعْقِرَنَّ شَاةً وَلاَ بَعِيراً، إِلاَّ لِمَأْكُلَةٍ، وَلاَ تَحْرِقَنَّ نَحْلاً، وَلاَ تُفَرِّقَنَّهُ، وَلاَ تَغْلُلْ، وَلاَ تَجْبُنْ”[68].
وهذه التفصيلات توضح المقصود من وصية عدم الإفساد في الأرض؛ لكيلا يظن قائد الجيش أن عداوة القوم تبيح بعض صور الفساد؛ فالفساد بشتى صوره أمر مرفوض في الإسلام، فحتى في أثناء سير الأعمال القتالية، فإن التدمير الطائش لممتلكات العدو محظور حظرًا صارمًا.
قال الإمام الأوزاعي(ت157ه): “لا يحلَّ للمسلميــن أن يفعلوا شيئًا مما يرجع إلى التخريب في دار الحرب، لأن ذلك فساد، والله لا يحب الفساد“[69].
أما ما يخص قطع نخيل يهود بني النضير الذي جاء ذكره في القرآن الكريم في قوله تعالى: “مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَىٰ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ “(الحشر:5).
“فالمسلمون وعلى رأسهم القائد الأعلى النبي صلى الله عليه وسلم على ما يظهر كانوا يعرفون طمع اليهود وحبهم المفرط للمال، لذلك فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقيام بعملية أزعج بها اليهود المحاصرين حيث أمر بالبدء في قطع نخيلهم وتحريقها، ولم يكن المسلمون (على ما يظهر) جادين في قطع النخيل وإحراقه وإنما يقصدون إزعاج اليهود الذين لا يفزعهم شيء مثل ضياع المال، يدلنا على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت في كتب السيرة لم يأمر بالشروع في إتلاف إلا أردأ أنواع نخيل اليهود الذي لا يقتاتون منه، وهو نوع (اللينة) وهو نوع يخالف نوع العجوة والبُرنى الذي كان الغذاء الرئيسى لأهل المدينة.فإن (اللينة) من النخل إنما كان ثمرها (على ما يظهر) في الغالب علفًا للجمال وغيرها”[70].
7ـ الإحسان إلى الأسير وحسن معاملته.
كانت معاملة النبي صلى الله عليه وسلم للأسرى نموذجاً في البر والرحمة والإحسان، مصداقاً لقوله تعالى: “وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا” (محمد:8)، فقد قرن القرآن الكريم بر الأسير ببر اليتامى والمساكين، فالإنفاق على الأسير ومساعدته مما يثاب عليه المسلم، وذلك بحكم ضعف الأسير وانقطاعه عن أهله وقومه، وشدة حاجته للمساعدة.
قال الطبري رحمه الله (ت310هـ): “لقد أمر الله بالأُسراء أن يحسن إليهم”[71].
وقال تعالى: “فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا” (محمد: 4)
“فالقرآن هنا يخيرنا بين أمرين في التعامل معهم، وهما: المنّ والفداء ولم يذكر غيرهما، ومعنى “المنّ”: إطلاق سراح الأسير لوجه الله تعالى، لنتألف قلبه، ونحبب إليه الإسلام، حيث فككنا أسره دون مقابل، ومعنى “الفداء”: أن نفدي الأسرى بأسرى مثلهم في العدد أو أقل أو أكثر، حسب المصلحة”[72].
وقد عامل النبي صلى الله عليه وسلم الأسرى معاملة إنسانية رحيمة تحفظ كرامتهم، وترعى حقوقهم، وتصون إنسانيتهم، فعن أَبِى مُوسى رضى الله عنه قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: “فُكُّوا العَانِىَ – يَعْنِى الأَسِيرَ – وَأَطْعِمُوا الْجائِعَ وَعودُوا الْمَرِيضَ”[73].
قال ابن بطال: “فكاك الأسير فرض على الكفاية؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: فكوا العاني. وعلى هذا كافة العلماء؛ وقد روى عن عمر بن الخطاب أنه قال: فكاك كل أسير من أسرى المسلمين من بيت المال”[74].
وعن أبي عزيز بن عمير، أخي مصعب بن عمير قال: كنت في الأسارى يوم بدر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “استوصوا بالأسارى خيرًا وكنت في نفر من الأنصار، وكانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم أكلوا التمر وأطعموني الخبز بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم”[75].
وفي رواية أبي نعيم: “وكانوا إذا قدموا غداءهم أو عشاءهم خصوني بالخبز، وأكلوا التمر لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بنا، ما يقع في يد رجل منهم كسرة من خبز إلا أتحفني بها، قال: فأستحي فأردها على أحدهم، فيردها علي ما يمسها”[76].
وبهذه المعاملة الحسنة تلين النفوس وتصبح أكثر استعدادًا لقبول الإسلام بصدر رحب لما يجده الأسير من الكرم والأدب والإحسان.
وشتان شتان في معاملة الأسرى اليوم بين المسلمين وأعدائهم ففي فلسطين الجريحة مثلًا نرى معاملة الأسرى الفلسطينيين من قبل اليهود أسوأ معاملة فالأسير يتعرض لأنواع من العذاب والإهانة وسوء المعاملة، في حين أننا نجد أن الأسير اليهودي يخرج ضاحكًا من أسره لا يوجد عليه أي مظهر من مظاهر الإهانة أو التعذيب وسط ذهول اليهود من حسن التصرف معه، فهذا ما ربى نبي الأمة أمته عليه من حسن الخلق حتى مع أعداء الله.
8ـ النهي عن المُثلة والتعذيب بالنار
حرّم الإسلام المُثلة في القتال تكريماً للإنسان وصيانة له من انتهاك حرمة جثته بعد القتل كتقطيع بعض أعضائه ونحوه. وقد مرَّ معنا حديث: “اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا وَلَا تَغْدِرُوا وَلَا تُمَثِّلُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا“[77].
وعن عبد الله بن يزيد الأنصاري قال: “نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنِ النُّهْبَى وَالْمُثْلَةِ” [78].
ففي الحديث تأكيد على تعظيم الإسلام لحرمة الإنسان ومنع إهدار كرامته، والنهي عن التعرّض له والعبث بجثته بتقطيع أعضاؤه وأطرافه مثل الأنف والأذنين أو فقع العينين وغير ذلك.
قال ابن عبد البر رحمه الله: “المثلة لا تحل بإجماع والمثلة المعروفة نحو قطع الأنف والأذن وفقء العين وشبه ذلك من تغيير خلق الله عبثًا”[79].
قال الإمام بدر الدين العيني رحمه الله (ت855هـ): “والمثلة هي العقوبة في الأعضاء: كجدع الأنف والأذن وفقء العين ونحوها”[80].
وقال ابنُ تيميةَ:” فَأَمَّا التَّمْثِيلُ فِي الْقَتْلِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْقِصَاصِ”[81].
وأما التعذيب بالنار فقد ثبت نهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فعَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ عَلِيًّا رضى الله عنه حَرَّقَ قَوْماً، فَبَلَغَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ لَوْ كُنْتُ أَنَا لَمْ أُحَرِّقْهُمْ، لأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: “لاَ تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ “وَلَقَتَلْتُهُمْ كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: “مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ”[82].
قال الحافظ ابن حجر: “ظاهر النهي فيه التحريم”[83].
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه أَنَّهُ قَالَ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في بَعْثٍ فَقَالَ: “إِنْ وَجَدْتُمْ فُلاَناً وَفُلاَناً فَأَحْرِقُوهُمَا بِالنَّارِ”، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ أَرَدْنَا الْخُرُوجَ: “إِنّي أَمَرْتُكُمْ أَنْ تُحْرِقُوا فُلاَناً وَفُلاَناً، وَإِنَّ النَّارَ لاَ يُعَذِّبُ بِهَا إِلاَّ اللَّهُ، فَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمَا فَاقْتُلُوهُمَا”[84].
وهذا النهي العام عن العقوبة بالتحريق بالنار استثنى منه جمهور أهل العلم التحريق بالنار على سبيل القصاص، والمعاقبة بالمثل فمن حرَّق غيره يجوز على هذا القول أن يعاقب بالحرق قصاصًا.
قال ابن الملقن رحمه الله تعالى(ت804هـ):”وقالت طائفة: من حرق يحرق، وبه قال مالك وأهل المدينة والشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق”[85].
9ـ منح الأمان:
عقد الأمان هو: “عبارة عن تأمين الكافر على ماله ودمه مدة محدودة”
والأصل في مشروعيته، قوله تعالى: “وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) (التوبة:6)، وقوله عليه الصلاة والسلام: “ذِمَّةُ المُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ”[86]. (متفق عليه).
قال القسطلاني رحمه الله (ت923هـ): “(ذمة المسلمين واحدة) أي: أمانهم صحيح فإذا أمن الكافر واحد منهم حرم على غيره التعرض له”[87].
وأما الحكمة في مشروعيته كما نص عليها النووي رحمه الله (ت٦٧٦هـ): “قد تقتضي المصلحة الأمان؛ لاستمالة الكافر إلى الإسلام، أو إراحة الجيش، أو ترتيب أمرهم، أو للحاجة إلى دخول الكفار، أو لمكيدة وغيرها”[88].
لذا فإن من الأنفس المعصومة في الإسلام أنفس المعاهدين وأهل الذمة والمستأمنين فلا يجوز قتلها أو الاعتداء عليها، فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضى الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: “مَنْ قَتَلَ مُعَاهَداً لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَاماً”[89].
قال أبو بكر الجزائري: لأهل الذمة على المسلمين حفظ أرواحهم وأموالهم وأغراضهم وعدم أذيتهم ما وفوا بعهدهم فلم ينكثوه؛ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:” مَنْ قَتَلَ مُعَاهَداً لَمْ يَرَحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ” فإن هم نكثوا عهدهم ونقضوه بارتكاب ما من شأنه نقض العهد حلت دماؤهم وأموالهم دون نسائهم وأولادهم؛ إذ لا يؤخذ المرء بذنب غيره” [90].
وقد يوجد أفراد عاجزين عن القتال، أو يقومون بزيارات سريعة لبلاد المسلمين لأغراض التجارة أو السياحة أو التعليم أو أية أغراض سلمية أخرى فيمنحهم الإسلام الأمان حقنًا للدماء.
وإذا طلب المقاتلون الأعداء الأمان في أرض المعركة في أثناء سير الأعمال القتالية يجب منحهم إيَّاه، وحمايتهم ومنحهم الحقوق نفسها الواجبة للسكان المدنيين المؤقتين في الدولة المسلمة المعنية. ويجب ألَّا يُعاملوا باعتبارهم أسرى حرب، ولا أن تُقيَّد حياتهم بأي طريقة في أثناء مكوثهم في الدولة المسلمة. وتسري هذه الحماية إلى أن يعودوا سالمين إلى أوطانهم.
وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحق للبعض ومنهم صفوان بن أمية كما ذكره ابن هشام في سيرته عن عروة بن الزبير قال: “خرج صفوان بن أمية يريد جدة ليركب منها إلى اليمن فقال عمير بن وهب يا نبي الله إن صفوان بن أمية سيد قومه وقد خرج هاربًا منك ليقذف نفسه في البحر فأمّنه صلى الله عليه وسلم قال هو آمن”[91].
كما أنه صلى الله عليه وسلم أمَّن أناسًا يوم فتح مكة حقنًا للدماء وتحبيبًا في الإسلام.
10ـ النهي عن قتل الفار والجريح
عن حصين رضي الله عنه قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: “أَلاَ لاَ يُقْتَلُ مُدْبِرٌ، وَلاَ يُجْهَزُ عَلَى جَرِيحٍ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ”[92].
فالحديث صريح في على عدم جواز الإجهاز على جرحى العدو في الحرب، وعدم جواز ملاحقة الفار.
يقول سيد سابق رحمه الله (ت 1420هـ): وحرم الاجهاز على الجريح، وتتبع الفار، وذلك أن الحرب كعملية جراحية، لا يجب أن تتجاوز موضع المرض بمكان[93].
“إلا أنه يُستثنى من ذلك حالات ترجع إلى أسباب ومدخلات ومتطلبات داعية إلى القول بجواز الإجهاز عليهم ومنها:
1ـ أن يكون الجريح غير عاجز عن القتال وما زال يُقاتل المسلمين، ففي هذه الحالة لا بد من الإجهاز على ذلك الجريح لأنه جرحه لم يخرجه من دائرة المقاتلين ولم تسقط عنه صفة المقاتل.
2ـ إذا كان الأعداء في قوة والمسلمون في ضعف فيجوز حينها قتل جريح الأعداء كسراً لشوكتهم وزرعاً للهيبة في نفوسهم وإضعافاً لمعنوياتهم”[94].
11ـ النهي عن تضييق المنازل وقطع الطريق
عن معاذ بن أنس الجُهنيِّ رضي الله عنه، قال: “غَزَوْتُ مَعَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةَ كَذَا وَكَذَا، فَضَيَّقَ النَّاسُ الْمَنَازِلَ وَقَطَعُوا الطَّرِيقَ، فَبَعَثَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَادِيًا يُنَادِي فِي النَّاسِ: “أَنَّ مَنْ ضَيَّقَ مَنْزِلًا أَوْ قَطَعَ طَرِيقًا فَلَا جِهَادَ لَهُ”[95].
فنهى عليه الصلاة والسلام عن إزعاج الآخرين في نزلهم فلا يضيق عليهم مرافقهم، ولا يقطع طريقهم بشكل يتأذى به المارَّة؛ لكيلا يحرموا أجر وثواب المجاهدين الذين يتحرزون من هذه الأمور لما فيه من الإضرار بالآخرين.
يقول المُظهري رحمه الله (ت727 هـ): “فلا جهاد له أي: فلا كمال ثواب الجهاد له بإضراره الناس؛ لأنه إذا نزل في الطريق يمنع الناس من المرور، أو يضيق الطريق فيتضررون بالمرور، وإضرار الناس إثم”[96].
ويقول الملا علي القاري رحمه الله (ت1014ه): “أي: ليس له كمال ثواب المجاهدة لإضراره الناس”[97].
الخاتمة:
بعد هذا العرض لمقاصد القتال في الإسلام وأخلاقيات الحروب التي سنها النبي صلى الله عليه وسلم لأمته نتوصل لأهم النتائج الآتية:
1ـ أن الإسلام دين القِيَم في كل أحواله وأحيانه في سلمه وحربه وضع قانونا للحرب نموذجًا فريدًا ومميّزًا ورائعًا وراقيًا في تشريعه وآثاره.
2ـ أن أعداء المسلمين يقومون بأعمال وسلوكيات وتصرفات في القتال تقشعر لها الأبدان ويدّعون أنهم يحاربون الإرهاب وهم أكثر الناس إرهابًا وظلمًا وإجرامًا.
3ـ شرع الله سبحانه القتال ومحاربة الأعداء لمقاصد عظيمة وأهداف نبيله فيها صلاح للفرد والمجتمع وحفاظ على دين الإسلام.
4ـ من أبرز المقاصد الشرعية للقتال توحيد الله سبحانه وإعلاء كلمة الله في الأرض، ورد العدوان وحماية المقدسات الإسلامية، وكشف المنافقين، واتخاذ الشهداء وتمحيص الصفوف، ودرء الفساد من الأرض، وإرهاب الكافرين ومحقهم وإخزائهم، ونصر المستضعفين من المسلمين، ورفع الظلم عن المظلومين.
5ـ سنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أخلاقًا عديدة للقتال أمر به صحابته وأمته، ومن أبرزها:
الدعوة للإسلام قبل بدء القتال فلا يجوز قتالهم قبل تبليغ الدعوة التي هي الهدف الأسمى من الجهاد، والنهي عن قتل الشيوخ والنساء والأطفال لأن هؤلاء لا دخل لهم فيما يجري من قتال بين الطرفين، ولا يوجد أي مبرر لقتلهم وهذا الخلق مما تميزت به شريعتنا الغراء وسبقت غيرها من الشرائع إليه، والنهي عن قتل المتعبِّدين لأنهم لا يشاركون في القتال على الأغلب وهم بعيدون عن الناس لذا جاء استثناؤهم من القتل، والنهي عن قتل العُسفاء وهم الأجراء والفلاحون لأنهم لم يشاركوا في القتال، والنهي عن جميع أنواع الغدر وذمَّ فاعله حتى في أقسى المواقف كالحروب ومواجهة الأعداء، والنهي عن الإفساد في الأرض من الإتلاف، وقطع الشَّجر، وقتْل الحيوانات، وتخريب الممتلكات بغير مصلحة، أو ضرورة تقتضي الإقدامَ على ذلك، والإحسان إلى الأسير وحسن معاملته معاملة إنسانية رحيمة تحفظ كرامتهم، وترعى حقوقهم، وتصون إنسانيتهم ، والنهي عن المُثلة والتعذيب بالنار تكريماً للإنسان وصيانة له من انتهاك حرمة جثته بعد القتل ، ومنح الأمان للكافر على ماله ودمه مدة محدودة لاستمالته إلى الإسلام، أو إراحة الجيش، أو ترتيب أمرهم، أو لمكيدة وغيرها ، والنهي عن قتل الفار والجريح إلا أن يكون الجريح غير عاجز عن القتال وما زال يُقاتل المسلمين، أو كان كسراً لشوكة الأعداء وزرعاً للهيبة في نفوسهم وإضعافاً لمعنوياتهم، والنهي عن تضييق المنازل وقطع الطريق لما فيه من إضرار للآخرين.
[1] محمد بن مكرم بن على ابن منظور، لسان العرب (بيروت: دار صادر، الطبعة3، 1414هـ)، 1/302.
[2] ابن منظور، لسان العرب،1/303؛ محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، تهذيب اللغة، تحقيق: محمد عوض مرعب (بيروت: دار إحياء التراث العربي، 2001م)، 5/16.
[3] ابن منظور، لسان العرب،1/303؛ الأزهري، تهذيب اللغة، 5/16.
[4] أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام محمد هارون (بيروت: دار الفكر، 1399هـ /1979م)، 2/48.
[5] محمّد بن محمّد بن عبد الرزّاق الزَّبيدي، تاج العروس من جواهر القاموس (الكويت: دار الهداية، د.ت.)، 2/252.
[6] إبراهيم مصطفى – أحمد الزيات، وآخرون، المعجم الوسيط (القاهرة: دار الدعوة، د.ت.)، 1/164.
[7] سيد سابق، فقه السنة (بيروت: دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة 3، 1397هـ /1977م)، 2/ 618.
[8] جيرار كورنو، معجم المصطلحات القانونية، ترجمة: منصور القافي (بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 1998)، 673.
[9] أحمد سرحان، قانون العلاقات الدولية (بيروت: الجامعية للدراسات والتوزيع،1990)، 396.
[10] مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز أبادي، القاموس المحيط، (بيروت: مؤسسة الرسالة، الطبعة 3 ،1413ه)، 351.
[11] محمد بن عبد الواحد ابن الهمام، شرح فتح القدير، (بيروت: دار إحياء التراث العربي)، 5/187.
[12] علي الصعيدي العدوي، حاشية العدوي، (القاهرة: مطبعة مصطفى البابي الحلبي،1357ه)، 2/2.
أبو البركات أحمد بن محمد بن أحمد الدردير، حاشية الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك، (القاهرة: مطبعة عيسى البابي الحلبي، د.ت.)،3/9.
[13] محمد بن جرير الطبري، جامع البيان في تأويل القرآن، تحقيق: أحمد محمد شاكر (بيروت: مؤسسة الرسالة،1420هـ /2000م)،13/537.
[14] إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي، تفسير القرآن العظيم، تحقيق: سامي بن محمد سلامة (القاهرة: دار طيبة للنشر والتوزيع، الطبعة2، 1420هـ / 1999م)، 1/525).
[15] محمد بن إسماعيل البخاري، الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر (بيروت: دار طوق النجاة، 1422هـ)، “الإيمان”، 15 (رقم 25)؛ مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري، المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي (بيروت: دار إحياء التراث العربي، د.ت.) “الإيمان”، 8 (رقم 22).
[16] محمد بن عبد الله الزركشي، شرح الزركشي على متن الخرقي، تحقيق: عبد الملك بن دهيش (بيروت: دار خضر للطباعة والنشر، بيروت، 1415ه)، 4/126.
[17] محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش (القاهرة: دار الكتب المصرية، 1384هـ /1964م)، 5/279.
[18] عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة، المغني (القاهرة: مكتبة القاهرة، 1388هـ/ 1968م)، 9/197.
[19] الحسين بن مسعود بن الفراء البغوي، معالم التنزيل في تفسير القرآن، تحقيق: عبد الرزاق المهدي (بيروت: دار إحياء التراث العربي، 1420هـ)، 3/343.
[20] عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي، مدارك التنزيل وحقائق التأويل (بيروت: دار الكلم الطيب، 1419هـ / 1998م)، 2/443.
[21] ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 2/173.
[22] محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، زاد المعاد في هَدي خير العباد، تحقيق: شعيب الأرنؤوط-عبد القادر الأرنؤوط (بيروت: مؤسسة الرسالة، ١٤١٧هـ/ ١٩٩٦م)، 3/197.
[23] إسراء محمود عيد، “القراءات الشاذة التي أضافت معنى للقراءات المتواترة”. Tokat İlmiyat Dergisi 11/1 (Haziran 2023), 249-278. https://doi.org/10.51450/ilmiyat.1256468.
[24] ابن القيم، زاد المعاد، 3/199.
[25]إسراء محمود عيد،”المنظور القرآني للحكمة من البلاء والوباء وواجب المسلم تجاههما”, SOCIAL MENTALITY AND RESEARCHER THINKERS JOURNAL, 2020; 6(39):2605-2615. Doı: http://dx.doi.org/10.31576/smryj.723
[26] محمود بن عمرو بن أحمد الزمخشري، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (بيروت: دار الكتاب العربي، الطبعة 3، 1407هـ)، 1/296.
[27] ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 1/669.
[28] البغوي، معالم التنزيل، 2/322.
[29] البغوي، معالم التنزيل، 2/307.
[30] مسلم، “الإمارة”، 52 (رقم1917)
[31] يحيى بن شرف النووي، المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (بيروت: دار إحياء، 1392هـ)، 13/64.
[32] الطبري، جامع البيان، 7/225.
[33] الزمخشري، الكشاف، 3/160.
[34] البخاري،”الجهاد والسير”، رقم (2942).
[35] البخاري، “الجهاد والسير” (رقم2943)؛ مسلم، “الصلاة”، 6 (رقم382).
[36] ابن عبد البر، التمهيد، 2/221.
[37] الشوكاني، نيل الأوطار، 7/273.
[38] مسلم،”الجهاد والسير”، 2 (رقم1731).
[39] أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي، شرح معاني الآثار (بيروت: عالم الكتب،1414هـ/1994م)،”السير”، 4 (رقم5162).
[40] سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني، المعجم الأوسط، تحقيق: طارق بن عوض الله -عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني (القاهرة: دار الحرمين، د.ت.)، 1/48 (رقم135).
[41] سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني، المعجم الصغير، تحقيق: محمد شكور محمود الحاج أمرير (بيروت: المكتب الإسلامي، 1405/ 1985)، 1/12 (رقم340).
[42] يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر القرطبي، التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي – محمد عبد الكبير البكري (المغرب: وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية ،1387 هـ)، 24/233.
[43] محمد بن علي بن عمر التَّمِيمي المازري المالكي، المُعْلم بفوائد مسلم، تحقيق: محمد الشاذلي النيفر (تونس: الدار التونسية للنشر،1991م)، 3/7.
[44] أبو العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم القرطبي، المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، تحقيق: محيي الدين ديب ميستو وآخرون (دمشق: دار ابن كثير، 1417هـ/1996م)، 3/512.
[45] البخاري، “الجهاد والسير”، 148 (رقم3015)؛ مسلم، “الجهاد والسير”، 8 (رقم1744).
[46] علي بن خلف بن عبد الملك ابن بطال، شرح صحيح البخاري، تحقيق: أبو تميم ياسر بن إبراهيم (الرياض: مكتبة الرشد، 1423هـ / 2003م)، 5/170.
[47] ابن بطال، شرح صحيح البخاري، 5/171.
[48] أبو بكر عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن أبي شيبة، المصنَّف، تحقيق: كمال يوسف الحوت (الرياض: مكتبة الرشد، 1409هـ)، “السير”، 96 (رقم33132)؛ أحمد بن علي بن المثنى أبو يعلى الموصلي، مسند أبي يعلى، تحقيق: حسين سليم أسد (دمشق: دار المأمون للتراث، 1404هـ/ 1984م)، 5/59 (رقم2650)، وقال محققه: إسناده صحيح.
[49] أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، مسند الإمام أحمد بن حنبل، تحقيق: شعيب الأرنؤوط – عادل مرشد، وآخرون (بيروت: مؤسسة الرسالة، 1421 هـ/2001 م)،4/461 (رقم 2728)، وقال محققوه: حسن لغيره.
[50] ابن عبد البر، التمهيد، 16/139.
[51] أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني، مجموع الفتاوى، تحقيق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم (المدينة المنورة: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، 1416هـ/1995م)، 28/ 660.
[52] محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني، نيل الأوطار، تحقيق: عصام الدين الصبابطي (مصر: دار الحديث، 1413هـ / 1993م)، 7/292.
[53] أبو عُبيد القاسم بن سلاّم بن عبد الله الهروي البغدادي، غريب الحديث، تحقيق: محمد عبد المعيد خان (حيدر آباد: مطبعة دائرة المعارف العثمانية، ١٣٨٤هـ / ١٩٦٤م)، 1/158.
[54] القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 2/349.
[55] أحمد، المسند، 25/370 (رقم15992)؛ أبو داود سليمان بن الأشعث، سنن أبي داود، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد (صيدا: المكتبة العصرية، صيدا، د.ت.)، “الجهاد”، 121 (رقم 2669)؛ ابن ماجه محمد بن يزيد القزويني، سنن ابن ماجه، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرون (بيروت: دار الرسالة العالمية1430 هـ / 2009م)، وإسناد الحديث صحيح.
[56] القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 2/349.
[57] الشوكاني، نيل الأوطار، 7/292.
[58] مسلم، صحيح مسلم، “الجهاد والسير”، 2 (رقم1731).
[59] ابن عبد البر، التمهيد، 24/233.
[60] أحمد، المسند، 36/279(رقم21947). وإسناده حسن.
[61] البخاري، “الجزية”، 22 (رقم3186)؛ مسلم، “الجهاد والسير”، 4 (رقم1737).
[62] النووي، المنهاج، 12/43.
[63] القرطبي، المفهم، 3/520.
[64] كلمة فارسية بمعنى: لا تخف.
[65] مالك بن أنس بن مالك الأصبحي المدني، موطأ الإمام مالك (بيروت: دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1406هـ /1985م)،”الجهاد”، 4 (رقم12).
[66] القرطبي، الجامع لأحكام القرآن،2/226.
[67] محمد بن علي الشوكاني، فتح القدير (الرياض: مكتبة الرشد، 1424هـ)، 1/208.
[68] الموطأ، “الجهاد”، 3 رقم (982)، وهذا الأثر روي من طرق عديدة ضعيفة إلا ما رواه ابن أبي شيبة من طريق قيس بن أبي حازم البجلي قال بعث أبو بكر جيشاً إلى الشام. ينظر المصنف، رقم (33681)، 6/ 541. وهذه الطريق صحيحة.
[69] نقله عنه: محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي، شرح السير الكبير (القاهرة: الشركة الشرقية للإعلانات،١٩٧١م)، 43.
[70] محمد بن أحمد باشميل، من معارك الإسلام الفاصلة (القاهرة: المكتبة السلفية، ١٤٠٨هـ / ١٩٨٨م)، 3/54-55.
[71] الطبري، جامع البيان في تأويل القرآن، 24/97.
[72] يوسف القرضاوي، التعامل مع الأسرى في الإسلام، مقال على الإنترنت https://mugtama.com/11/298190/
[73] البخاري، “الجهاد والسير”، باب فكاك الأسير، رقم (3046).
[74] ابن بطال، شرح صحيح البخاري، 5/210.
[75] سليمان بن أحمد الطبراني، المعجم الكبير، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي (القاهرة: مكتبة ابن تيمية، د.ت.)، 22/393، (رقم977)؛ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (بيروت: دار الفكر، 1412هـ)، “المغازي والسير”، 20 (رقم10007)، وقال: إسناده حسن.
[76] أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني، معرفة الصحابة، تحقيق: عادل بن يوسف العزازي (الرياض: دار الوطن للنشر، الرياض، 1419هـ / 1998م)، 5/2967 (رقم6918).
[77] مسلم، “الجهاد والسير”، 2 (رقم1731).
[78] البخاري، “المظالم والغصب”، 30 رقم (2474).
[79] ابن عبد البر، التمهيد، 24/234.
[80] محمود بن أحمد بن موسى بدر الدين العيني، عمدة القاري شرح صحيح البخاري (بيروت: دار إحياء التراث العربي، د.ت.)، 13/25.
[81] ابن تيمية، مجموع الفتاوى، 28/314.
[82] البخاري، “الجهاد والسير” (رقم3017).
[83] أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري (بيروت: دار المعرفة، 1379هـ)، 6/150.
[84] البخاري، “الجهاد والسير” (رقم3016).
[85] عمر بن علي بن أحمد الشافعي المصري ابن الملقن، التوضيح لشرح الجامع الصحيح (دمشق: دار النوادر، 1429هـ / 2008م)، 18/61.
[86] البخاري، “الجزية”، 17 (رقم3179)؛ مسلم، “العتق”، 4 (رقم 1370).
[87] أحمد بن محمد بن أبى بكر القسطلاني، إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (مصر: المطبعة الكبرى الأميرية، 1323هـ)، 10/314.
[88] محيي الدين يحيى بن شرف النووي، روضة الطالبين وعمدة المفتين (بيروت: المكتب الإسلامي، ١٤١٢هـ/١٩٩١م)، 10/278.
[89] البخاري، “الجزية”، 5 (رقم 3166).
[90] أبو بكر الجزائري، منهاج المسلم، (المدينة المنورة: مكتبة العلوم والحكم للنشر، 2004م)، 285.
[91] عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري، السيرة النبوية، تحقيق: طه عبد الرؤف سعد، بيروت: دار الجيل، 1411هـ)، 5/81.
[92] ابن أبي شيبة، المُصنف، “السير”، 119 (رقم33276).
[93] سيد سابق، فقه السنة، 2/656.
[94]سالم عبد الله أبو مخدة – صفاء ناجي أبو معوّض، حقوق جرحى الحرب في الشريعة الإسلامية والقانون الدولي الإنساني، بحث مقدم للمؤتمر الدولي والذي بعنوان: القانون الدولي الإنساني في ضوء الشريعة الإسلامية “ضمانات التطبيق والتحديات المعاصرة”،1436ه-2015م،9.
[95] أبو داود، “الجهاد”، 97 (رقم 2629)، وإسناده حسن.
[96] الحسين بن محمود بن الحسن المُظْهِري، المفاتيح في شرح المصابيح (وزارة الأوقاف الكويتية: دار النوادر، 1433هـ / 2012م)، 4/388.
[97] علي بن سلطان محمد، الملا الهروي القاري، مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (بيروت: دار الفكر، 1422هـ / 2002م)، 6/2533.