ملخص:
جاءت هذه الدّراسة لتبيّن أهم الهفوات التي يقع فيها الدّاعية إلى الله والمدعو من المسلمين، مع بيان طرق معالجتها من خلال هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسنته في الدعوة إلى الله، وقد حوت الدّراسة على ستة هفوات يقع فيها الدّاعية وهي: التّعالي والغرور، وعدم التّحرز في الأقوال والأفعال، والضّجر وعدم التّحلي بالصّبر، وعدم مراعاة تجديد الخطاب الدّعوي، والتخلّي عن الوعي والمنهجيّة في أسلوب الدّعوة، والتّعنت والابتعاد عن الرّحمة واللّين، ثم بيان أهم الهفوات التي يقع فيها المدعو والمتمثّلة بالتّبعية العمياء للدّاعية، مع استقصاء المنهج النّبوي للتحرر من هذه التّبعية من خلال جبّ الغيبة عن النّفس ومشاورة أهل الاختصاص، والحثّ على صلاة الاستخارة في كل أمر، والاستفسار عن كل ما يخص أمري الدّين والدّنيا، ومن أهم ما توصلت له هذه الدراسة وجوب ترفُّع الداعية عن الغرور والخضوع للحق، وأن يضع نصب عينيه أنّه قدوة للآخرين وتصرفاته مراقبة، كما يجب عليه الصبر والتحمّل والحكمة في التعامل مع الناس، والتّدرج في الأحكام حتى يستقر الإيمان في قلب المتلقي، والعمل على تجديد الوسائل والأساليب الدّعوية لتراعي أحوال المدعوين، ونبذ التّبعية المطلقة في الأمور الدنيويّة للدّاعية فهي تنافي التوجيه النّبوي.
مقدمة
إنّ من أهم الواجبات التي أوجبها الله تعالى ورسوله على المسلمين الدّعوة إلى الله سبحانه وهي آكد ما تكون على العلماء فهي منهج الرسل عليهم الصلاة والسلام وطريق أتباعهم إلى يوم الدين، وقد قامت الدعوة إلى الله تعالى على أصول راسخة ومبادئ ثابتة وقواعد محكمة، اطّردت في مناهج الأنبياء واكتملت بدعوة النّبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي وضع ضوابطها وأصولها التي توارثها أصحابه رضوان الله عليهم ومن جاء بعدهم؛ بغية نشر دين الله وأحكامه وإقامة أوامره واجتناب نواهيه مضحّين بذلك بأوقاتهم وأموالهم وبحياتهم في سبيل الله.
ومع هذا فإنّ الدّاعية مهما بلغ شأنه في العلم والعطاء فإنّه قد يعتريه الخطأ والهفوة من حيث يشعر أو لا يشعر، وإن بعضًا من هذه الهفوات قد تكون مؤثرة تأثيرًا سلبيًا على الدّاعية ودعوته قد تحوّل هدفه إلى نقيض ما يرجوه بل قد تسبّب لقمة سائغة لدى أعداء الإسلام يستغلونها لمحاربة وتشويه الدّين الإسلامي؛ فجاءت هذه الدراسة لتلقي الضّوء على أهم تلك الهفوات التي يقع فيها الدّاعية والمدعو وتبين المنهج النبوي الصّائب في تقويمها ومعالجتها.
وتكمن مشكلة هذه الدراسة في ظهور بعض الدّعاة في هذا الزمان ممن غفل عن المنهج النبوي في الدّعوة فوقعوا في هفوات عديدة حالت دون تمكنهم من تحقيق أهدافهم، كما أنّ هنالك أصناف من المدعوين خالفوا النهج النبوي الصحيح في قضية السماع من الداعية والتخبط في المغالاة والتبعية المقيتة المتشددة، فجاءت هذه الدراسة لتضع الحلول النّبوية المناسبة أمام الدّاعية والمدعو للنجاة بسفينة الدعوة إلى الله وإيصالها لبر الأمان فيعز الله بها الإسلام والمسلمين.
وبعد البحث والتّحري لم أعثر على دراسة مستقلة في هذا الموضوع، وكل ما وجدته عبارة عن مقالات بسيطة منشورة على مواقع الإنترنت تتحدث عن نصائح للدّعاة وبعض الأخطاء التي يقعون فيها.
وقد استدعت طبيعة هذه الدراسة استخدام المنهج الاستقرائي في البحث عن نصوص السنة النبوية التي تتحدث عن منهج النّبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله، ومعالجة أهم الهفوات الدعوية التي يقع فيها الداعية والمدعو، والمنهج الوصفي التحليلي الذي استخدمته في وصف وتحليل تلك النصوص وتطبيقها على أرض الواقع.
وتم تقسيم هذه الدراسة بعد هذه المقدمة إلى مبحثين رئيسين، الأول بعنوان هفوات الدّاعية ويندرج تحته ستة مطالب، والمبحث الثاني بعنوان: هفوات المدعوين من المسلمين.
.1هفوات الدّعاة
.1.1 تعالي وغرور الدّاعية
ظهر وللأسف بعض الدّعاة ممن ينتسب لأهل العلم من يرى في نفسه أنّه بلغ من العلم ما فاق به من سبقه ومن عاصره، وينظر للآخرين نظرة استعلاء وغرور فلا يسمح برأي يخاف رأيه، بل ويسفِّه آراء الآخرين وإن وافقت رأي كبار العلماء من أصحاب المذاهب الأربعة، يحبّ أن يتمثل الناس له وقوفًا، ويتهافتون على تقبيل يده، ويفرح بعبارات المعجبين المهللين المكبرين ومن لا يفعل منهم هكذا فهو لا يعرف قدر العلماء الكبار ولا قدر أولياء الله الصالحين، ويرى في نفسه أن الله وهبه من الإدراك والمعرفة ما يجهله الكثير وإن كان من أهل الاجتهاد أو كان من أهل القرون الأولى.
قال الغزالي: “آفة العلم الخيلاء فلم يلبث العالم أن يتعزز بالعلم ويستعظم نفسه ويحتقر الناس وينظر إليهم نظره إلى البهائم ويستجهلهم ويترفع أن يبدأه بالسلام فإن بدأ أحدهم بالسلام أو رد عليه ببشر أو قام له أو أجاب له دعوة رأى ذلك صنيعة عنده وبرا عليه يلزمه شكره واعتقد أنه أكرمهم وفعل بهم ما لا يستحقونه وأنه ينبغي أن يخدموه شكرا له على صنيعته “.[1]
هذا الغرور والتّعالي يتنافى تمامًا مع هدي النّبي صلى الله عليه وسلم وهو المُعلّم الأول والقدوة للبشرية، فكان يجلس مع أصحابه كواحد منهم، ولم يكن يجلس مجلسًا يميّزه عمن حوله، حتى إن الغريب الذي لا يعرفه، إذا دخل مجلسًا هو فيه، لم يستطع أن يفرق بينه وبين أصحابه ومما يدل على ذلك ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: “بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي المَسْجِدِ، دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى جَمَلٍ، فَأَنَاخَهُ فِي المَسْجِدِ ثُمَّ عَقَلَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ؟ وَالنّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّكِئٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ، فَقُلْنَا: هَذَا الرَّجُلُ الأَبْيَضُ المُتَّكِئُ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: يَا ابْنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ فَقَالَ لَهُ النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ أَجَبْتُكَ، فَقَالَ الرَّجُلُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي سَائِلُكَ فَمُشَدِّدٌ عَلَيْكَ فِي المَسْأَلَةِ، فَلاَ تَجِدْ عَلَيَّ فِي نَفْسِكَ؟ فَقَالَ: سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ…”.[2]
قال ابن الملقن: “في فوائد الحديث وأحكامه …التواضع؛ فإنه عليه السلام كان يجلس مختلطًا بهم، وهو من تواضعه”.[3]
وعن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكْثِرُ الذِّكْرَ، وَيُقِلُّ اللَّغْوَ، وَيُطِيلُ الصَّلَاةَ، وَيُقْصِرُ الْخُطْبَةَ، وَلَا يَأْنَفُ أَنْ يَمْشِيَ مَعَ الْأَرْمَلَةِ، وَالْمِسْكِينِ فَيَقْضِيَ لَهُ حَاجَتَهُ”.[4]
قال محمد بن علي الوَلَّوِي: “والمعنى أن من أخلاقه صلى الله عليه وسلم الكريمة، وشمائله العظيمة أنه لا يتكبّر، ولا يكره أَنْ يَمْشِيَ مَعَ الأرْمَلَةِ أي المرأة الفقيرة التي لا زوج لها”[5].
ومن مظاهر تواضعه صلى الله عليه وسلم، أنّه نهى أصحابه أن يقفوا له تعظيمًا فلم يكونوا مع شدة حبهم له يقفون عند رؤيته لعلمهم أنه كان يكره ذلك، فعن أبي مجلز رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَمْثُلَ لَهُ عِبَادُ اللهِ قِيَامًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ”.[6]
قال المناوي: “وذلك لأن ذلك إنما ينشأ عن تعظيم المرء بنفسه، واعتقاد الكمال، وذلك عجب وتكبر، وجهل وغرور”.[7]
فأين الدّاعية المغرور من تواضع النّبي صلى الله عليه وسلم؟ ألم يكن حريًا به أن يذكر فضل الله عليه ويترك الكبر والغرور؟ وقد أهَّله الله تعالى لمنصب الدعوة وفضَّله على غيره فأصبح من أهل العلم الذين يُنتظر منهم نشر علمهم للناس بكل تواضع وترفُّع عن الغرور والخضوع للحق، والاعتراف بالخطأ وعدم المعرفة أحيانًا. فقلما نسمع بداعية في هذا الزمان يقول لشيء لا أعرف جوابه، أو أمهلني حتى أبحث في الأمر، وكأنه يشعر بمنقصة إن قالها، أو أنها لا تليق به، مع أنّ كبار علماء الأمة كانت تُعرض عليهم مسائل متعددة ويعتذرون عن الإجابة لعدم معرفتهم بها وهذا الأمر يدعوهم للرجوع والبحث والقراءة، ويزيدهم رفعة وفضلًا ومكانة عند الناس.
وقد جاء رجل إلى الإمام مالك رحمه الله فقال: “يا أبا عبد اللَّه جِئتُكَ مِنْ مَسِيرَةِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ حَمَّلَنِي أَهْلُ بَلَدِي مَسْأَلَةً أَسْأَلُكَ عَنْهَا، قَالَ: فَسَلْ فَسَأَلَهُ الرَّجُلُ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَقَالَ: لَا أُحْسِنُهَا قَالَ: فَبُهِتَ الرَّجُلُ كَأَنَّهُ قَدْ جَاءَ إِلَى مَنْ يَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ، قَالَ فَقَالَ: فَأَيُّ شَيْءٍ أَقُولُ لِأَهْلِ بَلَدِتِي إِذَا رَجَعْتُ لَهُمْ؟ قَالَ: تَقُولُ لَهُمْ: قَالَ مَالِكٌ: لَا أُحْسِنُ”.[8] وهذا إمام من أئمة الفقه الذين كانت تشد لهم الرحال نجده يتوقى الفتوى فيما لا يحسنه أو يعلمه خشية من الوقوع في الخطأ والزلل ولا يجد في نفسه إحراجًا أو منقصة إن قالها، وهو قدوة لكل من هو دونه في العلم والقدر والمكانة.
.2.1 عدم تحرّز الدّاعية في أقواله وأفعاله
كل من يرتقي منبر الدعوة إلى الله يُنظر له نظرة ثاقبة خاصة، فزلته اليسيرة قد تكون كبيرة عند عوام النّاس، فهو مراقب في أفعاله وأقواله ما يطبقه منها وما يخالفه فهل هي مجرد شعارات ونصائح يلقيها على الناس ولا يلتزم بها؟ أم أنه خير من يقتدى به في الأقوال والأفعال؟ وهذا الأمر يجب أن يضعه الداعية نصب عينيه، وهو لا يعني أنه معصوم من الخطأ ولكنه في عرف الناس أن هذا الأمر لا يليق به، لذا حرص النّبي صلى الله عليه وسلم أن يكون خير قدوة للبشرية جمعاء في جميع تصرفاته وأقواله، ومما يدل على ذلك:
أـ معاقبة المخطئ وإن كان من أهل بيته صلى الله عليه وسلم.
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “وَأيْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا”.[9]
وهذا يدل على كمال عدله صلى الله عليه وسلم، وأنه نعم القائد الداعية القدوة لغيره الذي لا يفرق بين قريب وبعيد أو غني وفقير أو قوي وضعيف، والسيدة فاطمة رضي الله عنها أشرف من المخزومية بلا شك، ومع ذلك لم يفرق بينها وبين غيرها في إقامة حدود الله.
قال الملا علي القاري (ت1014هـ): “إنما ضرب المثل بفاطمة؛ لأنها أعز أهله صلى الله عليه وسلم“.[10]
ب ـ البدء بالكفّ عما حرمه الله بأهل بيته.
وجاء في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النّبي صلى الله عليه وسلم قال: “وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ “.[11]فأول ما قضى عليه من أمر الجاهلية ما كان يتصل بأقاربه، ليكون أمكن في قلوب السامعين وأسدَّ لأبواب الطمع في الترخيص.
قال القاضي عياض (ت544هـ): “وفيه وضعه عليه السلام أمور الجاهلية ورباها ودخولها، والبداية في ذلك بما يختص به ليتأسى بذلك غيره، ويطيب بذلك نفس من بقي في نفسه شيء من قرب عهده بالإسلام”.[12]
لذلك فإن من يتصدر للدعوة في سبيل الله يُنظر إليه نظرة خاصة ثاقبة فاحصة، ليعرف الناس هل هذا الداعية يطبق ما ينادي به على نفسه وأهل بيته؛ ليكون أدعى للناس في قبول ما يقوله هذا الداعية الواعظ، وإلا فإن وجدوا ميلًا أو انحرافا عما يقوله فلن يلق ما يقوله آذان صاغية ولسان حالهم يقول: إذا كان هذا الداعية يفعل كذا ويقول كذا، أو حال أهله كذا فكيف بنا نحن؟ فيستهجن تلك المواعظ وينبذها خلف ظهره؛ لأنها تعد مفارقات مذهلة تصرفه عنه وعن سماع ما يقول.
قال الله سبحانه: “يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ” (الصف:2-3)
وقد جاء في عقوبة من يأمر بالمعروف ولا يفعله وينهى عن المنكر ويفعله وعيد شديد، فعن أنس رضي الله عنه، عن النّبي صلى الله عليه وسلم قال: “يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ، فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الحِمَارُ بِرَحَاهُ، فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ: أَيْ فُلاَنُ مَا شَأْنُكَ؟ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنِ المُنْكَرِ؟ قَالَ: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلاَ آتِيهِ، وَأَنْهَاكُمْ عَنِ المُنْكَرِ وَآتِيهِ”.[13] فمن شأن الآمر أن يفعل ما يأمر به، والناهي أن يترك ما نهى عنه، وأنَّ العذاب يُشَدَّدُ على الداعية إذا عصى أعظم من غيره، كما يضاعف له الأجر إذا عمل بعلمه، والموعظة الحسنة مع القدوة الحسنة هما الغاية المؤثرة في الوعظ والإرشاد وهما ركنان متكاملان لا ينفصلان ومن قصر في أحدهما عوقب على ما قصر فيه.
قال أبو العباس القرطبي (ت 656هـ): “وإنَّما اشتد عذاب هذا؛ لأنَّه كان عالما بالمعروف وبالمنكر، وبوجوب القيام عليه بوظيفة كل واحد منهما، ومع ذلك فلم يعمل بشيء من ذلك، فصار كأنه مستهين بحرمات الله تعالى، ومستخف بأحكامه، ثم إنه لم يتب عن شيء من ذلك”.[14]
.3.1 ضجر الدّاعية وعدم تحلِّيه بالصبر والمصابرة.
يتعرض كل داعية إلى الله إلى أنواع من المعاناة والتّعب والمشاق الكثيرة بل، وإلى التنكُّر لجهده وعمله، وهذا الطريق سار فيه خير البشر من الأنبياء والرسل، وسبره قادة أفذاذ تعرضوا لشتى أنواع المتاعب والمشاق واحتسبوا جهدهم لله سبحانه والذي لا يضيع عنده مثقال ذرة من العمل.
ومما يدل على تحمل الأنبياء لمشاق الدعوة في سبيل الله ما رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: “آثَرَ النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُنَاسًا فِي القِسْمَةِ، فَأَعْطَى الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ، وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَأَعْطَى أُنَاسًا مِنْ أَشْرَافِ العَرَبِ فَآثَرَهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي القِسْمَةِ، قَالَ رَجُلٌ: وَاللَّهِ إِنَّ هَذِهِ القِسْمَةَ مَا عُدِلَ فِيهَا، وَمَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَأُخْبِرَنَّ النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَيْتُهُ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: فَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ يَعْدِلِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، رَحِمَ اللَّهُ مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ”.[15]
قال ابن بطّال: “فيه: رد السائل إذا ألحف بالموعظة الحسنة، لا بالانتهار الذي نهى الله عنه”.[16]
وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليه وسَلم: لَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللهِ وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ وَلَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللهِ، وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلاَثُونَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَا لِي وَلِبِلاَلٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا شَيْءٌ يُوَارِيهِ إِبْطُ بِلاَلٍ.[17]
قال ابن حجر: “معناه أ نَّه أُوحيَ إليه ما أُوذيَ به مَن قبلَه فتأذَّى بذلك زيادةً على ما آذاه قومه به”.[18]
ولعلّ أكثر ما يلقاه الدّعاة من الأذى يكون ممن يدعي أنّه من أهل العلم فتجدهم أكثر الناس محاربة لهم بغية تهميشهم وتحييدهم والدافع الرئيس لهم التّنافس البغيض على الدنيا، مبتعدين عن الآداب الإسلامية، ولا هدف لهم سوى مصالح دنيوية، بل وقد يتمادى بعضهم ويزين لهم الشيطان سوء عملهم ليقوموا بالافتراء والبهتان ونشر الافتراءات والأكاذيب على أولئك الدعاة البرآء، في سبيل القضاء عليهم وعلى دعوتهم، وتشويه سمعتهم، دون اتخاذ أي نوع من أنواع التحري الدقيق قبل بث سمومهم وافتراءاتهم.
ومن أشدّ الأمور التي ينبغي أن يحذر منها الدّاعية إلى الله حسن التّصرف أثناء مخالطة الناس، فالعامّي قد يقع في المحظور والزلل ويعتبر هذا الأمر أمرًا طبيعيًا في نظر الآخرين، أما الدّاعية فالنّاس ينظرون إليه نظرة الكمال والبعض من ينتظر منهم السقطة والزلّة ليقوموا بتضخيمها فيضيقون عليهم السبل ويقومون بالتشهير بهم، وهذا وللأسف منطق العوام من الجهلة والمتحاملين على الدين وعلى المتدينين، لذلك فالداعية محاصر بحكم مكانته بعادات وأعراف تكون قيودًا على عمله قد يتعرض بسببها للهمز واللمز والتسفيه والتقبيح والتحجيم، وقد يتهم بأبشع التهم وتؤلف عليه القصص التي تجد قبولًا عند ضعاف النفوس، وكل ذلك تشفيًا من الدين والتدين، وقد تعرض نبي الرّحمة لمثل هذا وأكثر فصبر واحتسب، فقالوا عنه كذّاب وشاعر وساحر وكاهن وأوذي وحوصر وضرب وطرد وتكلم في عرضه، ومع كل ذلك ضرب أروع المثل في الصبر والاحتساب والتمسك بالدعوة رغم كل هذه التهم والافتراءات، في زمن لم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم ولا لأتباعه الإذن الإلهي بحمل السلاح فيه، ولا حتى كوسيلة دفاع؛ ولأن المسلمين كانوا قلةً يعيشون في مدينة يعاديهم أغلبها. وبالرغم من ذلك كله ينزل التثبيت من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى: “وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لَّاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً * وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً * إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً”. (الإسراء 73-75)
وعن خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ، قَالَ: “شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ: أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ لَنَا؟ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ”.[19]
قال ابن بطّال: “لأنّه صلى الله عليه وسلم عَلِم من الله أنه قد سبق من قدره وعلمه أنه يجرى عليهم ما جرى من البلوى والمحن ليؤجروا عليها على ما جرت عادته في سائر أتباع الأنبياء من الصبر على الشدة في ذات الله، ثم يعقبهم بالنصر والتأييد، والظفر وجزيل الأجر”.[20]
هذه الآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها تسلية لقلب كل داعية إلى الله سبحانه وترويح له من كل ما يلقاه من جهد وعناء وتهم وافتراءات، فتكون حافزًا له ودافعًا للثبات والعطاء والصبر.
.4.1 عدم مراعاة تجديد الخطاب الدّعوي
المقصود بتجديد الخطاب الدعوي هو تجديد الوسائل والأساليب الدّعوية لتراعي أحوال المدعوين وظروفهم المكانية والزمانية، وليس المقصود بها تحريف النّصوص أو تضييع الأحكام الشرعية الثابتة لكي تتوافق مع بعض الميول والأهواء، وهذا التجديد يُعدّ نوعًا من الإحسان في الدعوة إلى الله سبحانه والذي لا يمكن أن يتحقق إلا بالتطوير والتجديد، وللوصول إلى أساليب التجديد النافعة لابد من تلافي الأخطاء التي يقع فيها الدعاة والتي تتنافى مع قاعدة التجديد ومنها:
أـ الاعتماد على النُّقول الشّرعية من غير النّظر في أحوال المخاطبين:
من أكبر الأخطاء التي يقع فيها الداعية أن ينقل من كتب أهل العلم الأحكام الشرعية ويفتي بها دون مراعاة حال المخاطب، فأحوال الناس تتغير من مكان إلى آخر، ومن زمان إلى آخر فالمريض يختلف عن الصحيح، والمسافر يختلف عن الحاضر.
وقد بوَّب البخاري في صحيحه باب من خص بالعلم قوما دون قوم، كراهية أن لا يفهموا، وقال عليٌّ: “حَدِّثُوا النَّاسَ، بِمَا يَعْرِفُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ، اللَّهُ وَرَسُولُهُ”.[21]
وروى مسلم عن ابن مسعود: “مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لَا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ، إِلَّا كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً”.[22]
قال ابن حجر: وممن كره التّحديث ببعض دون بعض أحمد في الأحاديث التي ظاهرها الخروج على السلطان، ومالك في أحاديث الصفات، وأبو يوسف في الغرائب، وضابط ذلك أن يكون ظاهر الحديث يقوي البدعة، وظاهره في الأصل غير مراد، فالإمساك عنه عند من يُخشَى عليه الأخذ بظاهره مطلوب، والله أعلم. [23]
ومما يؤيد هذا الكلام ما قاله ابن القيم (ت751هـ) رحمه الله: ” من أفتى الناس بمجرد المنقول في الكتب على اختلاف عرفهم وعوائدهم وأزمنتهم وأحوالهم وقرائن أحوالهم فقد ضل وأضل، وكانت جنايته على الدين أعظم من جناية من طبب الناس كلهم على اختلاف بلادهم وعوائدهم وأزمنتهم وطبائعهم بما في كتاب من كتب الطب على أبدانهم بل هذا الطبيب الجاهل وهذا المفتي الجاهل أضر ما على أديان الناس وأبدانهم والله المستعان”.[24]
ب ـ بُعد الخطاب الدعوي عن القضايا الواقعية المعاصرة.
يعيش المسلمون في العصر الحالي أمام معطيات جديدة، ومشاكل لم تكن موجودة فإذا لم يكن الخطاب الدعوي مرتبطًا بها ومتعرضاً لها لن يجد من المخاطب استجابة وتفاعلًا، ومما ميز الله به الشريعة الإسلامية أنها غنية بالأدوية الناجعة لأمراض الفرد والأسرة والمجتمع، وأنها مرنة فيها جميع ما يصلح للبشرية مهما استجدت القضايا وتشعبت، ومن شأنها أن تستوعب النوازل، وتلاحق التطورات والمستجدات، وَفْق أصول الشريعة ومقاصدها، بما يوسِّع على الناس، ويرفَع الحرج والمشقة عنهم، ولذا اقتضت حكمتُه سبحانَه وعدلُه ورحمتُه أن يُلزِم عباده بتشريعات ثابتة قطعية محددة، وأن يُكلِّفهم بأمور ما، ثم يوسِّع عليهم في كيفية الإتيان بها، وطريقة تحقيقها.
فعن أبي ثعلبة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ اللهَ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَنَهَى عَنْ أَشْيَاءَ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا، وَحَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَغَفَلَ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ فَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا”.[25]
قال الإمام ابن رجب (795هـ): “فحديث أبي ثعلبة قسَّم فيه أحكام الله أربعة أقسام: فرائض، ومحارم، وحدود، ومسكوت عنه، وذلك يجمع أحكام الدين كلها”.[26]
ج ـ التعصّب للمذهب وعدم الخروج عنه.
الاختلاف في فروع الشّريعة الإسلامية موجود منذ عهد الصحابة رضوان الله عليهم ومن جاء بعدهم، ولم يكن هذا الاختلاف مدعاة للتّعصب والتّباغض بل كان الغرض منه إصابة الحق واختيار الأفضل؛ لذا وجب على الداعية ألا يتعصب لرأي مذهبه إن وجد الحق في الرأي الآخر، وهذا الأمر قد يؤدّي إلى تحويل خطاب الداعية في البلاغ العام بدعوة الإسلام إلى تعصب لمذهبه؛ لأن هذا المسلك يضيق على المخاطبين بالدعوة ما وسعه الدين عليهم، فتنفر منه فطرهم، وتأباه طباعهم، ومن ثم لا يتأثرون به، بل ربما يكون لديهم موضع تهمة، ومن أسوأ أنواع التعصب المذهبي الانتصار للمذهب بالأحاديث الضَّعيفة والموضوعة، والآراء الفاسدة، وتَرْك ما صحَّ وثبت من الأحاديث النبوية الشريفة.
قال الشافعيُّ (ت 204هـ) رحمه الله: “وأما أن نخالف حديثًا عن رسول الله ثابتًا عنه فأرجو ألا يؤخذ ذلك علينا إن شاء الله، وليس ذلك لأحد ولكن قد يجهل الرجل السنة فيكون له قول يخالفها لا أنه عمد خلافها وقد يغفل المرء ويخطئ في التأويل”.[27]
فالواجب على الداعية التّمسك بالسّنة النّبوية الصّحيحة والنّهي عن التّقليد بدون بصيرة، فإنّ من تمسك بكل ما ثبت في السنة ولو خالف بعض أقوال الأئمة لا يكون مباينا لمذهبهم ولا خارجًا عن طريقتهم بل هو متبع لهم جميعًا، قال تعالى: “فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا” (النساء:65)، وقال سبحانه: “فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ”. (النور: 63)
.5.1 التّخلي عن الوعي والمنهجيّة في أسلوب الدعوة.
من أبرز صفات الداعية الناجح أن يكون واعيًا فطنًا صاحب منهجية عقلانية في التعامل مع المدعوين؛ لكي يكون أقرب لاستجابتهم والتأثر به، فليس من الوعي والمنهجية أن يبدأ الداعية مع رجل حديث عهد بإسلام بأمره بالختان، أو بتعريفه للحدود، وليس من الحكمة أن نبدأ بمن أقبل تائبًا بعد إسراف أن نبدأ معه بالمطالبة بقضاء جميع الصلوات التي فاتته، فالوعي والحكمة يتطلب التدرج في الأحكام حتى يستقر الإيمان في قلب المتلقي وتطمئن نفسه للإسلام، وهذا هو منهج النّبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة وهو المنهج الذي طلبه من الصحابة رضوان الله عليهم عندما بعثهم دعاة، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه عندما بعثه إلى اليمن: “إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ كِتَابٍ، فَإِذَا جِئْتَهُمْ، فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ، فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ وَاتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ”.[28]
وعن يوسف بن مَاهَكٍ قال: “إِنِّي عِنْدَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها إِذْ جَاءَهَا عِرَاقِيٌّ فَقَالَ: أَيُّ الْكَفَنِ خَيْرٌ؟ قَالَتْ: وَيْحَكَ وَمَا يَضُرُّكَ. قَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَرِينِي مُصْحَفَكِ، قَالَتْ: لِمَ؟ قَالَ: لَعَلِّي أُوَلِّفُ الْقُرْآنَ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يُقْرَأُ غَيْرَ مُؤَلَّفٍ، قَالَتْ: وَمَا يَضُرُّكَ أَيُّهُ قَرَأْتَ قَبْلُ، إِنَّمَا نَزَلَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْهُ سُورَةٌ مِنَ الْمُفَصَّلِ، فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الْإِسْلَامِ نَزَلَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ، وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلَ شَيْءٍ: لَا تَشْرَبُوا الْخَمْرَ، لَقَالُوا: لَا نَدَعُ الْخَمْرَ أَبَدًا، وَلَوْ نَزَلَ: لَا تَزْنُوا، لَقَالُوا: لَا نَدَعُ الزِّنَا أَبَدًا، لَقَدْ نَزَلَ بِمَكَّةَ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ أَلْعَبُ: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} وَمَا نَزَلَتْ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ إِلَّا وَأَنَا عِنْدَهُ، قَالَ: فَأَخْرَجَتْ لَهُ الْمُصْحَفَ، فَأَمْلَتْ عَلَيْهِ آيَ السُّورِ”.[29]
واختيار المنهج الذي يناسب كل فرد من الأفراد برع به النّبي صلى الله عليه وسلم وذلك لوعيه الشديد وفطنته ومنهجيته في الدعوة.
فرجل يأتيه طالبًا من النّصح، وهو يعلم أن من طبع السائل أنه عصبي المزاج فيوصيه بعدم الغضب.
فعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه، “أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوْصِنِي، قَالَ: لاَ تَغْضَبْ، فَرَدَّدَ مِرَارًا، قَالَ: لاَ تَغْضَبْ”.[30]
قال ابن الجوزي (ت597هـ) رحمه الله: “ذكر لكل قوم ما يخاف أن يصدر منهم أكثر من غيره، كما قال لبعضهم: لا تغضب، كأنه أحس منه بشدة الغضب”.[31]
وجاءه رجلُ اسمه جَرْمُوز الْهُجَيْمِيَّ، فقَالَ: “قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوْصِنِي، قَالَ: أُوصِيكَ أَنْ لَا تَكُونَ لَعَّانًا“.[32]
وطلب أحدهم عملًا يدخله الجنة فأجابه بعزل الأذى عن طريق المسلمين، كما في حديث أبي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: “قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ أَوْ أَنْتَفِعُ بِهِ؟ قَالَ: اعْزِلِ الْأَذَى عَنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ“.[33]
قال الطيبي (ت743هـ) رحمه الله: “فإن قلت: كيف خص الجواب بأدنى شعب الإيمان دون أعلاها وأوسطها؟ قلت: إن أبا برزة كان من أكابر الصحابة، وكان متحليًا بالشعب، وأهمها بالنسبة إليه هذه، أو ذكر أدناها؛ ليدل على إرادة الأعلى بالطريق الأولى”.[34]
وطلب آخر مثل ذلك فاختلف الجواب، كما في حديث أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: “أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الجَنَّةَ، قَالَ: تَعْبُدُ اللَّهَ لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ المَكْتُوبَةَ، وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ المَفْرُوضَةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ”.[35]
قال القاضي عياض (ت544هـ): “وفيه بيان ما يلزمه للمتعلم المسترشد، وإجابته لما يرى أنه ينفعه ويحتاج إليه في دينه“.[36]
كل هذا يدلّ على أنّ الدّاعية الواعي هو الذي يعرف الظروف والهيئات والأحوال واختيار المنهج الذي يناسب كل شخص من الأشخاص حسب ميوله ورغباته أو حسب ما يجده من تقصير في جانب من الجوانب.
.6.1 تعنّت الدّاعية وابتعاده عن الرّحمة واللّين
من هديه صلى الله عليه وسلم في الدّعوة إلى الله تعالى الرّحمة بالمدعو ونبذ التّعنت، قال سبحانه وتعالى: “فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ” (آل عمران: 159).
فعلى الدّاعية أن لا يضيق ذرعًا بالمخالفات والأخطاء التي تصدر عن الناس، ولو وجه له نقد أو اعتراض أو تسفيه، وعليه أن يبذل قصارى جهده في تصويب الأخطاء بحكمة وموعظة حسنة، ولنا في رسول الله قدوة حسنة في ذلك، فقد بذل أفضل أساليب الرحمة والحكمة في دعوته ومن أمثلة ذلك ما رواه معاوية بن الحكم السُّلمي رضي الله عنه قال: “بَيْنا أَنا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللهُ فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ، مَا شَأْنُكُمْ؟ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ، فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاللهِ، مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي، قَالَ: إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ”.[37]
قال النووي: “فيه بيان ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عظيم الخلق الذي شهد الله تعالى له به ورفقه بالجاهل ورأفته بأمته وشفقته عليهم وفيه التخلق بخلقه صلى الله عليه وسلم في الرفق بالجاهل وحسن تعليمه واللطف به وتقريب الصواب إلى فهمه”.[38]
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه المشهور قال: “قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي المَسْجِدِ، فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ، فَقَالَ لَهُمُ النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعُوهُ وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ، أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ”.[39]
قال ابن حجر: “فيه الرفق بالجاهل وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيف إذا لم يكن ذلك منه عنادا ولا سيما إن كان ممن يحتاج إلى استئلافه وفيه رأفة النّبي صلى الله عليه وسلم وحسن خلقه”.[40]
بل إن رحمته صلى الله عليه وسلم شملت تطبيق الحدود الشرعية، فقد جاء في حديث رجم ماعز “فأخرجَ به إلى الحَرَّة، فلما رُجِمَ، فوجد مسَّ الحجارة فجزِع فخرج يشتدُّ، فلقيه عبدُ الله بن أُنَيس، وقد عَجَزَ أصحابُه، فنزَعَ له بوظيفِ بعير[41] فرماه به، فقتَله، ثم أتى النّبي صلَّى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فقال: هلا تركتموه، لعله أن يتُوب فيتوبَ اللهُ عزَّ وجلَّ عليه”.[42]
بل جاء في رواية أحمد: “وَيْلَكَ يَا هَزَّالُ، لَوْ كُنْتَ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ، كَانَ خَيْرًا لَكَ”.[43]
ففي الحديث دليل واضح على حرص النّبي صلى الله عليه وسلم على ستر المذنب لعله يستغفر الله فيغفر له، والحدود إنما شرعت زجرًا للمجرمين والمخطئين، ومع ذلك كله فقد تعامل نبي الرحمة معها بكل رحمة وستر قبل أن تصل إلى مرحلة الحكم وعلى الحاكم أن يدرأ الحدود بالشبهات قدر ما يستطيع وإلا طبق الحد كما أمره الله تعالى ورسوله.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله صلى الله صلى الله عليه وسلم: “ادْرَؤُوا الحُدُودَ عَنِ المُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَخْرَجٌ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ فَإِنَّ الإِمَامَ أَنْ يُخْطِئَ فِي العَفْوِ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي العُقُوبَةِ”.[44]
لذا وجب أن يتّصف الدّاعية بصفة العفو والصفح فلا يحمل في قلبه غلًا لأحد من المسلمين، وهذا مقام رفيع اتصف به الأنبياء عليهم السلام فكان من إرثهم للعلماء الدعاة فحري بهم أن يكونوا أهلًا لهذا الإرث العظيم فيتصفون باللين والرحمة والعفو، ومن مظاهر اللين إضافة لما ذكرناه قصر الخطبة وترك التطويل، فالخطيب الذي يطيل في خطبته ولا يراعي أحوال المستمعين يكون قد تشدّد معهم وحملهم على مشقة الاستماع له، وكما يقال خير الكلام ما قلّ ودلّ وهو مصداق لحديث النّبي صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ، وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ، مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ، فَأَطِيلُوا الصَّلَاةَ، وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ، وَإِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا”.[45]
هذا كان هديه صلى الله عليه وسلم في خطبه فقد كانت قصيرة موجزة حوت جوامع الكلم وابتعدت عن التشريق والتغريب والحشو الزائد، وركزت على المطلوب من غير إيجاز مخل، ولا إطناب ممل.
ومن مظاهر اللين أيضًا الإمامة والتي تتطلب حكمة من الإمام ومراعاةَ لأحوال المصلين ففيهم الضعيف والمريض وصاحب الحاجة، وهذ هو هديه صلى الله عليه وسلم، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ أَشَدَّ النَّاسِ تَخْفِيفًا فِي الصَّلَاةِ”.[46]
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: “قالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لاَ أَكَادُ أُدْرِكُ الصَّلاَةَ مِمَّا يُطَوِّلُ بِنَا فُلاَنٌ، فَمَا رَأَيْتُ النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَوْعِظَةٍ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْ يَوْمِئِذٍ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ مُنَفِّرُونَ، فَمَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمُ المَرِيضَ، وَالضَّعِيفَ، وَذَا الحَاجَةِ”.[47]
قال ابن بطّال: “وإنّما غضب عليه، لأنه كره التطويل في الصلاة من أجل أن فيهم المريض، والضعيف وذا الحاجة، فأراد الرفق والتيسير بأمته”.[48]
فعلى الداعية أنم يقتدي بما كان عليه الرعيل الأول من التيسير والتخفيف على الناس، وأما إذا صلى لوحده فليطوّل ما شاء، وفي هذا اتباع لسنة المصطفى عليه أفضل الصلاة والتسليم.
.2 هفوات يقع فيها المدعو من المسلمين
.1.2 التّبعية العمياء للدّاعية
مما شرّعه النّبي صلى الله عليه وسلم من الآداب الإسلامية تكريم الكبار وتوقيرهم، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه يبلغ به النّبي صلّى الله عليه وسلّم، قال: “مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ حَقَّ كَبِيرِنَا فَلَيْسَ مِنَّا”.[49] ويتأكد هذا التّوقير إذا كان الكبير عالمًا جليلًا من ورثة الأنبياء والمرسلين فلا شكّ أنّ فضله وتقديره سيكون أفضل وأولى، ومع هذا كلّه فالعالم والدّاعية غير معصوم ولا عصمة إلا للأنبياء وعلى رأسهم خاتمهم عليه أفضل الصلاة والتسليم.
قال الإمام مالك رحمه الله: “كل يؤخذ من قوله ويترك الا صاحب هذا القبر صلى الله عليه وسلم”.[50]
فنلاحظ أن كثيرًا من المقولات المنتشرة في هذا الزمان والتي لا يسيغها عقل ولا يحملها منطق تدعو للتّبعية العمياء والتّقديس للدّاعية، حتى لو رأيته على معصية لا قدر الله فإنّه يؤوَّل على أنّه من باب الدعوة الخاصة به، وهذا فهم سقيم يقود صاحبه للاستدلال الخطأ ومن أبرز التعاليم التي وجه إليها النّبي صلى الله عليه وسلم الدالة على نبذ التبعية ما يأتي:
أـ جبُّ الغيبة عن النفس والبعد عن مواطن الشبهات:
فالرسول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم علمنا ضرورة أن يجُبَّ أحدنا المغيبة عن نفسه والبعد عن مواطن الشبهات، فمن تعرض لشيء من هذا وجب بيانه للناس لئلا يظن بهم السوء ومما يدلّ على ذلك:
حديث صفية بنت حيي رضي الله عنها قالت: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مُعْتَكِفًا فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلًا، فَحَدَّثْتُهُ ثُمَّ قُمْتُ فَانْقَلَبْتُ، فَقَامَ مَعِي لِيَقْلِبَنِي، وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، فَمَرَّ رَجُلاَنِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَلَمَّا رَأَيَا النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْرَعَا، فَقَالَ النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ فَقَالاَ سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا سُوءًا، أَوْ قَالَ: شَيْئًا”.[51]
قال الإمام النووي: “وفيه استحباب التحرز من التعرض لسوء ظن الناس في الإنسان وطلب السلامة والاعتذار بالأعذار الصحيحة وأنه متى فعل ما قد ينكر ظاهره مما هو حق وقد يخفى أن يبين حاله ليدفع ظن السوء”.[52]
وهذا الأمر من الأعراض التي تنتاب الإنسان فبادَر صلى الله عليه وسلم ببيانها لئلا يدخل الشكّ في قلوب بعض الصحابة رضوان الله عليهم ولا يقوم أحدهم بتأويل ما رآه تأويلًا يخالف الواقع، أو يظن بأن هذا الأمر من خصوصيات النّبي صلى الله عليه وسلم، أو يقوم بتقليده بلا علم ولا دراية.
ب ـ مشاورة أهل الخبرة والرأي:
قد تصل درجة التّبعية للدّاعية إلى درجة التّقديس التّام والالتزام بأوامره في جميع شؤون الحياة، وخير من يقتدى به ويتخذ منهجًا في هذه الأمور هو النّبي صلى الله عليه وسلم فقد كان المرجع الأول في الشؤون الدينية، أما في أمر الدّنيا فقد أطلق لنا العنان للاستفسار ومشاورة أهل الاختصاص وذوي الخبرة والرأي، ومما يدل على ذلك قصة تأبير النّخل والتي أشار فيها النّبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه بعدم فعل ذلك فكانت النّتيجة أنّ النّخل لم يحمل الثّمر في ذلك العام فأعلنها صلى الله عليه وسلم صريحة “إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ دِينِكُمْ فَخُذُوا بِهِ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ رَأْيِي، فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ “.[53] فقد يعتقد النّبي صلى الله عليه وسلم في أمور الدنيا بشيء على وجه ويظهر خلافه.
ومما يدلّ على هذا أيضًا ما حدث في غزوة بدر عندما نزل في موقع لا يصلح للحرب فقال له الحباب بن المنذر رضي الله عنه: “يا رسول الله، منزل أنزلكه الله ليس لنا أن نتعدّاه ولا نقصر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل هو الرأي والحرب والمكيدة، فقال الحباب: يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزل”.[54] فإذا كانت مثل تلك الأمور الدنيوية حدثت مع خير البرية عليه أفضل الصلاة والتسليم وهو المعصوم في الأمور الدينية فكيف لا يمكن أن تحدث لبقية البشر مهما بلغت مرتبته من العلم؟ وليس في هذا كله نقيصة ولا محطة، وإنما هي أمور تخضع للتجربة والخبرة الحياتية وما جرى في حق النّبي صلى الله عليه وسلم من أمور الدنيا ما هو إلا تعليم لنا على الأخذ بالأسباب جيدًا والتعرض لسنن الله في الأرض بكل اتقان ثم التوكل عليه سبحانه، وما حدث مع نبي الأمة وهو سيد البشر وأكرم الخلق يدعو بحق إلى نبذ التّبعية المطلقة للغير، فالدّاعية قد يعلم بأمور الدين ويرشد إليها ويوجه إلى السلوك القويم ولا ينبغي تحميله ما لا ينبغي فالطبيب أدرى بأمور العلاج، والمهندس أدرى بأمور البناء، والمزارع أدرى بأمور الزراعة وهكذا.
ج ـ صلاة الاستخارة:
من أبرز تعاليم النّبوة للبشرية الحثّ على صلاة الاستخارة في كل أمر لا نعلم خيره من شره، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: “كان رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا، كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ، يَقُولُ: “إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الفَرِيضَةِ…”.[55] وقوله: “إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ” فيه دلالة واضحة على أن الخير والشر لا يعلمه أحد إلا الله سبحانه، فالتّبعية المطلقة في الأمور الدنيويّة للشّيخ أو الدّاعية تنافي التوجيه النبوي الذي حثّ على الاستخارة لكل من طرأ عليه أمر لا يعلم خيره من شره لعل الله يشرح صدره للفعل أو الترك، وقد يصل الأمر بالبعض إلى أن يطلب الاستخارة من شيخه مع أن الحديث واضح الدلالة في أن الصلاة يقوم بها صاحب الشأن ولا يوكل بها أحدًا.
قال ابن بطال: “فقه هذا الحديث أنه يجب على المؤمن رد الأمور كلها إلى الله، وصرف أزمتها والتبرؤ من الحول والقوة إليه، وينبغي له ألا يروم شيئًا من دقيق الأمور وجليلها، حتى يستخير الله فيه ويسأله أن يحمله فيه على الخير ويصرف عنه الشر؛ إذعانًا بالافتقار إليه في كل أمر والتزامًا لذلة العبودية له، وتبركًا باتباع سُنّة نبيّه صلى الله عليه وسلم في الاستخارة”.[56]
لذا ينبغي على المسلم بعد الاستخارة أن يقوم بعمل ما انشرحت له نفسه لا ما انشرح له نفس شيخه، ولا يعتمد على انشراح قبل استخارته لأنه بهذا لا يكون طالبًا للخيرة من الله سبحانه.
قال الإمام النووي رحمه الله: “ينبغي أن يفعل بعد الاستخارة ما ينشرح له فلا ينبغي أن يعتمد على انشراح كان له فيه هوى قبل الاستخارة، بل ينبغي للمستخير ترك اختياره رأسًا وإلا فلا يكون مستخيرا لله بل يكون مستخيرا لهواه وقد يكون غير صادق في طلب الخيرة وفي التبري من العلم والقدرة وإثباتهما لله تعالى، فإذا صدق في ذلك تبرأ من الحول والقوة ومن اختياره لنفسه”.[57]
د ـ السؤال في أمور الدّين والدّنيا:
من هدي النّبي صلى الله عليه وسلم أنه أطلق العنان لأصحابه للسؤال والاستفسار عن كل ما يخص أمري الدّين والدّنيا، بل وقد كان يطلب منهم أن يسألوه سؤال المستفسر عن أحكام دينه الطالب للمعرفة والحقيقة، وهذا ما يخالف المفهوم الأعوج عند من يرى أن داعيته أو شيخه لا يُسأل عن شيء لأن في هذا السؤال نوع من الاعتراض أو الانكار فيجب أن تسلم نفسك لشيخك وتوقف دماغك عن التفكير وحواسك عن العمل.
مع أن من أهم وسائل إدراك العلم السؤال، وهذا ما كان يفعله الصحابة رضوان الله عليهم مع النّبي صلى الله عليه وسلم فقد كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسئلةً تدُلُّ على عمق علمهم، وشدَّة تعلُّق نفوسهم بالآخرة، قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: “مَا رَأَيْتُ قَوْمًا كَانُوا خَيْرًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ … مَا كَانُوا يَسْأَلُونَ إِلَّا عَمَّا يَنْفَعُهُمْ”.[58]وقد تنوعت أسئلة الصحابة رضوان الله عليهم فمنهم من يسأل عن أركان الدين، ومنهم من يسأل عن عمل يقربه إلى الجنة ويبعده عن النار، ومنهم من يسأل عن عمل إذا عمله أحبه الله وأحبه الناس إلى غير ذلك، ومن أمثلة ما جاءت به السنة النبوية من أسئلة الصحابة رضوان الله عليهم ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه: “أنَّ أعرابيًا أتى النّبي صلى الله عليه وسلم فقال: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الجَنَّةَ، قَالَ: تَعْبُدُ اللَّهَ لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ المَكْتُوبَةَ، وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ المَفْرُوضَةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ”.[59]
وعن أبي برزة رضي الله عنه قال: “قلت يَا نَبِيَّ اللهِ عَلِّمْنِي شَيْئًا أَنْتَفِعُ بِهِ، قَالَ: اعْزِلِ الْأَذَى، عَنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ”.[60]
فهذه الأمثلة وغيرها الكثير تدل على مشروعية سؤال أهل العلم في الأمور الدينية مادامت للتبصر وطلب الفائدة، وهو مصداق قوله تعالى: “قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِين”. (يوسف:108). فالآية الكريمة واضحة الدلالة تدل على أن كل الدعاة إلى الله سبحانه ينبغي أن يتحملوا نصيبهم من الدعوة، ويقوموا بها خير قيام، كما قام بها من جاء قبلهم.
ولا يوجد في ديننا ما يمنع المسلم من الاستفهام عن أمور دينه ودنياه ولا يليق به أن يبق تابعًا تبعية عمياء لشيخه فيقبل ويرضخ وإن كان غير مقتنع بما يقوله بحجة عدم جواز مخالفة الشيخ والجماعة وما شابه ذلك.
الخاتمة
بعد عرض أهم الهفوات التي يقع فيها الداعية والمدعو، وبيان المنهج النبوي في علاج تلك الهفوات في طريق الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، والذي تميّز بشموله وصلاحه ونجاحه، نخلص إلى النتائج الآتية:
1ـ من أهمّ ما يجب أن يتحلّى به الدّاعية أن يذكر فضل الله عليه ويترك الكبر والغرور، وقد أهَّله الله تعالى لمنصب الدعوة وفضَّله على غيره فأصبح من أهل العلم الذين يُنتظر منهم نشر علمهم للناس بكل تواضع وترفُّع عن الغرور والخضوع للحق، والاعتراف بالخطأ وعدم المعرفة أحيانًا، وأن يهتدي بهدي النّبي صلى الله عليه وسلم وهو المُعلّم الأول والقدوة للبشرية، الذي كان يجلس مع أصحابه كواحد منهم، ولم يكن يجلس مجلسًا يميّزه عمن حوله.
2ـ يجب على الدّاعية أن يضع نصب عينيه أنّه قدوة للآخرين وتصرفاته مراقبة، وهذا لا يعني أنّه معصوم من الخطأ ولكنه في عرف النّاس أنّ هذا الأمر لا يليق به، لذا حرص النّبي صلى الله عليه وسلم أن يكون خير قدوة للبشريّة جمعاء في جميع تصرفاته وأقواله.
3ـ يتعرّض كل داعية إلى الله إلى أنواع من المعاناة والتّعب والمشاق الكثيرة بل، وإلى التنكُّر لجهده وعمله، لذا وجب عليه حسن التّصرف أثناء مخالطة الناس، لأنّهم ينظرون إليه نظرة الكمال، والبعض من ينتظر منهم السقطة والزلّة ليقوموا بتضخيمها فيضيقون عليهم السبل ويقومون بالتشهير بهم، فما عليه إلا الصبر والتحمّل والحكمة في التعامل مع الناس ويتذكر أنّ هذا الطريق سار فيه خير البشر من الأنبياء والرسل فقد أوذوا في سبيل الله فصبروا حتى أظهر الله على أيديهم الحق.
4ـ على الدّاعية أن يعمل على تجديد الوسائل والأساليب الدّعوية لتراعي أحوال المدعوين وظروفهم المكانية والزمانية، فلا ينقل من كتب أهل العلم ويفتي دون مراعاة حال المخاطب، فأحوال الناس تتغير من مكان إلى آخر، ومن زمان إلى آخر، وأنه يجب أن يهتم بالمعطيات الجديدة، والمشاكل التي لم تكن موجودة فإذا لم يكن الخطاب الدعوي مرتبطًا بها ومتعرضاً لها لن يجد من المخاطب استجابة وتفاعلًا، وألا يتعصب لرأي مذهبه إن وجد الحق في الرأي الآخر.
5ـ الوعي والحكمة يتطلب التّدرج في الأحكام حتى يستقر الإيمان في قلب المتلقي وتطمئن نفسه للإسلام، فالداعية الواعي هو الذي يعرف الظروف والهيئات والأحوال واختيار المنهج الذي يناسب كل شخص من الأشخاص حسب ميوله ورغباته أو حسب ما يجده من تقصير في جانب من الجوانب.
6ـ على الدّاعية ألا يضيق ذرعًا بالمخالفات والأخطاء التي تصدر عن الناس، ولو وجه له نقد أو اعتراض أو تسفيه، وعليه أن يبذل قصارى جهده في تصويب الأخطاء بحكمة وموعظة حسنة، وله في رسول الله قدوة حسنة في ذلك، فقد بذل أفضل أساليب الرحمة والحكمة في دعوته.
7ـ توقير العلماء الدّعاة وإكرامهم مما أكدت عليه السنة النبوية فهم ورثة الأنبياء والمرسلين، وهذا لا يعني أنّ العالم أو الدّاعية معصوم فلا عصمة إلا للأنبياء وعلى رأسهم خاتمهم عليه أفضل الصلاة والتسليم.
8ـ جُبُّ المغيبة عن النّفس والبعد عن مواطن الشبهات، من أهم ما يجب أن يفعله الدّاعية إلى الله فمن عرّض نفسه لشبهة ما وجب بيانها للنّاس لئلا يُظن به السّوء، أو يستدعى تأويله من قبل النّاس على أنّه من باب الدعوة الخاصة به، فيولد فهمًا سقيمًا يقود صاحبه للاستدلال الخطأ.
9ـ أطلق النّبي صلى الله عليه وسلم لنا العنان للاستفسار ومشاورة أهل الاختصاص وذوي الخبرة والرأي في أمور الدّنيا ولم يأمر بالتبعية العمياء له، فمثل هذه الأمور الدنيوية قد يخطئ فيها الدّاعية لقلة خبرته فيها، وقد حدثت مع خير البرية عليه أفضل الصلاة والتسليم وهو المعصوم في الأمور الدينية فكيف لا يمكن أن تحدث لبقية البشر مهما بلغت مرتبته من العلم؟ وليس في هذا كله نقيصة ولا محطّة، وإنما هي أمور تخضع للتجربة والخبرة الحياتية.
10ـ التّبعية المطلقة في الأمور الدنيويّة للشّيخ أو الدّاعية تنافي التوجيه النّبوي الذي حثّ على الاستخارة لكل من طرأ عليه أمر لا يعلم خيره من شره لعل الله يشرح صدره للفعل أو التّرك.
11ـ لا يوجد في ديننا ما يمنع المسلم من الاستفهام عن أمور دينه ودنياه ولا يليق به أن يبق تابعًا تبعية عمياء لشيخه فيقبل ويرضخ وإن كان غير مقتنع بما يقوله بحجة عدم جواز مخالفة الشيخ والجماعة وما شابه ذلك، ولا حجة فيمن يدعي أن هذا السؤال نوع من الاعتراض أو الانكار فيجب أن تُسلم نفسك لشيخك وتوقف دماغك عن التفكير وحواسك عن العمل.
[1] نقله عنه: عبد الرؤوف بن تاج العارفين المناوي، فيض القدير شرح الجامع الصغير (مصر: المكتبة التجارية الكبرى، 1356هـ)، 6/369.
[2] محمد بن إسماعيل البخاري، الجامع المسند الصحيح، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر (بيروت: دار طوق النجاة، 1422هـ)، “العلم”، 6 (رقم 63)؛ مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، المسند الصحيح المختصر، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي (بيروت: دار إحياء التراث العربي، د.ت.)، “الإيمان”، 3 (رقم 12).
[3] عمر بن علي بن أحمد ابن الملقن، التوضيح لشرح الجامع الصحيح (دمشق: دار النوادر، 1429 هـ / 2008 م)، 3/287.
[4] أحمد بن شعيب بن علي النسائي، السنن الكبرى، تحقيق: حسن عبد المنعم شلبي (بيروت: مؤسسة الرسالة، 1421 هـ / 2001 م)، “الجمعة”، 29 (رقم 1728)؛ الحاكم محمد بن عبد الله بن محمد النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا (بيروت: دار الكتب العلمية، 1411ه /1990)، “تواريخ المتقدمين”، 28 (رقم 4225)، وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.
[5] محمد بن علي بن آدم بن موسى الإثيوبي الوَلَّوِي، ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (مكة المكرمة: دار آل بروم للنشر والتوزيع، 1424 هـ /2003 م)، 16/265.
[6] أحمد بن حنبل، المسند، 28/40 (رقم 16830)؛ أبو داود سليمان بن الأشعث السِّجِسْتاني، سنن أبي داود، تحقيق: شعيب الأرنؤوط – محمد كامل قره بلي (بيروت: دار الرسالة، 1430 هـ /2009 م)، “الأدب”، 165 (رقم 5229). وإسناد الحديث صحيح.
[7] المناوي، فيض القدير، 6/31.
[8] يوسف بن عبد الله بن عبد البر القرطبي، جامع بيان العلم وفضله، تحقيق: أبي الأشبال الزهير (الرياض: دار ابن الجوزي، 1414 هـ /1994م)، 2/838.
[9] البخاري، “حديث الأنبياء”، 52 (رقم 3475)؛ مسلم، “الحدود”، 2 (رقم 1688).
[10] علي بن سلطان محمد الملا الهروي القاري، مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (بيروت: دار الفكر، 1422هـ / 2002م)، 6/2366.
[11] مسلم، “الحج”، 19 (رقم1218).
[12] عياض بن موسى بن عياض السبتي، إكمال المعلم بفوائد مسلم (مصر: دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، 1419هـ / 1998م)، 4/276.
[13] البخاري، بدء الخلق، 10 (رقم 3267)؛ مسلم، “الزهد والرقائق”، 7 (رقم 2989).
[14] أبو العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم القرطبي، المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، تحقيق: محيي الدين ديب ميستو، وآخرون (دمشق: دار ابن كثير، 1417هـ / 1996م)، 6/621.
[15] البخاري، “فرض الخمس”، 18 (رقم 3150)؛ مسلم، “الزكاة”، 46 (رقم 1062).
[16] علي بن خلف بن عبد الملك ابن بطال، شرح صحيح البخاري (الرياض: مكتبة الرشد، 1423هـ / 2003م)، 5/320.
[17] أحمد بن حنبل، المسند، 19/245 (رقم 12212)؛ ابن ماجه محمد بن يزيد القزويني، سنن ابن ماجه، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي (بيروت: دار إحياء الكتب العربية، د.ت.)، “فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم”، 15 (رقم151)؛ محمد بن عيسى بن سَوْرة الترمذي، سنن الترمذي، تحقيق: بشار عواد معروف (بيروت: دار الغرب الإسلامي، 1998م)، “صفة القيامة والرقائق، 34 (رقم 2472)، والحديث إسناده صحيح.
[18] أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري (بيروت: دار المعرفة، د.ت.)،11/312.
[19] البخاري، “المناقب”، 22 (رقم 3612)
[20] ابن بطال، شرح صحيح البخاري، 8/297.
[21] البخاري، “العلم”، 49 (رقم 127).
[22] مسلم، “المقدمة”، 3 (رقم 5).
[23] ابن حجر، فتح الباري، 1/225.
[24] محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، إعلام الموقعين عن رب العالمين،(القاهرة: مكتبة الكليات الأزهرية، 1388هـ/1968م)، 3/78.
[25] سليمان بن أحمد الطبراني، المعجم الكبير، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي (القاهرة، مكتبة ابن تيمية، د.ت.)، 22/212، (رقم 589)؛ علي بن عمر الدارقطني، سنن الدارقطني، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرون (بيروت: مؤسسة الرسالة، 1424 هـ /2004 م)، “الصيد والذبائح”، (رقم 4814)، وللحديث شواهد بمعناه يرتقي بها إلى درجة الحسن، وقد حسنه النووي والحافظ أبو بكر السمعاني.
[26] عبد الرحمن بن أحمد بن رجب، جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثًا من جوامع الكلم، تحقيق: شعيب الأرناؤوط وإبراهيم باجس (بيروت: مؤسسة الرسالة، 1422هـ / 2001م)، 2/152.
[27] محمد بن إدريس الشافعي، الرسالة، تحقيق: أحمد محمد شاكر (مصر: مصطفى البابي الحلبي وأولاد، ١٣٥٧هـ / ١٩٣٨م)، 219.
[28] البخاري، “الزكاة”، 62 (رقم 1496)؛ مسلم “الإيمان”، 7 (رقم 19).
[29] البخاري، “فضائل القرآن”، 6 (رقم 4993).
[30] البخاري، “الأدب”، 76، (رقم 6116).
[31] جمال الدين عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، كشف المشكل من حديث الصحيحين، تحقيق: علي حسين البواب (الرياض: دار الوطن، د.ت.)، 2/13.
[32] أحمد، “المسند، 34/278، (رقم 20678)، وإسناده قوي كما قال محققوه.
[33] مسلم، “البر والصلة” 35 (رقم 2618)؛ أحمد، المسند، 33/35 (رقم 19791) واللفظ له.
[34] شرف الدين الحسين بن عبد الله الطيبي، الكاشف عن حقائق السنن، تحقيق: عبد الحميد هنداوي (مكة المكرمة: مكتبة نزار مصطفى الباز، 1417هـ /1997م)، 5/1550.
[35] البخاري، “الزكاة”، 1 (رقم 1397)؛ مسلم “الإيمان”، 4 (رقم 14).
[36] القاضي عياض، إِكمَالُ المُعْلِمِ، 1/224.
[37] مسلم، “المساجد ومواضع الصلاة”، 7 (رقم 537).
[38] المنهاج، النووي، 5/20
[39] البخاري، “الوضوء”، 59 (رقم 220).
[40] ابن حجر، فتح الباري، 1/325.
[41] وظيف البعير: أي خف البعير.
[42] أبو داود، “الحدود”، 24 (رقم 4419)؛ النسائي الكبرى، “الرجم”، 20 (رقم 7167). وإسناده حسن
[43] أحمد، المسند، 36/217 (رقم 21891).
[44] الترمذي، “الحدود”، 2 (رقم 1424). وفي إسناده ضعف.
[45] مسلم، “الجمعة”، 13 (رقم 869).
[46] أحمد، المسند، 22/463 (رقم 14623). وهو صحيح لغيره.
[47] البخاري، “العلم”، 28 (رقم 90).
[48] ابن بطال، شرح صحيح البخاري، 1/171.
[49] أحمد بن حنبل، المسند، 11/644 (رقم 7073)؛ أبو داود، “الأدب”، 65 (رقم 4943)، المستدرك، “الإيمان”، 8 (رقم (209)، وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وإسناد الحديث صحيح.
[50] نقله عنه: شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي، سير أعلام النبلاء، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرون (بيروت: مؤسسة الرسالة، 1405هـ/1985م)، 8/93.
[51] البخاري،”بدء الخلق”، 11 (رقم 3281)؛ مسلم، “السلام”، 9 (رقم 2175).
[52] محيي الدين يحيى بن شرف النووي، المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج (بيروت: دار إحياء التراث العربي، 1392ه)، 14/156.
[53] مسلم، “الفضائل”، 38 (رقم 2362).
[54] أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، دلائل النبوة، تحقيق: عبد المعطي قلعجي (بيروت: دار الكتب العلمية، 1408هـ / 1988م)، 3/31.
[55] البخاري، “الدعوات”، 48، (رقم 6382)
[56] ابن بطال، شرح صحيح البخاري،10/123.
[57] نقله عنه: محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني، نيل الأوطار، تحقيق: عصام الدين الصبابطي (مصر: دار الحديث، 1413هـ /1993م)، 3/90.
[58] عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، سنن الدارمي، تحقيق: حسين سليم أسد الداراني، (الرياض: دار المغني للنشر والتوزيع، 1412 هـ /2000 م)، “المقدمة”، 18 (رقم127)؛ وأورده ابن مفلح وقال: إسناده حسن. (محمد بن مفلح المقدسي، الآداب الشرعية والمنح المرعية (بيروت: عالم الكتب، د.ت.)، 2/70.
[59] البخاري، “الزكاة”، 1 (رقم 1397)؛ مسلم، “الإيمان”، 4 (رقم 14).
[60] مسلم، “البر والصلة”، 35 (رقم2618).
للاطلاع على المصادر والمراجع وقراءة البحث كاملاً اضغط هنا